إصرار رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو، على حضور المظاهرة الضخمة المنددة بالإرهاب في باريس، رغم تحفظ السلطات الفرنسية التي لم تكن ترغب في وجوده ضمن المتظاهرين حتى لا يحرجها، كان بهدف تبييض وجه إدارة الكيان الصهيوني، بعد المجازر الوحشية التي ارتكبتها ضد أطفال غزة. وماكانت باريس متخوّفة منه وقع، لأن نتانياهو لم يحضر للتنديد بالاعتداء الذي استهدف الأسبوعية الساخرة ”شارلي إيبدو” بقدر ما جاء ليمرر رسائل ويفرض مواقف جديدة ل«استرجاع” المواقف الأوروبية وخصوصا الموقف الفرنسي من القضية الفلسطينية، واتجاه البرلمانات الأوروبية نحو التسريع بدفع العواصم الأوروبية إلى الاعتراف بدولة فلسطين. وأكثر من ذلك، هو أن أكبر إرهابي وسفّاح عرفه التاريخ الحديث أراد أن يظهر أمام الرأي العام الأوروبي بأنه ذلك الحمل الوديع الذي جاء ليحذّر أوروبا من خطر الإسلام عليها وعلى الجاليات اليهودية، فراح يخلط بين الإرهاب والتطرف من جهة مقاومة الشعب الفلسطيني ممثلة في حركة حماس أو المقاومة اللبنانية مجسدة في حزب الله من جهة أخرى. فهيهات أن تكون المقاومة إرهابا، لكن يمكن للصهيونية أن تكون إرهابا، بل هما وجهان لعملة واحدة، ما دامت أيديولوجيتها هي القتل والدمار والمجازر والتعطش للدماء. ولتصحيح هذه الصورة التي أدركها العالم أجمع اليوم وبالخصوص أوروبا، حاول نتانياهو، وهو يعلم أنه آخر من يمكنه التنديد بالإرهاب، أن يستغل أحداث باريس ويصرف الأنظار عن انتهاكات ومجازر وإرهاب اسرائيل، إلى الجهة الأخرى، ليعلنها حربا على الإسلام والمسلمين، في وقت تسعى فيه السلطات الفرنسية إلى تهدئة الرأي العام الفرنسي وتحسيسه بعدم الخلط بين الإرهاب والمسلمين في فرنسا. وهو أحرج باريس التي كانت تدرك الهدف من إصرار نتانياهو على الحضور، ومازاد الطين بلّة أنه دعا يهود فرنسا إلى الهجرة لاسرائيل، واضعا السلطات الفرنسية في قفص الاتهام بالعجز عن حماية مواطنيها من أصول يهودية، زيادة عن كونه يبحث عن ذريعة ”مشروعة” لاستكمال وبناء المزيد من المستوطنات في فلسطينالمحتلة لاستقبال هؤلاء اليهود الذين عجزت باريس عن حمايتهم، حسب زعمه.