امتزجت ألوان مرجان القالة، بحمرة طين أواني البويرة، وبياض ثلوج قمم تيكجدة، لتشكّل لوحة فنية جميلة، ازدادت جمالا في تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، والتقت مقاومة تاكفريناس للرومان بمقاومة أهل جبل غورة، كما التقت مقاومة الشيخ بوبغلة بنضال فرانز فانون، وحملت الطارف، سحرها وجمالها الأخّاذ، حملت معها عبق جنانها وبحيراتها، طيورها ومرجانها، لتحطّ الرحال بعاصمة الثقافة العربية وهي تضع اليد في اليد مع مدينة حمزة ومدينة توفيرست، مدينة بياض جبال تكيجدة وعذوبة مياه جبال لالة خديجة. فتحت قسنطينة ذراعيها مجددا لمختلف مناطق الوطن، وكان الدور في نهاية الأسبوع لولايتي البويرة والطارف، حيث أشرف الدكتور سعد الدين نويوات على انطلاق التظاهرة بحضور المدير العام للأرشيف الوطني، الدكتور عبد المجيد شيخي وعدد من الشخصيات الثقافية والفنية، وطاف الوفد بأجنحة معرض الطارف واستمعوا لشروحات العارضين الذين قدّموا أجمل اللوحات التي تعكس جمال مدينة حديقة الطيور. وشملت المعارض أعلام المدينة، تعريفا بحظيرة القالة، صناعة الحلي من المرجان، الأكلات الشعبية والحلويات التقليدية، صناعة اللباس التقليدي، الفنون التشكيلية وصناعة تحف الزينة انطلاقا من الخشب وبعض مسترجعات بقايا الحيوانات، على غرار القرون، النحت على الخشب ومعرض خاص بالغليون، كما طاف الوفد الذي رافقه مشاركون في الملتقى الدولي حول الصحافة العربية والثورة التحريرية المنعقد بجامعة "الأمير عبد القادر"، بالعديد من أجنحة ولاية البويرة التي حملت تراث مدينة "حمزة" من لمحة تاريخية، صناعة الفساتين والزرابي القبائلية، الحلي الفضية، صناعة زيت الزيتون، الأكلات الشعبية، الخط العربي والأمازيغي، الأواني الفخارية والحديدة القديمة واللوحات الزيتية والصور الفوتوغرافية التي تعكس جمال الوطن وجمال المرأة الجزائرية. الشعبي، المالوف والعيساوة واستهلت فرقة "أمال المالوف لولاية الطارف، الحفل الفني وأدى الفنان شايب محمد في طابع الشعبي أغنية بعنوان "أنا طرفاوي وليد الطارف العالي"، ثم قدّم أغنية أهداها إلى قسنطينة وأبنائها الذين يعيشون على وقع "تظاهرة عاصمة الثقافة العربية" وقال في مطلعها؛ "عيت ما نتجول في البلدان، ما لقيتش كيما قسنطينة زينة الجنان"، قبل أن يترك الركح للفنان كريم بوجمعة الذي أدى أغنية في طابع الأندلسي بعنوان "يا غاية المقصود، يا شمسي ويا قمري"، ثم أغنية "المال مالي، صلوا على محمد" في طابع الشعبي، وأطربت فرقة "الدندانية" في طابع العيساوة، الجمهور الحاضر الذي تفاعل مع الإيقاعات الراقصة وصوت القرع على الدف و«البندير"، حيث قدّمت الفرقة أغنيتين، الأولى بعنوان "الله دايم ربي" والثانية بعنوان "عدالة يا عدالة". من جهتها، استهلت ولاية البويرة، حفلها الفني بنغمات شعبية أدّتها فرقة "نجوم دوجة"، حيث قدّم الفنان عمر بلعربية أغنية "يا كرام الحي عيني تراكمو"، قبل أن يترك المجال لفرقة "الأخوة كحام" التي مثلّت الجزائر في العديد من التظاهرات الدولية وأدت في طابع الأغنية القبائلية العصرية، مجموعة من الأغاني الخفيفة، على غرار "ديزيرن" و« أثين داغ" التي تفاعل معها الجمهور بالرقص أحيانا وبالتصفيق أحيانا أخرى. وشمل البرنامج تقديم محاضرات حول تاريخ الولايتين، حيث نشّط الدكتور بشاينية مولدي محاضرة حول "التراث الثقافي غير المادي في منطقة الطارف، أشكاله وآفاق توظيفه"، كما نشّط الأستاذ علواش مصطفى محاضرة حول "تراث وتاريخ ولاية البويرة"، وعرف الأسبوع الثقافي تنظيم ندوة أدبية من تنشيط مجموعة من الأدباء والكتاب والشعراء. التغني بقسنطينة.. المرأة والوطن لم تخل السهرة الفنية من عذب الكلمة وسحر القافية، حيث تخلّل حفل الافتتاح العديد من الالقاءات الشعرية من مبدعين عبّروا عن مكنوناتهم وحالاتهم الوجدانية، فتعدّدت الأحرف والكلمات والموازين وكان الشعر واحدا، من خلال إلقاءات من الشعر العربي الفصيح، الشعبي والأمازيغي بكلمات تغنت بقسنطينة وبحب الوطن وعشق المرأة، واستهل الشاعر محمد الصالح زوزو من الطارف، سباق الكلمات من خلال أبيات من قصيدة "شاطئ الذكرى" التي ألقاها والتي قال في مطلعها "ما يدير الرمل الشقي إذ هو نطق... ما يدير البحر إذا من عينيك تدفق، غير خطانا على شط النبض سارحة... وثوب بشعاع الشمس يمسح الأفق، ترنو والهوى في دلال اللحظة عابق... وشوق الشفاه عن رضابها ما افترق، تلك الأصابع في راحة اليد مارقة... إذ كيف يمرق الموج ويركب الغرق، ما يدير الرمل الشقي إذا هو نطق... أنك الرمح الذي رمى رميته فاخترق، لا تمضي على حدود الكلام حافية... إن في وجنتين دفق كلام محترق". أمّا الشاعر بوجردة عمار من البويرة، فقد غازل قسنطينة من خلال القصيدة الطويلة التي ألقاها في الشعر الملحون بعنوان "قيرطا" وهي أحد أسماء قسنطينة القديمة، ورافقه في أدائه الشعري لحن "القصبة" (الناي)، حيث قال في مستهل قصيدته التي حملت 52 بيتا "بسم الله بديت في القول أنظم... وبسم الله أهديتكم هذا المفتاح، محمد بوفاطمة زين المبسم ... شباح البدر لأكتو خاتم لشراح، بالصلاة عليه لابد أنسلم ...النبي شفيعنا يوم التنزاح، يا طيري لله ليقرطا تعزم...ويا قمري شق الثنايا لوح أجناح، أتعلالي في السماء وزور المرسم...وأتفقد هاذ القناطر والبيطاح، وعمل دورة لقسنطينة تروح مسقم... وقبل الوصلة عطيتلك هذا المفتاح، من تيكجدة روح للشرق مسقم... ذيك الجوبة في قدها جو اصباح". من جهتها، كانت الأصوات النسائية حاضرة في السهرة الشعرية من خلال صوت الشاعرة بوقداد العلجة التي قدّمت قصيدة بالشعر الأمازيغي، تتحدّث فيها عن الكتابة، وصنعت الشاعرة سعاد موسوني العائدة من العراق، أجواء مميزة عل الركح من خلال إلقائها الحماسي ولباسها التقليدي، فكانت لؤلؤة بيضاء داخل جبتها السوداء، وحيت الحضور وسكان مدينة الهوى قائلة "ألا حيي النازلين حيي المقام... قسنطينة الهوى أهلها الكرام، شددنا الرحال حاملين من البويرة... الود التحية والسلام، قسنطينة جئتي للحسان بدرا...فالمسك لحسن محياك ختام". ثم ألقت قصيدة بعنوان "لأجلك يا جزائر"، قالت في مطلعها "لأجلك جزائر الشهيد ارثي وأثني...لأجلك أضحي بالنفيس والعمر أفني، لأجلك موطن السلام أشعر أغني...فريحك دفئ كالصهباء تغمرني، وتسبح الروح في علياك ينساب فني...بلادي ليس لي إلا إياك إذا ما اشتد وني، ترانا أبناء الجزائر روع الشدائد.. سقنا جبال العز سما بفضله الواحد، وبفضل الميلون ونصف مليون شهيد شاهد...أباة الضيم بناة المجد فجر الفراقد، فابشر شعبي بأضعاف الخير العائد...يكفينا الآه وتصفار العيون الحواسد، سلمت يا مقبرة الأعداء يا جزائر... صيتك جلّ جلاله في العلمين عما، يتساءلون عن مناقب تحاكي النجم... ترمي بسهام نورها ظلام الجهل، ثم تسابق الشمس، تغزوها، تترك البسمة...تنشر نورها، تطوف الكون، تضع الختم". علي الطيبي (مدير الثقافة لولاية الطارف): جئنا بتراث متنوع أكّد السيد علي الطيبي مدير الثقافة لولاية الطارف، أنّ وفد ولايته حمل معه تراثا متنوعا ليعرّف به جمهور "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، وقال في دردشة مع جريدة "المساء": جئنا في إطار الأسبوع الثقافي الذي يندرج ضمن نشاطات تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، وحملنا معنا مجموعة من النشاطات المتنوّعة التي شملت النشاطات الفنية والأدبية، المعارض المختلفة، التي تدخل في إطار التعريف بالتراث الذي تشتهر به ولاية الطارف، وكذا التعريف بأهم أعلام المنطقة وأسمائها البارزة، على غرار فرانز فانون والرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، مع التعريف بالخريطة الأثرية للشرق الجزائري والحظيرة الوطنية بالقالة، كما أن هناك العديد من الشعراء والأدباء الذين سيعبقون هذا الأسبوع الثقافي من خلال إطلالاتهم المتميزة على الجمهور القسنطني". عبد اللطيف حريدي (حرفي في صناعة حلي المرجان): نسعى إلى ترقية الحرفة عبّر السيد عبد اللطيف حريدي، حرفي في صناعة حلي المرجان، عن سعادته الكبيرة بالمشاركة في هذه التظاهرة، وقال ل"لمساء"؛ "شرف لنا المشاركة في هذه التظاهرة الثقافية الكبرى التي نفتخر بها كجزائريين، جئت لإبراز حرفة تشتهر بها منطقة الطارف، وهي صناعة الحلي انطلاقا من مادة المرجان، كما أسعى خلال هذا المعرض إلى إبراز حرفة جديدة أقوم بتكوين الشباب فيها، وهي النحت على الأحجار الكريمة والمرجان، حيث نقدّم أنواعا مختلفة من الحلي، خاصة الأطقم، ونريد من خلال هذه المعارض التي نحتك فيها أكثر بالجمهور، التعريف بمنتوجنا والتعرّف على أراء المواطن والاستماع لاقتراحاته في صناعة الحلي من هذه المادة، وهي المرجان التي هي في الحقيقة كائن بحري حي، يمكن لها أن تعالج العديد من الأمراض الجلدية لمن يرتدي الحلي المصنوعة منها". سمير مفتاح (مدير الإعلام بالديوان الوطني للإعلام والثقافة): تزاوج حضاري وفكري تحدّث سمير مفتاح، مدير الإعلام بالديوان الوطني للإعلام والثقافة، في آخر تصريح صحفي له لجريدة "المساء"، وهو على رأس مديرية الإعلام في الديوان، بعدما عيّن مؤخرا كمدير للثقافة في ولاية خنشلة، عن افتتاح الأسبوع الثقافي لولايتي الطارف والبويرة، وقال؛ "لا يمكن وصف هذه السهرة إلا بالجمال الذي جمع الساحل الجزائري من خلال ولاية الطارف بولاية البويرة، هما ولايتان رائعتان، فالطارف تملك حظائر طبيعة جملية ومصنفة، تقابلها ولاية البويرة بذلك الزخم الثقافي الذي يستمد أصالته من التراث الأمازيغي الذي يعكس هويتنا الأصيلة والمتجذرة، هي ولاية المقاومة التاريخية، فكان تزاوجا حضاريا وفكريا ولبنة لمشاريع ثقافية مستقبلية، وهو الهدف الرئيسي من وراء تنظيم هذه الأسابيع الثقافية المختلطة بين مختلف ولايات الجزائر العميقة". الهاشمي بوحيرد (مدير الثقافة لولاية البويرة): اعتمدنا معايير دقيقة في انتقاء المشاركين وصف السيد الهاشمي بوحيرد، مدير الثقافة لولاية البويرة، وفد ولايته المشارك في التظاهرة بالوفد المميز الذي تمّ انتقاؤه وفق معايير دقيقة، تعتمد على التتويجات التي تحصّلوا عليها داخل وخارج الوطن، وقال في تصريح ل«المساء"، عقب نهاية حفل الافتتاح؛ "أظن أنّ هذه المشاركة في إطار الأسابيع الثقافية المحلية ضمن "تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، كانت ناجحة، وقد كان اختيارنا للمشاركين وفق معايير دقيقة وصارمة، حيث اخترنا زبدة المثقفين والمبدعين ممن تحصّلوا على جوائز داخل وخارج الوطن"، وأضاف؛ "جئنا بوفد يضم أكثر من 60 مشاركا من شعراء، مغنيين وفنانين تشكيلين تحصّلوا على جوائز عالمية، وحرصنا على أن تكون المشاركة النسوية متساوية مع المشاركة الرجالية، كما لا أنسى العروض المسرحية التي حملناها والمتمثلة في ثلاثة عروض، وبذلك أظن أنّنا جئنا ببرنامج متنوّع لإبراز التراث الثقافي المادي وغير المادي لولاية البويرة ضمن هذه الفاعلية الثقافية الكبرى، كان لنا الحظ أن التقينا بوفد ولاية الطارف وكان تزاوجا بين ثقافات البلد الواحد". جميلة شلالي (فنانة تشكيلية): الجزائر ثرية بتراثها المتنوع اعتبرت الفنانة التشكيلة جميلة شلالي من ولاية البويرة، أنّ الجزائر غنية بثقافاتها المتنوّعة التي تختلف من منطقة إلى أخرى، مضيفة أنّ هذا الأمر يعكس ثراء الثقافة الجزائرية، وقالت في دردشة مع "المساء"؛ أتشرّف بالحضور في تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، هي مدينة العلماء والتاريخ، كفنانة تشكيلية من ولاية البويرة، شاركت بثماني لوحات تشكيلية رفقة زملاء آخرين، هي لوحات تحاكي الثورة التحريرية، حب الوطن وسحره وجمال المرأة الجزائرية، أظن أنّ الجزائر وطن متعدّد الثقافات، ما تركته من زخم ثقافي في ولاية البويرة وجدت مثله أو أكثر في ولاية قسنطينة الساحرة بجسورها المعلقة".