هو من مواليد دمشق سنة 1958، من أسرة فلسطينية هٌجّرت قصرا من مدينة حيفا الفلسطينية إبان الاحتلال، تخرج سنة 1984 من كلية الفنون الجميلة بدمشق (قسم النحت)، آثر على نفسه حمل هموم وطنه والنضال بفنه لإيصال رسالة إلى العالم بأنّ الفلسطينيين لن يتخلوا عن أرضهم مهما طال الاحتلال ... يقيم بالجزائر منذ سنتين وشارك في الأسبوع الثقافي الفلسطينيب«قسنطينة عاصمة الثقافة العربية»، فقدّم منحوتات بأنامل ولمسات فلسطينية ومواد أولية جزائرية.. «المساء» التقته خلال معرضه بقصر الثقافة «محمد العيد آل خليفة»، وكان هذا الحديث.. ❊ ما الموضوع المتناول في معرضك؟ ❊❊ عمليا، الموضوع الأساسي الذي أشتغل عليه في الوقت الحالي، هو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وإفرازات هذا الصراع على الفلسطينيين انطلاقا من الجانب الوجداني..أنا لا أدخل في التفاصيل مباشرة، لكن أبحث عن الانطباعات المرسومة على وجوه الناس وفي حركاتهم. ❊ المنحوتات التي تعرضها، موزّعة بشكل معين، فهل هذا مقصود؟ ❊❊ صحيح، وزّعتها على 3 مناطق، فأنا اشتغل على 3 محاور، أوّلها محور الانتظار الذي أجسّد فيه سيدات ينتظرن عودة رجال غائبين، سواء شهيد، أوأسير عند الاحتلال أو حتى سجين سياسي وفي أحسن الأحول غياب الرجل في المهجر للبحث عن رزق الأطفال، هؤلاء النسوة يواجهن الاحتلال كما يواجهه الرجال، ولكن عليهن عبء مضاعف وهو غياب الرجل، وبذلك تكون المرأة في مواجهة الاحتلال وتقوم بدور المرأة ودور الرجل الغائب في نفس الوقت، فهي في انتظار، هذا الموضوع أثّر فيّ شخصيا، وبدأت في إنجاز بعض المنحوتات التي تجسّد نساء يبحثن عن عودة الرجل الغائب، أو ينتظرن رجالا كما انتظر الشعب الفلسطيني عودة الوطن الذي يقينا سيعود ولو بعد حين. ❊ وماذا عن الموضوعين الثاني والثالث؟ ❊❊ الموضوع الآخر الذي عرضته، هو موضوع النكبة التي أعتبرها مفردة فلسطينية تروي قصة احتلال فلسطين سنة 1948 من طرف إسرائيل، هذا العدو الغاشم الذي احتل الأرض وطرد أصحابها بقوّة السلاح دون أن يترك لهم ذكريات مادية يمكن أن يحملوها معهم.. النكبة عند الفلسطينيين تتكرّر اليوم في غزة وفي مخيم اليرموك بسوريا، وهذه الأحداث جعلتني أعيش النكبة من جديد، ضمن صراع على السلطة، نحن ننظر بعيدا إلى بلادنا وهذا الموضع جعلني أقدّم مجموعة من الأعمال. الموضوع الثالث، قدّمت فيه أعمالا متنوّعة، جلّها له علاقة بالحنين إلى الأرض، وجسّدت انطباعات وجوه تستطيع قراءتها مثل قراءة وجه صديقك، بحيث ترى جملة من المشاعر على الوجه انطلاقا من الدائرة الصغيرة التي أعيشها، وعليه وبشكل عام قدّمت أعمالا التي هي عبارة عن كتل من الأشخاص أوشخص واحد، وحاولت من خلالها وضع عمل تفاعلي، يمكن من خلاله للجمهور أن يغيّر الشكل ويغيّر حتى معطيات الموضوع قليلا وفي حدود معينة. ❊ ما هي المواد التي تستعملها للتعبير عن مكنوناتك الداخلية؟ ❊❊ من حيث المادة، استعمل ثلاث مواد في عملية النحت الفني التي أقوم بها الرخام، الحجر والخشب، كما لديّ بعض التجارب الجبسية وهي دراسات سأعمل على تنفيذها بمواد أخرى، تجربتي السابقة كانت في البرونز، لكن الأعمال التي قمت بها في الجزائر ومنذ قدومي منذ حوالي سنتين، فهي مواد أولية محلية جزائرية نحتت بأياد فلسطينية. ❊ هل تجد صعوبة في إيجاد المواد الأولية؟ ❊❊ في البداية عندما جئت إلى الجزائر من سوريا، لم أكن أعرف من أين آتي بالمواد الأولية ولم تكن لي أيّ اتّصالات مع النحّاتين والفنانين الجزائريين، ولكن مع الوقت اكتشفت بعض المناطق التي أحضر منها المواد الأولية وحتى بالمجان، فقد أصبحت أجمع الحجارة وبعض المواد المستعملة في النحت من أحد الوديان ببوسعادة بولاية المسيلة التي أقيم بها منذ مدة، أما الرخام فأشتريه من ولاية سكيكدة عبر مجموعة من الحرفيين العاملين بمدينة بوسعادة. ❊ وماذا عن الأدوات؟ ❊❊ بالنسبة للأدوات، أجد نوعا ما صعوبة في اقتنائها، فهي قليلة بهذه المنطقة، خاصة في ظلّ عدم وجود عدد كبير من النحاتين بمنطقة بوسعادة، وكذا غياب المختصين الذين يعملون على مادة الرخام بالمنطقة، وهنا تجدني أتدبّر أموري للحصول على الأدوات التي أستعملها في نحت الحجارة والمواد الصلبة. ❊ كفنان فلسطيني، تقع على عاتقك قضية تدافع عنها وتحملها إلى مختلف دول العالم... ❊❊ نحمل رسالة إلى المثقفين والجمهور العريض عبر مختلف أنحاء العالم، هذا عبء كبير وهذه ليس خيارات اتجهنا إليها وإنّما هي أمر فرض علينا فرضا، وأظن أنّ الفنان حتى يكون صادقا، يتوجّب عليه أن يتكلّم عمّا يقلقه وما يحس به أكثر ما يمكن، مسألة الصراع، فقدان الوطن، الهجرة والغربة وكذا النكبة، هي مشاكل حياتي الشخصية قبل أن تكون مشكلة وطني، فكرة العودة إلى قريتي، وفكرة طرد أهلي بالقوة وأكثرهم توفوا دون أن يتمكّنوا من العودة إلى وطنهم، هذا الأمر لا يزيدنا إلاّ إصرارا على القضية ويزيد أبناءنا إصرارا أيضا على حمل الرسالة من بعدنا، وهذا الموضوع يلحّ كثيرا على ذاكرتي، فإذا فكّرت بصدق فهو الموضوع الأقرب للعمل عليه قبل أن يكون موضوع الوطن. ❊ إذن ترى أنّ فنك نوع من النضال؟ ❊❊ أعتبر أنّ فننا نوع من النضال وسنواصله، وهو رسالتنا في الحياة إلى أن يجمعنا الله بأوطاننا ونتمكّن من العودة مكرّمين كما خرجنا في وقت مهانين. ❊ كيف وجدت تجاوب الجمهور معك؟ = أنا لا أرى أنّ الجزائر بلد آخر، بل أرى أنّ الجزائروفلسطين بلد واحد، وهذه ليست مجرّد عواطف، فإذا رجعنا إلى التاريخ وما قبل التاريخ، فمن الفينيقيين، إلى الرومان، وحتى في فترة الإسلام، كانا بلدا واحدا وشعبا واحدا فصل بينهما فقط الماء، حتى إذا تطلّعت على وجوه الجزائريين تجد فيهم ملامح وجوه من المخيم الذي كنت أسكنه، خاصة بحي المغاربة حيث كنت أقطن، فأغلبهم كانوا فلسطينيين من أصول جزائرية..هناك العديد من الجزائريين في القرون الماضية قصدوا مكة للحج وفي رحلة العودة استقروا بفلسطين، وأظن أنّ هذا الأمر انعكس على الشخصية الفلسطينية، فثقافتنا، طبيعتنا في الحياة وحتى عصبيتنا ومسألة «النيف»، أظن أنّنا ورثناها من الجزائريين الذين نشبههم أكثر من أيّ شعب عربي آخر. ❊ هل تشعر بالغربة في الجزائر؟ ❊❊ الغربة تبقى غربة ولكن في الجزائر لا نشعر بها كثيرا، فقد عوّضنا الله بجيران جزائريين في المستوى وبأصدقاء أوفياء، أنسونا نوعا ما همّ الغربة والتشتّت، شعب الجزائر شعب مضياف ورائع، يحبّ فلسطين أكثر من الفلسطينيين كما نحب نحن الجزائر أكثر من الجزائريين. ❊ ماذا تقول عن مشاركتك في فعاليات «قسنطينة عاصمة للثقافة العربية»؟ ❊❊ هي فرصة مهمة جدا بالنسبة لي شخصيا وللوفد الفلسطيني، سواء الذين جاؤوا من فلسطينالمحتلة أو الذين أتوا من بلدان الشتات ودول العالم الأخرى، جئنا إلى هذه المدينة التي أرى أنّها مدينة الجمال والعلم، أدهشتنا جسورها، المدينة القديمة وحتى قصر الثقافة الذي نعرض به فهو مكان جميل جدا، هي فرصة كما قلت للتعريف بقضيتنا وجانب من جوانب الثقافة الفلسطينية التي يعمل الاحتلال على طمسها بكلّ الوسائل، هذه التجربة أضافت إلى رصيدنا شيئا هاما وأتمنى أن تكون قد أضافت إلى الجمهور القسنطيني ومن ورائه الجمهور الجزائري ولو شيئا بسيطا عن بلدنا فلسطين.