صدر مؤخرا عن دار "فضاءات" في عمّان، مصنّف للباحثة وسيلة سناني، أستاذة النقد والأدب المقارن بجامعة جيجل، حمل عنوان "في نظرية التداخل الثقافي"، حيث خاضت غمار إشكالية تبني النقد المعاصر، ومنه النقد الروائي لمظاهر التداخل الثقافي. وتنطلق الباحثة من سؤالين جوهريين، حيث يشير مفهوم التداخل الثقافي إلى دعم الحوار عبر الثقافات، ومواجهة نزعات الانعزالية الذاتية داخلها، وينطوي على تخطي القبول السلبي المجرّد لحقيقة تعدّد الثقافات فيما يتعلّق بالكثير منها القائمة في مجتمع ما بصورة فعالة، وبدلا من ذلك، يدعم الحوار والتعامل فيما بينها.. وكتبت "ولنا أن نسأل ونحن نخوض في مفهوم التداخل الثقافي، كيف تجلى هذا المفهوم في المنظور النقدي القائم على خلفيات فلسفية وإيديولوجية؟ وما هي المظاهر التي ركّز عليها، أو استنطقها النقد الأدبي في مقارباته للأعمال السردية؟". كتاب "في نظرية التداخل الثقافي" يقع في ثلاثة فصول، يبحث الأوّل في بواعث التداخل الثقافي، ويتناول الثاني المنظور النقدي للتداخل الثقافي، ويدرس الثالث التداخل الثقافي في السرد الروائي، وترى الباحثة في مقدمة الكتاب أنّ موضوع التداخل الثقافي يُعدّ الميزة الخاصة للدراسات المعرفية والأدبية في العالم اليوم، نتيجة تطور المنظور المعاصر حول التاريخ والهوية، وأنّ النتائج المعرفية للفلسفة الناقدة لفلسفة الحداثة قدّمت تصوّرا عن الهويات الثقافية، بوصفها تكوينات غير ثابتة، تجمع بين عناصر مستمرة وعناصر متغيرة. وتعتبر صاحبة هذا الكتاب هذه العناصر مبنية في الأصل على التداخل والتعدّد، ومتعلّقة بالغيرية، وتقوم على التحوّل المستمر والإحساس بالتميّز، ولا يمكن القبض عليها إلاّ في لحظة تحديدها ضمن عناصر جديدة، ويُعدّ هذا اعترافا بفاعلية كلّ ثقافة، وبالتداخل الحاصل بين الثقافات، وحاولت سناني أن تتطرّق إلى أهم قضايا هذا الموضوع التي جرى تناولها في مجموعة من مدونات النقد ما بعد الحداثي، وفي مجمل الدراسات الثقافية، منها ما بعد الكولونيالية وما بعد البنيوية، وكيف استقبلها النقد الأدبي، واستنطقها في السرد الروائي، خاصةً النقد الأدبي في الجزائر، الذي اختارت منه نماذج درست الرواية الجزائرية المعاصرة. ووقفت الكاتبة في الفصل الأوّل على الأسباب التي جعلت موضوع التداخل الثقافي يبرز في النقد المعاصر ويجتاح مجالاته، وتطرقت للنقد الفلسفي الذي كان وراء هذا الموضوع، ذلك النقد الذي يمتدّ من بدايات القرن العشرين تحت تسمية نقد ما بعد الحداثة، ثم تتبّعت المفهوم الجديد للثقافة وأثره في إظهار جانب التداخل الثقافي داخل علم الأنثروبولوجيا، والذي طوّر كثيرا هذا المفهوم وأخرجه من دائرة الضيق، وصولاً إلى المواضيع التي أثيرت حديثا عن التعددية الثقافية، ومصير الهويات الثقافية ضمن التوجه العالمي الجديد. وخصّصت الباحثة الفصل الثاني للبحث في التداخل الثقافي داخل النظريات النقدية الجديدة، وكيف بلورت مفهوما جديدا يلغي التفرد ويعزز التعدد والتداخل، ويمحو مصطلحات الذات والآخر، ويجعل من الهوية والكتابة والتاريخ مسارا لا متناهيا يتشكّل دائما من التهجين ومن التداخل، مركّزة في هذا الصدد على ما بعد البنيوية بمختلف تياراتها، وما بعد الكولونيالية والدراسات الثقافية البريطانية، حيث ظهرت مناهج جديدة لدراسة النصوص، ومنها النصوص الأدبية. وجاء القسم الثاني من هذا الفصل حول إجراءات النقد الأدبي المتعلقة بالبحث عن التداخل الثقافي، والتفاعل النصي وتعدّد المعنى، والمناهج الأخرى التي أتت بها التاريخانية الجديدة والنقد الثقافي المقارن، أما الفصل الثالث فقد خصّصته الباحثة للسرد الروائي، بما يتماشى وخصائص الرواية في إبراز التداخل الثقافي الذي تعكس به الواقع الجماعي، وكذا الواقع الفردي الذي هو محصلة محاكاة الرواية للواقع، ثم تعاملت مع المدوّنة الروائية الجزائرية بما تفرضه من خصائص حول التداخل الثقافي بطريقة متنوعة بين نصوص رشيد بوجدرة، ونصوص واسيني الأعرج.