كشف الدكتور لحسن الزغيدي أن احتفال الجزائر بيوم الشهيد هو بمثابة اعتراف تاريخي بمسيرة الرجال الذين صنعوا هذا الوطن عبر أجيال متعاقبة دخلت في معارك ومقاومات وحروب أنجبت خريطة الجزائر التي دفعت فاتورة رقمية من الشهداء تعدى عددهم العشرة ملايين شهيد سقطوا على مدار 132 سنة من الاستعمار الفرنسي، إضافة إلى 4 آلاف شهيد سقطوا منذ الاستقلال جراء الألغام التي يعمل أفراد جيشنا الوطني الشعبي على استئصالها من رحم هذه الأرض الطاهرة. ولدى نزوله ضيفا أمس على منتدى الأمن الوطني بمناسبة إحياء اليوم الوطني للشهيد المصادف ل18 فيفري من كل عام، بحضور المدير العام للأمن الوطني اللواء، عبد الغني هامل ووجوه ثورية وسياسية وممثلين عن المجتمع المدني وإطارات من الامن، عاد الأستاذ والباحث في التاريخ الدكتور، لحسن الزغيدي إلى فصول هامة من تاريخنا العريق الذي تروي فصوله أمجاد وبطولات الملايين ممن ضحوا بالنفس والنفيس من أجل أن تنعم هذه الأرض بالحرية. وقال الدكتور إن الموقع الجيو استراتيجي الذي تحتله الجزائر بتواجدها بأهم قارة وغناها بالثروات الإنسانية والطبيعية، جعلها مقصدا ومطمعا للشعوب القوية التي اتخذت من هذه الأرض مفتاحا للقارة ليفرض عليها أن تكون دوما في مقدمة الحروب وطليعتها.. وانطلاقا من حروب يوغرطة إلى الفتوحات، وصولا الى فترة المقاومات الشعبية التي دامت 90 عاما وامتدت إلى ربوع الوطن وحتى التاسيلي والطوارق ثم إلى حرب التحرير، لم يتوقف الانسان الجزائري المعروف بنزعته الدفاعية عن القتال عن أرضه ولم تتوقف آلة الموت عن حصد الملايين منهم ممن ذهبوا فداءا للوطن والحدود. وتحدث المؤرخ عن حقائق ومستندات تؤكد النزعة الشرسة التي دخلت بها فرنسا إلى أرض الوطن وسعيها منذ البداية لإبادة وتشريد وتطهير العرق الجزائري واستبداله بالمعمر الفرنسي ضمن ما أسمته بالجزائر الفرنسية، والدليل انتقال عدد المعمرين من 65 ألف معمر سنة 1850 إلى 933 ألف سنة 1930 أي قرابة المليون فرنسي في ظرف زمني قصير، في حين بلغ عدد سكان الجزائر 8.5 ملايين سنة 1956 مقابل 6 ملايين سنة 1830 أي بنسبة نمو لم تتجاوز الربع. وما يؤكد النزعة العنصرية الفرنسية في إبادة الجنس الجزائري، هو إقدامها على غلق الحدود الشرقية والغربية للوطن بخطي شال وموريس القاتلين وزرع ما يزيد عن 12 مليون لغم عند مدخل الصحراء الجزائرية في خطوة لخنق الجزائريين الذين بلغ عددهم آنذاك التسعة ملايين نسمة، وهو ما أربك الفرنسيين الذين فشلت جميع سياساتهم الهمجية والانتقامية في التقليص منهم لتعمد ابتداء من 1957 في قتل الجزائريين ببطء من خلال التفجيرات النووية التي يمتد تأثيرها من 10 ثوان إلى 10 آلاف عام.وخص الدكتور الزغيدي فئة الشهداء بحديث مطول عندما حدد معدل ميلاد جيل نوفمبر ما بين 1817 و1927، وهي الفترة التي شهدت ميلاد جيل جديد وفريد من نوعه وهو من فجر الثورة وقادها وخرج بالوطن المستعمر إلى الحرية وبنى جزائر الاستقلال، مضيفا أن مقياس حرارة الوطنية بلغ سنوات الأربعينات من القرن الماضي ذروته، فرخصت النفس الجزائرية مقابل عزة الوطن وكان الجزائريون يموتون بالآلاف يوميا ليصل الى 3.5 آلاف شهيد يوميا وعلى مدار 15 يوما ابتداء من 8 ماي 1945 التي سقط فيها أزيد من 45 شهيد. وقبيل تاريخ إحداث ماي 1945، قتل ما بين 1830 و1880 قرابة 538 ألف جزائري وبين سنتي 1886 و1888 قتل أيضا أزيد من نصف مليون في ظرف عامين فقط، ومن هنا يؤكد المؤرخ أن الحديث عن الشهيد يتعدى تاريخ الثورة التحريرية التي اندلعت سنة 1954 وخلفت مليون ونصف المليون شهيد، مضيفا أن شهداء الجزائر يعدون بالملايين وقد يتجاوز عددهم العشرة ملايين شهيد، مشيرا في سياق حديثة إلى ثلاثة أجيال من الشهداء، احدهم هو جيل التفجير وهم من سقطوا أثناء المقاومات الشعبية ويليه جيل التحرير وهو الذي فجر ثورة نوفمبر وحرر الوطن ومن ثم جيل التعمير وهم شهداء الواجب الوطني.. للاشارة، تم عقب الندوة تكريم وجوه ثورية وتاريخية وفنية بالاضافة إلى تكريم عدد من متقاعدي الشرطة الأوائل.