يزخر مجتمعنا بعدة أنواع من الصناعات التقليدية اليدوية، وهناك مناطق معينة تعد مركزا وموطنا لبعض هذه الصناعات، وهي في الغالب حرف يدوية تتوارث بالأسرة الواحدة، غير أنها بالمقابل معرضة للزوال بسبب العديد من العوامل، لعل أهمها الإهمال ومشاكل التسويق خاصة بالنسبة للحرفيين محدودي الدخل، وهي الأسباب التي تثبط عزيمة الكثيرين في الحفاظ على حرفهم اليدوية. من بين هذه الحرف اليدوية نجد صناعة الأحذية التي تتطلب إلى جانب المهارة صبرا كبيرا بالنظر إلى صعوبة الانجاز ومهارة الإتقان كذلك. إذ أن انفتاح السوق المحلية على الإنتاج العالمي فرض على أصحاب هذه الحرفة التقيد بمقاييس الجودة، وإلا فإن منتوجاتهم ستتعرض للتكديس ليس إلا.. هكذا اعترف لنا السيد "بوجلطي يوسف" صانع أحذية من قرية تولموت في أقصى جنوب ولاية بومرداس، هذا الصانع جلب إليه الأنظار في جناحه بالأبواب المفتوحة حول التشغيل التي أقيمت قبيل أيام بالولاية، فالأحذية التي عرضها الحرفي مصنوعة بجودة كبيرة لدرجة أن كل من تردد عليه سأله إن كان هو فعلا من صنع كل تلك الأحذية التي اختلفت بين الأحذية الكلاسيكية للرجال والنساء والأطفال والأحذية الرياضية والنعال، قال "بوجلطي يوسف" في حديثه مع "المساء" إنه تلقن فنون صناعة الأحذية وهو ابن 17 من عمره وهي حرفة متوارثة عن الآباء والأجداد بحيث التصق اسم عائلته بصناعة الأحذية في قرية تولموت. وصقل الصانع موهبته بالالتحاق بمصنع صناعة الجلود بباب الوادي بالعاصمة لسنوات، ثم مصانع أخرى في ذات الصناعة إلى أن قرر الاستقلال بورشته في منزله ثم استفاد من إعانة من صندوق التأمين على البطالة لولاية بومرداس في ماي 2008 وتلقى وعودا بالحصول على محل للترويج لبضاعته التي تحتاج للتسويق الجيد، ولكن بلدية بني عمران مكنته من الحصول على محل في قرية جبلية نائية وهو ما جعله يناشد السلطات المحلية لولاية بومرداس بإعادة النظر في طلبه ذلك لأن منتجاته بحاجة إلى مناخ ملائم لترويجها، خاصة وأنها مصنوعة وفق مقاييس عالمية وبيد حرفية من الدرجة الأولى بالنظر إلى السنوات الطويلة للحرفي في صناعة الأحذية. ويؤكد المتحدث أنه بإمكانه تكوين الراغبين في تلقي فنون هذه الصناعة، وبذلك فإنه يفتح مجالا لتلقي فنون حرفية للشباب البطال الراغب في كسب مهارات يدوية تمكنه من الحصول مستقبلا على دعم مادي لفتح مؤسسة مصغرة. من جهة أخرى يتحدث صانع الأحذية عن منافسة الأحذية صينية الصنع التي اكتسحت مؤخرا السوق المحلية، فكانت لها آثار سلبية، بحيث تغير ذوق وطلب المستهلك، وأصبح مندفعا إلى شراء المستورد منها، فانخفض الطلب على المنتجات من الصناعات المحلية، الأمر الذي بات يهدد بقاءها وهجر الحرفيين لها والاتجاه إلى نشاطات أخرى، ومنها سوق الأحذية وصناعتها حيث نجد أن الموضة الرائجة هي الأحذية الصينية رخيصة الثمن، والتي دفعت بكثير من أصحاب المتاجر للتحول عن بيع الحذاء الجزائري محلي الصنع إلى بيع الحذاء الصيني، على الجانب الآخر يبرز هذا التحدي كأنه نداء لتطوير هذه الصناعة والانتقال من العمل اليدوي إلى الإنتاج الآلي، خاصة وأن انفتاح السوق المحلي على الأسواق العربية والإقليمية لن يبقي لهذه الورش أيَّ وجود لاحقا إن لم تنتقل إلى تكتل صناعي كبير، ولعل هذا ما يظهر عبر آليات دعم تشغيل الشباب التي أقرتها الحكومة الجزائرية سواء لتشجيع الشباب وخاصة البطال منهم للاستقلال بمؤسسته الخاصة ومنه خلق مناصب للشغل أو لتشجيع الإنتاج المحلي وجعله يضاهي المنتوج الأجنبي وفي عديد المجالات والاختصاصات.