يشرع الرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كيتا، في زيارة عمل وصداقة إلى الجزائر ابتداء من اليوم وإلى غاية الفاتح من سبتمبر، بدعوة من رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، حسبما أفاد به أمس، بيان لرئاسة الجمهورية، حيث أشار إلى أن هذه الزيارة تعزز التقاليد العريقة للأخوة والتضامن والصداقة والتعاون وحسن الجوار القائمة بين البلدين. وأضاف البيان أن "المحادثات التي ستجمع رئيسي البلدين ستسمح لهما بتبادل وجهات النظر بشأن المسائل الإقليمية والدولية وفي صدارتها تنفيذ اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة في مالي ولصالح الجيران وأمن المنطقة". وخلص البيان إلى أن "توجيهات الرئيسين بوتفليقة وكايتا ستلهم أشغال وفدي البلدين من أجل ترقية التعاون الثنائي والمبادلات في جميع المجالات بما يعود بالمصلحة على الشعبين". وقد نجحت الدبلوماسية الجزائرية في إنهاء فصول أزمة مالي، ولم شمل الفرقاء بالتوقيع على اتفاق السلام، الذي ينتظر أن يحدد الخطوط العريضة لمستقبل البلاد بعد مرحلة صعبة دامت حوالي أربع سنوات مست بالأمن والاستقرار في شمال البلاد ومنطقة الساحل. وكان الرئيس كايتا، قد طلب المساعدة من الرئيس بوتفليقة في شهر جانفي 2014، والتدخل لإنهاء العنف الذي تعيشه دولته. وهو ما رحبت به الجزائر التي ترتكز سياستها الخارجية على حسن الجوار. وشهدت العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة ديناميكية ميّزها الدور المحوري الذي لعبته الجزائر في إبرام اتفاق السلم والمصالحة من أجل تسوية سلمية للأزمة التي يعيشها مالي. وغداة التوقيع على هذا الاتفاق أعلن الرئيس المالي، عن التزام بلده ببذل كامل جهوده من أجل إحلال السلم والاستقرار وحتى يشهد العالم أن جهود الجزائر لم تذهب سدى. فقد رعت الجزائر مفاوضات السلام بين الفرقاء بمباشرة الجولات التمهيدية لتقريب الرؤى بين الحركات السياسية العسكرية وحكومة مالي، وتوفير شروط نجاح الحوار الشامل المنشود، حيث توجت بالتوقيع على اتفاق السلم والمصالحة النهائي في 20 جوان الماضي بباماكو. وقد سبق هذه الخطوات التوقيع على إعلان الجزائر في 9 جوان 2014، وأرضية التفاهم المبدئية للحوار في 14 جوان من نفس السنة، حيث شكلا أساس مسار التفاوض. وعلى إثر إبرام هاتين الوثيقتين تم تشكيل كتلتين على مستوى الحركات، أولاهما تنسيقية الحركات الموقّعة على إعلان الجزائر، وتضم كلا من الحركة الوطنية لتحرير الأزواد والمجلس الأعلى لتوحيد الأزواد والحركة العربية للأزواد، وثانيهما الحركات الموقّعة على أرضية التفاهم المبدئية وتشمل التنسيقية من أجل شعب الأزواد، وتنسيقية الحركات والجبهات القومية للمقاومة والحركة العربية للأزواد (المنشقة). وبناء على ذلك تم عقد أول جولة للحوار المباشر بين الفرقاء الماليينبالجزائر من 17 إلى 24 جويلية، توجت بتوقيع الحركات السياسية المسلحة الست المعنية بالأزمة على وثيقتين تتضمنان ورقة الطريق للمفاوضات في إطار مسار الجزائر، وإعلان وقف الاقتتال قصد تهيئة الشروط الضرورية لحل شامل ومتفق عليه لمشاكل مناطق شمال مالي. وتخللت هذه الجولة الأولى التي وصفت بالخطوة العملاقة نحو السلم بوادر حسن نية من قبل الطرفين الأساسين في الحوار، حيث تبادلت الحكومة والحركات الست عشرات الأسرى في أول عملية من هذا النوع منذ بدء الأزمة. وبين مطالب تراوحت بين الرغبة في الانفصال التام عن باماكو، وبين الإشراك في دواليب الحكم والتسيير وتحقيق التنمية في مناطق الشمال، تمايزت مواقف الأطراف المنخرطة في الحوار واختلفت أولوياتهم بين مهتم بالشق الأمني للأزمة، ومرافع من أجل الحقوق السياسية والتنموية لسكان الشمال. وبغية أن تعالج هذه المفاوضات كل القضايا الخلافية بما فيها الأمنية والسياسية والتنموية والثقافية، عمدت الوساطة منذ الجولة الثانية (1 سبتمبر 2014) إلى تشكيل أربع لجان تقنية تختص الأولى في القضايا السياسية والمؤسساتية والثانية بالمسائل الأمنية ولجنة ثالثة للعدالة، ورابعة للتنمية والقضايا الاجتماعية. وقد أفضت هذه الهيكلة المبتكرة لآلية الحوار التي سميت بمرحلة المفاوضات الجوهرية إلى تعميق النظر في كل القضايا الخلافية، والوقوف على انشغالات كل طرف على نفس القدر من الأهمية، وهو ما مكّن فريق الوساطة من توسيع دائرة التوافق إزاء العديد من المسائل، وحصر أوجه الخلاف في نقاط لا تتجاوز الأربع أو الخمس. وتميّز هذا المسار خلال جولاته الأربع (جويلية - سبتمبر- أكتوبر- نوفمبر) بثبات كل الأطراف على نهج الحوار لحل الأزمة على الرغم من محاولات التشويش التي حدثت من حين لآخر باستهداف القوات الأممية في مالي. وتضمنت مسودة النسخة الأخيرة التي قدمتها الجزائر بخصوص اتفاق السلام بين الفصائل المالية والتي لقيت إجماعا من قبل الأطراف المشاركة، نقاطا عدة من بينها إعادة بناء الوحدة الوطنية في البلاد، بطريقة تحترم وحدة أراضيه وتأخذ في الاعتبار تنوعه الإثني والثقافي، مع تشكيل مجالس إقليمية منتخبة قوية يقودها رئيس منتخب بشكل مباشر، بالإضافة إلى منح تمثيل أكبر لسكان المناطق الشمالية في المؤسسات الوطنية، وإجراء انتخابات محلية في غضون 18 شهرا. ويطرح "اتفاق السلام والمصالحة في مالي" المؤلف من 30 صفحة والمتضمن 67 مادة وثلاثة ملاحق، نقل مجموعة من السلطات من باماكو إلى المنطقة الشمالية المضطربة من البلاد دون الحديث عن حكم فيدرالي، مع خلق مجالس جهوية يجمعها مجلس أعلى، على أن تضع الحكومة ابتداء من 2018 "آلية لنقل 30 في المائة من عائدات الميزانية من الدولة إلى السلطات المحلية مع التركيز بشكل خاص على الشمال"، كما يقترح النص منطقة تنمية في الشمال تحظى بدعم دولي لرفع مستوى المعيشة في تلك المنطقة لتشمل العملية بقية أنحاء البلاد خلال 10 إلى 15 عاما. كما تنص مسودة الاتفاق أيضا على تنظيم مؤتمر وطني يجمع بين جميع الأطراف خلال عامين للتوقيع على "اتفاق نهائي وشامل"، وإنشاء شرطة جهوية تكون عملية في غضون شهرين، تضم ممثلين عن كل الأطراف المالية بالموازاة مع إعادة دمج المسلحين في الجيش، على أن يتم إنشاء شرطة ذات اختصاصات في ظرف سنة واحدة فيما بعد تكون مهمتها حفظ الأمن كل حسب موقع اختصاصه. وقد أجمع المجتمع الدولي على الدور المحوري الذي لعبته الدبلوماسية الجزائرية لحل الأزمة المالية وتحقيقها للهدف المنشود، وهو التوصل إلى اتفاق بين جميع الأطراف. من جهة أخرى تميّز تطور العلاقات بين الجزائر وباماكو بتبادل الزيارات على أعلى المستويات في الدولتين من أجل تعزيز علاقات الصداقة العريقة وفتح آفاق جديدة لتنويع التعاون. فقد قرر البلدان وضع آليات جديدة في إطار تعزيز التعاون الثنائي من خلال استحداث لجنة ثنائية لمتابعة تنفيذ القرارات المرتبطة بالتسوية السليمة للنزاع في شمال مالي. كما اتفق البلدان على وضع و تنفيذ ترتبيات خاصة بأمنهما المشترك تراعي تعزيز التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب والتهريب. وتم الاتفاق أيضا على وضع اتفاق خاص لصالح التنمية الاقتصادية في شمال مالي و في المناطق الحدودية بين البلدين.