تُعد دار النشر "ميديا بلوس" بمكتبتها الثرية، محطة ثقافية متميزة لها شأن في مدينة الجسور المعلقة، بل وحتى على الصعيد الوطني والمغاربي والمتوسطي. وكانت هذه الدار قد رأت النور ذات يوم من عام 1991؛ حيث أسّسها السيد حناشي سعيد ياسين. ويمكن القول بأنها طوال السنوات الماضية، استطاعت أن تساهم مع مرور الوقت وإلى غاية الآن، بنصيب وافر في دعم المكتبة المحلية، ولم لا الوطنية أيضا، عبر المواظبة على إصدار أهم العناوين والمؤلفات في جميع صنوف الثقافة والمعرفة، ولاسيما تلك التي لها علاقة بالتاريخ المحلي على وجه الخصوص، والوطني بشكل عام، بحيث لا يمكن أن نفتقد في هذه الدار عنوانا واسع الانتشار أو له أهميته في الأوساط الثقافية والأكاديمية وبلغات مختلفة. ... كما أن دار ميديا بلوس أوجدت على غير العادة صالونا ثقافيا مقره الجهة الخلفية للمكتبة، ينشط فيه صاحب الدار في استضافة أهم الأسماء في عالم الكتابة والفن أيضا؛ سواء كانت محلية جزائرية أو عربية وأجنبية. ومن هنا يجدر القول إن دار نشر ميديا بلوس اكتسبت بفضل حنكة صاحبها السيد حناشي، مكانة مرموقة في الوسط الثقافي القسنطيني وحتى الوطني والدولي، مثلما أشرنا أعلاه، وهي من ثمة تُعد صرحا ثقافيا يستحق الدعم والتشجيع والمباركة. تحدّي الربح التجاري تُعتبر دار "ميديا بلوس" محطة ثقافية كبيرة تضم العديد من المؤلفات والكتب الثقافية والعلمية والأدبية وفي شتى مجالات العلوم والأدب، ومصدرا أمدّ القراء والباحثين والمفكرين بالعديد من الكتب والمؤلفات، ولم تقتصر نشاطات "ميديا بلوس" على عملية تجارية محضة من خلال بيع الكتب وفقط، بل عنت بعمليات بيع بالإهداء لكثير من الأسماء المعروفة، والتي طلبها محبوها، خصوصا المترددين دوما على المكتبة، زيادة على المقاهي الأدبية المنظمة بين الأدباء والعلماء والباحثين والكتّاب خاصة، لمناقشة أمهات القضايا؛ سواء الأدبية أو غيرها، وهو ما صار "تقليدا" معروفا عن ميديا بلوس. منها مرّ عمالقة عالميون كما مر كتّاب معروفون وحتى هواة ومحبون للأدب عبر المكتبة، للمشاركة في حوارات ونقاشات ولقاءات فكرية أثروها بمختلف المعارف التي اكتسبها، مما جعل "ميديا بلوس" حقيقة، ملتقى ومصبّا للأفكار والأدب والشجون الأدبي والعلمي، وجلب عددا هائلا من المتتبعين. أما في 2003 فقرر مسيّرو ميديا بلوس المرور إلى مستوى آخر من الفعل الثقافي في مدينة العلم والعلماء، بل في كل الجزائر؛ كون الأدب والعلوم لا تعترف بالحدود بتاتا، وفق مبدأ بسيط وسهل: المشاركة في الرقيّ بالقراءة، ووضع أكبر عدد من العناوين تحت تصرف القارئين والباحثين على حد سواء، ما جعل المكتبة تتخصص في "مجموعات" كتب الجيب، وتشهد توافدا غير مسبوق عليها، هذا ما دفع، حسب صاحب المكتبة حناشي، إلى رفع مستوى الطموح مرة أخرى، ومنح نشاط النسخة القادمة طابعا خاصا: الموضوعية، مقهى أدبي مع الإهداء بالإمضاء، ولم لا تنظيم مسابقة يكرَم فيها أحسن قارئ وكاتب، مع تشريفه بحضور قادم اللقاءات والمسابقات الأدبية والفكرية للمكتبة على مر السنوات القادمة.. لكن للأسف، الطموح الأدبي ل "ميديا بلوس" يبقى معلّقا دوما بمدى استجابة الشركاء والداعمين والممولين لتنظيم هذا النوع من المبادرات وحتى التصورات التي قد لا تغادر محاجر العقول، ولا ترى النور لهذا السبب. "بطاقة الوفاء".. مشروع متفرد ولم تغفل المكتبة الأشهر على الإطلاق، حسب رؤية خاصة، القارئين والمترددين على رفوف كتبها، بل جعلت من نصيبهم شيئا خاصا بطابع ميديا بلوس، وهذا كل شهر رمضان من خلال ما يسمى "بطاقة الوفاء"، لكن، للأسف الشديد، التجربة لم تعمّر طويلا، غير أن القائمين على هذا الصرح الثقافي المميز لم يستسلموا.. التجربة سيعاد تكرارها. كما لم تتوقف محاولات التقدم ورفع المستوى وتنويع الفعل الأدبي ب "ميديا بلوس" عند هذا الحد أو غيره، بل تواصلت نحو خلق فضاء خاص بالطلبة الجامعيين، وآخر للشباب والطفولة، وفضاء خاص بمحبي مطبوعات "غاليمار" بالتنسيق مع "إيديف 2000". المكتبة ستظل تقاوم القراء لازالوا موجودين رغم الانخفاض المحسوس خلال الأعوام الجارية، بالنسبة ل "ميديا بلوس" الأهم هو الوفاء؛ وجودهم، الاستماع إلى حاجياتهم وانشغالاتهم، وخصوصا توفير العناوين والكتب التي يحتاجونها ويريدونها. ومع أن الإشكال لا يُطرح بخصوص المنشورات الوطنية المحلية، إلا أن توفير المستوردة يبقى هاجسا وطموحا وتحديا مستمرا يوميا بدون نسيان سرعة توفير العناوين المستجدة في سوق الأدب والكتب. ولا ينسى القائمون على شؤون هذه المكتبة التوجه بالشكر الخالص إلى المستوردين، الذين يعتبرون المورد الأول للكتب التي تأتي من الخارج، ويبذلون أقصى الجهود لتوفير هذا المطلب. تتأقلم، تعيش وتتجدد يوميا للأسف الشديد تغلق المكتبات أبوابها يوميا بسبب نقص الزبائن عليها، حيث لم تعد رفوف الكتب ومجالس الأدب تستهوي الكثيرين حاليا، مع أن هذا الحكم يبقى تقييميا ولو نسبيا؛ بتوجه جملة من القراء والأدباء والباحثين نحو الإنترنت والبحث، كما يستهويهم، في بحر القراءة والاكتشافات والعلوم الجديدة والمتجددة. وأمام أسف إغلاق أبواب المكتبات ينبعث الأمل دافئا من خلال افتتاح مكتبات كبرى أخرى، خصوصا في العاصمة، مما يُبقي الأمل قائما والطموح مشروعا، مع كثرة المشاكل التي تداهم محبي رفوف الكتب وعاشقي المهنة، سواء لأسباب إدارية أو أساسا مالية. وتتلخص الأسباب الكبرى وراء إغلاق المكتبات في تراجع الإقبال على هاته الصروح الثقافية والفضاءات التي تطير بالقراء والمهتمين وبالباحثين إلى سماوات وأراض بدون سفر بالجسد، وكذا غياب قوانين جذرية تنظم عمل المكتبات بدون التحفظ على المعارض التي تقام هنا ولا تراعي بتاتا العناوين المطلوبة أو المحتويات، ويطرح نسخها وطبعها الكثير من علامات الاستفهام. حناشي ياسين.. حرب ضروس مع شهوة الربح ورغم ما قلنا من هنا وهناك، فإن التجارة تحتكم دوما لمبدأ الخسارة والربح، ومن غير المعقول أن يستمر بيع وشراء بدون ميل كفة ما فوق المصاريف، وهو واقع يتأرجح بين مطرقة الاستمرار وسندان ضعف الموارد المالية لأصحاب المكتبات، خصوصا بقسنطينة، وهو ذاته ما ينطبق على مكتبة "ميديا بلوس" بعد أن توجه أغلب الباحثين عن لقمة العيش نحو مطاعم الأكل السريع وتجارة الألبسة المربحة طبعا، غير أن حناشي يؤكد خوض حرب ضروس بين محاولة استمالة القارئ نحو الورق والاستغناء عن فكرة "كتب النت"، وكذا إشكالية غلاء العناوين التي تضرب جيب الباحثين عن العلم والمعرفة والكتّاب والأدباء، بقوة. وهنا يبقى الشغف والمقاومة يصنعان الفارق الوحيد في بقاء صرح يسمى "مكتبة"، قائما أو مقاوما للزوال، وبين اندثاره ووضعه ضمن "متاحف جماليا اندثرت في زمن غابر". حميد قرين يكتب عن الشغف... وفي مقال نشره الكاتب والوزير الحالي حميد قرين في وقت سابق باللغة الفرنسية، تحدّث عن الصرح الثقافي لمكتبة "ميديا بلوس"، حيث اقتطفنا بعض ما قاله مبتدئا: (عرفته في مكتبة "ميديا بلوس" بقسنطينة، صاحب الشوارب الضخمة التي تكاد تغطي وجهه كله، وتعطيه هذا المظهر بأنه "صارم"، نعم، صارم في حبه لكتبه، ولا يجعله ذلك متلاعبا، أو هو متلاعب قليلا بالكتب أو بالكم الهائل منها الذي تضمه رفوف مكتبه ميديا بلوس. أجل، لقد اختار هذا الحب الصعب، الذي لا ينقصه حب وشغف وميل وولع وتكريس لوقته سوى أن ينام معها. صارت مكتبة ميديا بلوس بقسنطينة، مع مرور الوقت، معلما ومقصدا كبيرا لا يمكن نكرانه، بل وملتقى للأدباء والباحثين والشغوفين بالعلم والكتب، وصارت بذلك "موعدا" هاما لديهم للالتقاء ببيت ثان).