تسعى الحكومة في الوقت الراهن إلى دعم الصادرات خارج المحروقات وتنويعها لمواجهة انهيار أسعار النفط. لكن سياسة دعم التصدير ليست وليدة هذا الوضع الجديد، وإنما تمتد إلى سنوات مضت. وبالرغم من محدودية النتائج المسجلة إلى غاية الآن، بالنظر إلى هيكل الصادرات الذي يبقى متشكلا من المحروقات ومشتقاتها في غالبيته، فإنه لا يمكن إنكار وجود تجارب تصديرية مشجّعة لمنتجين جزائريين لديهم طموح بعيد، بالرغم من العراقيل التي واجهتهم لاجتياز الحدود الجزائرية.واخترنا تسليط الضوء على عينتين لشركتين جزائريتين خاصتين، اختار أصحابها التوجه بمنتجاتهم نحو الخارج مع اختلاف الوجهتين. فالأولى اختارت السوق الإفريقية التي ترى فيها فرصا واعدة، فيما لم تتردد الثانية في اقتحام السوق الأوروبية بكل متطلباتها وقيودها. تتواجد شركة ”بي أم سي إلكتريك” المختصة في التجهيزات الكهربائية المنزلية، في حوالي 11 بلدا إفريقيا منها السنغال والكامرون وبوركينافاسو والبنين وموريتانيا، وتتفاوض لدخول أسواق 3 دول إفريقية جديدة هي كوت ديفوار والكونغو والسودان. ويؤكد السيد عبد الرزاق علالي، مدير التسويق أن الشركة التي بدأت إنتاجها في 2001، وتملك حاليا مصنعين في بئر خادم وبابا حسن وتنوي توسيع عملها بإنشاء مصانع جديدة، تضع نصب عينيها مجال التصدير منذ إنشائها بالرغم من أنها لا تغطي كل السوق الوطنية. ويشير إلى أنه من الخطأ القول بضرورة تغطية السوق المحلية ثم التفكير بالتصدير، لذلك فإن الشركة التي تملك 65 بالمائة من حصة السوق الوطنية، اختارت البحث عن أسواق خارجية منذ 2004، لتبدأ أول عملية تصدير في 2007. لكن هذه الاستراتيجية المتوجهة نحو الخارج، ليست ناتجة عن مجرد طموح، وإنما لعوامل موضوعية أهمها – كما قال محدثنا- توقع تراجع الطلب أو تشبّع السوق الجزائرية من هذا النوع من الأجهزة في العشر سنوات القادمة. ويشرح السيد علالي، قائلا ”هناك طلب كبير حاليا على منتجاتنا في السوق الجزائرية، راجع خصوصا إلى ضخامة البرامج السكنية التي وضعتها الدولة في كافة الصيغ، لكن بعد 10 سنوات ستتغير المعطيات وستنقص وتيرة بناء السكنات، وبالتالي فإن الطلب على منتجاتنا سيتراجع بالضرورة، لذا لابد أن نذهب إلى أسواق خارجية”. غياب اتفاقيات تجارية مع الدول الإفريقية يرهن حظوظ الجزائريين وبهذا المنطق اختارت الشركة استكشاف الفرص الموجودة في إفريقيا، والسبب يقول محدثنا هو وجود قدرات هامة في القارة يمكن استغلالها لاسيما وأن الإجراءات بها أسهل من تلك المطبّقة في الدول الأوروبية بالخصوص، كما أن الأخيرة تشهد ”تشبّعا” يجعل من المنافسة فيها أمرا صعبا. وعرفت الشركة كيفية فتح أبواب التصدير من خلال مشاركاتها المتعددة في المعارض التي تنظمها الوكالة الوطنية لترقية الصادرات بالبلدان الإفريقية، حيث كانت هي الخطوة الأولى التي استغلتها بالاستفادة من صندوق دعم الصادرات. ويقول بهذا الصدد ”الدولة ساعدتنا كثيرا لأنها تدفع 80 بالمائة من قيمة مشاركتنا في المعارض خارج الوطن، وهذا سمح لنا بالتسويق منتجاتنا والإشهار في وسائل إعلامهم عبر حملات مقبولة الثمن، فألف أورو تمكّنك من القيام بحملة إشهارية في تلفزيون وإذاعة وصحف هذه البلدان”. وحاليا تملك الشركة خبرة هامة في التسويق الخارجي والتصدير وتملك أعوانا مؤهلين، وهي تعمل على تطبيق استراتيجية انتشارها في السوق الوطنية على الأسواق الخارجية، والمتمثلة في ”المرافقة” أي العمل على خلق الطلب ومرافقة وكيل الشركة عن طريق تقريبه من تجار التجزئة والجملة بذلك البلد. لكن أمام هذه الإرادة تسجل بعض العراقيل أهمها ضرورة توقيع اتفاقيات تجارية ثنائية مع البلدان الإفريقية لتسهيل الإجراءات وتقليص نسب الرسوم الجمركية. ويوضح في هذا السياق قائلا ”في السنغال أو الكامرون مثلا وبفضل مثل هذه الاتفاقيات يدفع المتعاملون التونسيون والمغاربة رسوما جمركية بنسبة 15 بالمائة فقط ونحن ندفع 58 بالمائة، ولذا فصعب أن ننافس حتى لو كان لدينا منتج جيد”. كما يطرح مشكل النقل نحو هذه الدول، حيث لا يفهم كيف تتحكم أربع شركات عالمية في النقل البحري، مشيرا إلى ضرورة وجود شركة وطنية تتكفل بهذا الجانب حفاظا على المصالح الوطنية، وتمكينا لفتح باب أسواق جديدة أمام المتعاملين الجزائريين. إشكال آخر يتطرق إليه وهو استيراد المادة الأولية من الخارج رغم أنها عبارة عن مشتقات بترولية، ويدعو في هذا الصدد إلى ضرورة القيام بعمليات تحويل بدل تصدير البترول خاما، وهو ما سيمكن من تخفيض تكاليف الإنتاج بتوفير هذه المواد محليا. وتصدر الشركة حاليا حوالي عشر حاويات سنويا وتعمل على إضافة بلدين إفريقيين لقائمة زبائنها كل عام، لكن حسب قدراتها الإنتاجية التي ستتعزز بإنشاء مصانع جديدة. ومع السياسة الجديدة للحكومة التي تملك ”إرادة ونية حسنة” لتشجيع التصدير حسب محدثنا فإنه يرى أن الوقت لم يحن بعد للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وإذا تم الأمر فمن الضروري حماية الإنتاج الوطني الذي سيكون في غياب الحماية أمام منافسة شرسة. المرافقة البنكية شرط أساسي لتلبية الطلبيات الخارجية وعكسه لا يعتبر السيد بوعبد الله أسكار، المدير المساعد لشركة ”اينوتيس” المختصة في صناعة الأنسجة غير المنسوجة، اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أو الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عائقا أمامه، وهو الذي يصدّر منتجاته إلى 50 بلدا في كل أرجاء العالم أغلبها بأوروبا. فالمصنع الموجود بوهران والوحيد وطنيا وعربيا وإفريقيا في هذا الاختصاص الجزائري مائة بالمائة، (صنع الأنسجة غير المنسوجة انطلاقا من ألياف البوليستر والورق التقني الخاص المستوردة) بدأ الانتاج في 2005 والتصدير في 2007، إلا أن حجم التصدير يبقى ضئيلا بمعدل مليون أورو سنويا، والسبب هو ”غياب المرافقة البنكية للمصدرين”. ويقول المتحدث ”إننا نعمل حاليا ب20 بالمائة فقط من قدراتنا الإنتاجية، كما أن التصدير لا يمثل سوى 40 بالمائة من إنتاجنا، وهو حجم غير كبير مقارنة بالطلبيات التي نتلقاها من زبائننا في أوروبا، بالنظر إلى جودة منتوجنا الذي هو ابتكار جزائري، ومطابقته للمواصفات العالمية للنوعية والجودة”. أمام هذا لا تجد الشركة المساعدة اللازمة التي تمكّنها من رفع حجم صادراتها ويتعلق الأمر خصوصا بغياب المرافقة البنكية عبر قروض التصدير التي تعد شرطا أساسيا لتمكين المتعامل من ضمان التزاماته تجاه زبائنه في الخارج. ويوضح ”هناك بطء شديد في عمل البنوك وبيروقراطية تؤدي إلى خسارة الطلبيات الكبيرة من الخارج، لذا لا يمكننا تصدير كميات أكبر لأن عامل الوقت مهم جدا في الرد على زبائننا والاستجابة لاحتياجاتهم، وإلا فإن النتيجة هي خسارة الزبون ومصداقية الشركة”. ويرى ممثل الشركة أن التعامل مع أوروبا لا يشكل أي عائق أمام هذا المنتج (المستخدم في عدة مجالات منها صناعة المناديل الورقية وبعض المعدات الطبية)، عكس ذلك فإنه يمكّن من الاستفادة من بعض المزايا أهمها الإعفاء من الرسوم الجمركية.