الحياة سرّ عميق لا يمكن أن نحدّد كنهه ولا أن ندرك جميع تفاصيله، ورسومات الفنان التشكيلي جمال طالبي مثلها، غامضة وإن كان ينبعث منها الكثير من الإحساس، كما يطغى عليها اللون الرمادي، اللون المتذبذب كنسبية الحياة أيضا، وهو ما يظهر لنا جليا في معرض الفنان المقام حاليا برواق "عسلة حسين" إلى غاية العاشر من مارس المقبل. استطاع اللون الرمادي أن يفرض نفسه في أعمال الفنان التشكيلي جمال طالبي، كيف لا وهو اللون المشاكس الذي لا ينبذ الجمود، فهو ليس بالأسود الأكيد من لونه ولا الأبيض الفخور بنصاعته، بل هو اللون الوسط أو حتى اللون النسبي مثل نسبية الحياة، وفي هذا السياق، أكّد الفنان ل"المساء" أنّه يعشق اللون الرمادي الذي عرف كيف يفرض نفسه في أعماله الفنية، مضيفا أنّ هذا اللون يعكس ضبابية الحياة وغموضها، كما يعكس حبّه للجوّ غير الصحو والحالم. كما أكّد جمال صعوبة استعمال هذا اللون في تجسيد أعماله بحيث يستلزم إدماج أكثر من ستة ألوان لتحقيقه، لذلك يمكن للرمادي أن يعبّر عن احترافية الفنان المحب لاستخدام هذا اللون مثل الفنان الراحل أمحمد اسياخم، وكذا قوة شخصيته وميله للعزلة وإفراطه في التفكير، ليضيف أنّ هذا اللون لا يعني التعاسة أبدا. كما أشار المتحدث إلى أنّه يبحث عن نفسه في أعماله فهو لا ينكفئ عن إعادة رسمته أكثر من مرة إلى أن يصل إلى نقطة اللارجوع ويتوقّف عن عمله بعد أن يكون قد أعاد رسمته أكثر من مرة، حيث يقول "قبل أن أقدّم أعمالي إلى الجمهور، أعرضها على نفسي أولا لأنّني حينما أرسم أبحث عن نفسي وأفكّر في كلّ جزء أرسمه إلى غاية وصولي إلى نقطة النهاية". أما عن موضوع معرضه الذي يقيمه في رواق "عسلة حسين"، فقد أراده الفنان موسيقيا للغاية، حيث ابتغى أن يرسم الموسيقى مثلما اعتاد على سماع الرسم، وفي هذا يقول "أحبّ رسم الموسيقى وهذا لا يعني أن أرسم نوتات أو آلات موسيقية أو شيء من هذا القبيل، بل المهم هو أن أبعث بإحساس الموسيقى فيشعر الجمهور أنّه يحضر حفلا موسيقيا رغم أنّه في الحقيقة محاط بلوحات فنية". المجموعة التي يعرضها الفنان برواق "حسين عسلة" رسمها من سنة 2014 إلى غاية سنة 2016، وكان سؤال "المساء"، حول المدة الزمنية الطويلة التي استغرقها لإنهاء هذه المجموعة، فكان جوابه "رسمت في هذه المدة أي من سنة 2014 إلى سنة 2016، أكثر من ثمانين عملا، ووزّعتها على عدّة مجموعات، حيث أقوم حاليا بعرض أعمالي في ثلاثة معارض في آن واحد، كما يمكنني أن انتقل من مجموعة إلى أخرى في نفس الفترة، حسب نوعية إحساسي". وأضاف الفنان أنّ له علاقة حميمية مع لوحاته، حيث يتذكّر تماما كيف كان إحساسه حينما كان يرسم عملا ما، هل كان مهموما؟ أم سعيدا؟ وبماذا كان يفكر؟ وماذا كان يتخيّل؟، بالمقابل، أكّد جمال ابن مدينة تيزي وزو، عن عدم حاجته لرسم الرموز الأمازيغية في أعماله لتأكيد هويته، معتبرا أنّ ما يرسمه يشكّل هويته، كما أنّه مواطن عالمي يقدّم أعمالا عالمية يمكن أن تعرض في أيّ بلد. أما عن أسلوبه الفني والمتمثل في الفن شبه التجريدي، فقال الفنان أنّه اختار هذا الأسلوب حبا فيه، كما أنّه يشبهه من حيث غموضه، وفي هذا السياق، لم يشأ أن يعطي عنوانا لأيّ عمل له، لأنّه يؤمن بأنّ الجمهور حر في تصوّره وقراءته للوحة، كما أنّه يهتمّ بتحريك إحساس الجمهور تجاه عمله، وهكذا فإنّه يرفض أن يشرح موضوع لوحته. ويعرض الفنان في المعرض 19 لوحة بأسلوب شبه تجريدي، تظهر فيها هيئات تحاول أن تختفي عن الأنظار، وكذا أشكال مختلفة بالكاد يمكن تشفيرها مثل هيئة جمل ووجوه تنظر فينا باستحياء، وماذا عن تلك الدائرة التي تعود في كل لوحة؟، يجيب الفنان أنّها انبثقت من لاشعوره، فهي تفرض نفسها باستمرار ولكنه لم يشأ أن يحاربها أو أن يتساءل عن وجودها، فليس من المنطق البحث عن مسبّبات كلّ شيء ولا من الحكمة أيضا. أما عن استعماله للون البرتقالي فقال الفنان إنه أراد أن يضعه في لوحاته خاصة أنه صديق اللون الرمادي، حيث ابتغى تزويد أعماله بلون حار، كما أضفى أبياتا من قصيد أعمر الزاهي في لوحة من لوحاته، تعبيرا منه عنه تعلّقه بالموسيقى.