تأسف الأستاذ عبد المجيد شيخي عن تجاهل تركيا حاليا والإمبراطورية العثمانية سابقا، لدور الجزائر الريادي في حمايتها بأسطولها البحري العظيم، مؤكدا في السياق نفسه على أن الجزائر كانت دولة حديثة في تلك الحقبة ولم تكن مستعمرة عثمانية، أما حمزة زكار، فقال بأن الرايس حميدو الذي يعد الجزائري الوحيد الذي صعد إلى مراتب عليا في البحرية؛ أندلسي الأصل. وقدم السيد عبد المجيد شيخي، مدير الأرشيف الوطني، رفقة المهتم بالتاريخ وسليل الرايس حميدو، حمزة زكار، محاضرة في نهاية الأسبوع بقصر رياس البحر، حول ذكرى المائتين لوفاة الرايس حميدو، في معركة ضد الأسطول الأمريكي في أكتوبر من سنة 1815. وكانت هذه المحاضرة فرصة لشيخي، ليتناول عدة نقاط تتعلق بالجزائر كدولة في العهد العثماني، فقال إنه يجب تناول التاريخ بكل موضوعية، حتى نستفيد من أخطاء الماضي والمضي نحو الأمام، مضيفا أنه لا يجب إسقاط الحاضر على ما وقع في الماضي، بل القيام بعكس ذلك بغية بناء المستقبل. وأشار المتحدث إلى العديد من المؤرخين أخطأوا في كتابة تاريخ الجزائر في الحقبة العثمانية، معتبرا أن الجزائر تحولت من إمارات إلى دولة حديثة في العهد العثماني، وتحقق ذلك بعد طلبها صراحة لحماية عثمانية من الاسبان وتحقق لها ذلك من خلال خير الدين بربروس الذي قرر الانسحاب من الجزائر بعد استتاب الأمن من خلال بناء سور بألف مدفع وتقسيمها إلى ثلاث ولايات، إلا أن أهل الجزائر أرسلوا برقية إلى السلطان العثماني يطالبونه فيها بتنصيب خير الدين حاكما للبلد. وأكد شيخي أن الجزائر لم تكن مستعمرة عثمانية، بل انضمت إلى الإمبراطورية، مما انجر عنها وضع قانوني خاص، حتى أن حاكمها كان الداي وليس الباي ويقصد بالداي الأخ الأكبر لسلطان الدولة العثمانية، وكان على الجزائر فقط أن تدعو للسلطان في صلاة الجمعة وكذا إرسال هدايا له وكان يرد بأحسن منها. كما رسمت حدود الجزائر من الجهتين الشرقية والغربية في تلك الفترة وبقيت ثابتة. ودحض شيخي تشكيك البعض في جزائرية رياس البحر، وقال بأن مسألة الجنسية حديثة وأن الإسلام هو الرابط الوحيد بين كل من ينطق الشهادة، ليضيف أن العديد من الرياس أسلموا وحسن إسلامهم، ليشير إلى أن مؤسس الدولة الرستمية فارسي ومؤسس الدولة الفاطمية بمصر، جزائري. واسترسل شيخي في الحديث عن رياس البحر، فقال إنهم كانوا يعشقون الجزائر ويتحركون تحت إمرة الداي، أي أنهم كانوا يسيرون وفق قوانين الدولة وليس على أهوائهم، كما كانوا يجلبون غنائم البحر ويأخذون حقهم بالقانون، وكل ما يجلبونه مسجل في دفتر معلوم في الخزينة العمومية، ليطالب بضرورة إعادة الاعتبار لمن أحب البلد وخدمه بكل تفان. وانتقل المتحدث إلى دور الجزائر الأساسي في حماية الدولة العثمانية، من خلال استغلالها للبحر الذي أنعمها الله به، حيث تحتوي على 1200 كلم من الساحل وتقع في وسط المتوسط، وكذا الاستحداثات التي قامت بها والتي ما تزال الدول تعمل بها في مجال البحرية والمتعلقة بالبوليس البحري وهي: حق الملاحقة وحق المراقبة وحق المصادرة. وأكد شيخي أن الجزائر لم تكن دولة القراصنة، بل كانت تسير وفق قوانين، فمثلا هي الأولى التي أوجدت جواز سفر للسفن، وكان ذلك عبارة عن ورقة تمزق إلى نصفين، نصف يقدم لصاحب السفينة والنصف الثاني لسفينة المراقبة، وحين التقاء السفينتين، يتم إلصاق الورقتين، فإن تحقق ذلك فهذا يعني أن السفينة الأولى أقامت دولتها معاهدة سلم فيمكن لها أن تعبر البحر تحت حماية الجزائر، وفي حال عكس ذلك، تتم مصادرتها. ودعا شيخي، المؤرخين إلى الكشف عن المزيد من خبايا تاريخ الجزائر في العهد العثماني من خلال بذل جهد أكبر، خاصة أن الوثائق مكتوبة باللغة العثمانية القديمة. منتقلا إلى قوة الجزائر التي حمت الإمبراطورية العثمانية طيلة ثلاثة قرون كاملة، حيث تحملت كل الضربات، مضيفا أنه لو لم تكن الإمبراطورية العثمانية مرتاحة من الجنوب لما توسعت من الشمال. من جهته، تناول حمزة زكار، مسيرة الرايس حميدو الذي كشف عن أنه اندلسي الأصل رغم أن الكثيرين يعتقدون أنه جزائري الأصل، ليضيف بأن مسألة الجنسية لم تكن واردة آنذاك، بل كان الإسلام الرابط الوحيد بين الجميع، كما أشار إلى أن أحد العقود يشير إلى أن اسمه هو حميدو بن علي الشريف الحرار، حيث كان والده حرارا (يخيط حايك المرمىّ)، ويعتقد أنه كان من نسل الرسول، وأن لقب الشريف أعطي لوالده تكريما له لكونه والد الرايس حميدو. وأضاف حمزة أن الرايس حميدو اهتم بالبحر منذ طفولته، ليتعلم أصول هذا الفن وتحول إلى قائد عظيم للبحرية، حيث يعد الجزائري الوحيد الذي وصل إلى أعلى مراتب القيادة البحرية في تلك الحقبة، وهنا يتوقف المتحدث ويؤكد أن الوصول إلى درجات عليا في البحرية يتطلب مؤهلات، وليست قضية عنصرية. ودرس حميدو إلى غاية سن ال14 وتعلم أصول اللغة وحفظ القرآن والحديث، ثم غير وجهته إلى عالم البحرية وانتقل إلى وهران وحقق نجاحات عظيمة، ثم دعاه داي الجزائر وطلب خدماته، فكان له ذلك، لكن أثناء خروجه بفرقاطة في القل، فاجأته عاصفة فتحطمت السفينة وانقذ طاقمه، فكاد حميدو أن يعدم. أما في حادثة البرتغالية، فقد استطاع أن يؤسر سفينة عظيمة من خلال المناورات، ويقال بأن كل سكان العاصمة نزلوا إلى الميناء لمعاينة السفينة العظيمة، وأضاف المتحدث أن الرايس حميدو تم نفيه إلى لبنان، ثم عاد وخاض المعارك وخرج إلى المحيطات، وكانت آخر معاركه ضد أمريكا بعد أن أرغم أسطولها على توقيع اتفاقية سلام، إلا أن المعركة الثانية كانت أقوى وتوفي بعد نصف ساعة من المعركة التي دامت خمس ساعات وطالب من مرافقيه أن يرموه في البحر في حال استشهاده، حتى لا يسلب العدو جثمانه، وكان له ذلك.