ماذا لو تصورنا سيناريو زلزال بالعاصمة؟ ما حجم الخسائر التي يمكن أن يخلّفها؟ هل النسيج العمراني القديم سيقاوم؟ وهل تأخذ الدولة في الحسبان هذا "الداهم" ؟... هي أسئلة وأخرى طرحناها على مجموعة من خبراء هندسة البناء والتعمير. وكان الإجماع على أن الواقع يبعث على الخوف والتوجّس، وأن الكارثة ستكون كبيرة، في حال ما إذا لا قدّر الله "زلزلت الأرض زلزالها"، بعض الخبراء ذهبوا إلى حد التشكيك في نجاعة عمليات الترميم وجدواها، وأنه لا يوجد في الواقع فحص "دقيق" للعمران القديم، مما يعني أن الخطر سيكون كبيرا لو تقع الواقعة، مشبهين ذلك بالشخص المصاب بالسرطان، الذي يحاول أهله "عبثاً"، تجميله ليظهر بشكل لائق.. ويوصي الخبراء بأخذ الإجراءات اللازمة والاستمرار في إزالة المباني القديمة التي لا تتوفر على مقاييس مقاومة الزلازل. في المقابل، هناك من يرى أن الدولة لم تغفل هذا الجانب، وأن الاستراتيجية المطبّقة من شأنها تخفيف درجة الخطر، وذلك من خلال عمليات الترميم الجارية وكذا الأموال المرصودة لهذا الغرض. امحمد حديبي خبير معماري,,, أتوقع الكارثة إذا لم تُتخذ الإجراءات اللازمة يتوقع الخبير المعماري امحمد حديبي كما جاء في حديثه إلى "المساء" أنه إذا لم تأخذ الجهات المعنية بتأهيل البنايات القديمة وتسرّع وتيرة الأشغال وفق المخطط الجيولوجي للمناطق الزلزالية، فإن الكارثة ستكون كبيرة في العاصمة، مشيرا إلى أن البنايات العتيقة في العاصمة، مثلا، وكذا في مختلف المدن الأخرى بشمال البلاد وشرقها، أُنجزت وفق أساسات تتحمل عدد الطوابق أو تقاوم عوامل انزلاق التربة بفعل الزمن، وليس لمقاومة الهزات الزلزالية. دخول عامل الزلازل يُعد شيئا آخر، ولم يتم إدراجه في الإنجاز منذ القرن الماضي أثناء الفترة الاستعمارية، بل وحتى قبل الفترة الاستعمارية. في تعليقه حول المعلومات التي تفيد بأن الجهات المعنية قامت بإحصاء البنايات وتصنيفها من خلال برنامج الترميم والهدم الإسكاني الذي يجري بعدة ولايات، يرى محدثنا أن ما جرى في الميدان مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي، يزول بزوال الحدث، وأن السلطات تقوم الآن بتزيين واجهات البنايات القديمة، ولا تقوم بإعادة ترميم ودعم الأساسات. ولم ينفِ المصدر قيام الدولة بإعداد مخطط أُطلق بعد زلزل بومرداس في ماي 2003، يتضمن إجراء مسح وطني للأخطار الطبيعية والصناعية، وأنه يتم تصنيف المناطق، ومن خلاله القيام بوضع استراتيجية الترميم أو عمليا إعادة تأهيل بما يتلاءم ونتائج الدراسات الجيولوجية. قال محدثنا: "هذا المخطط رُصدت له مبالغ، وكُلِّفت وزارة السكن بالتنسيق مع وزارة الداخلية والمصالح التي لها علاقة، بتنفيذه. لكن إلى حد الساعة لم يتم إعداد الخريطة الوطنية لهذا المخطط، وهو ما يُعد خطرا كبيرا مؤجلا، خاصة إذا علمنا أن عمليات رصد الزلازل التاريخية تقول إن أي مدينة تقع على خط نار الزلازل يمكن أن تتعرض كل 70 سنة لهزات قوية. هناك بنايات يجب تأهيلها لأقدميتها التاريخية والرمزية، كالقصبة مثلا، والتي لها ارتباطات بالهوية الوطنية، وهذه البنايات ضعيفة العدد والتكاليف. وهناك بنايات ليس لها مدلول حضاري يجب إعادة تعميرها؛ كون عملية الترميم مكلفة أكثر من إعادة التعمير، التي يجب أن تكون وفق أنماط حضارية ووفق دفاتر شروط تستجيب لآفاق ما بعد 2030، لتغيير واجهة العاصمة وضمان حماية الأرواح. يقترح السيد حديبي تنصيب هيئة وطنية مختصة ترصد العملية بعيدا عن تأثيرات الجهات الوصية، وتكون هي المسؤولة أمام الشعب والإدارة عن حماية الأرواح؛ من خلال عمليات دراسة وتنفيذ مخططات إنقاذ النسيج العمراني بالتنسيق مع وزارة الداخلية وكذا وزارة السكن التي تتدخل في إطار القوانين التقنية وضبط دفاتر الشروط والمعايير العمرانية والرقابة الفوقية. هذه الهيئة تتكون من معماريين وجيولوجيين ومهندسين وتقنيين ومهندسي الري ومختصين في الأمن والسلامة السكانية ومخططين وإداريين من مختلف القطاعات المختصة للوزارات؛ كالسكن والأشغال العمومية والري والثقافة والداخلية والطاقة والبيئة. "رسالتي للمواطنين شاغلي البنايات القديمة كما يضيف حديبي "أن يعوا أن حياتهم في خطر إن لم يسارعوا إلى حماية بناياتهم خصوصا من سوء الاستغلال أو تسربات المياه، أو القيام بتغييرات أو الاستهانة بأي تشقق بسيط لا يعلمون مدى عمقه وآثاره في المستقبل على أرواحهم"، مضيفا: "لذلك أدعوهم إلى تنظيم أنفسهم على شكل جمعيات أو لجان للتعاون مع السلطات، والنضال لحماية أرواحهم وتسهيل عملية الانتقال من عالم الموت الذي يتهددهم إلى عالم الحياة الآمنة"، مؤكدا أنه بدون تنظيم المواطنين أنفسهم في إطار سيكون مآلهم الهلاك لا قدّر الله في حال وقوع زلازل قوية.