في لقاء جمعنا به وصف الدكتور شلغوم عبد الكريم مختص في العلم المضاد للزلازل أن الحركات الزلزالية الأخيرة غير عادية ، مشيرا إلى أن هذه الحركات تحتم على السلطات إعادة النظر في خريطة البناء و التصميم العمراني و التركيز على وضع إستيراتيجية وقائية خلال المخطط الخماسي المقبل 2010 و 2014 ، مطالبا بضرورة تأسيس لجان خبراء خواص بالشراكة مع الوزارات المعنية قصد تتبع المشاريع الكبرى، مؤكدا ان القوانين المنبثقة من اللجان الإيدارية الخاصة بدراسة الزلازل كانت خاطئة بنسبة 90 بالمائة و لم تكن مرتكزة على أساس علمي ، مستبعدا أن تكون هناك حركة زلزالية تضرب الصحراء الجزائرية ، مقترحا بناء مسجد الكبير بالقرب من « باب عزون » أو على مستوى « لاميروتي » بالعاصمة ، مضيفا أن ولاية الأغواط لوحدها مسها التصحر بنسبة فاقت 30 بالمائة، كما تحدث عن أشياء اخرى إليكم هذا الحوار... المسار العربي: شهدت مؤخرا كل من ولاية بجاية و عين البنيان بالعاصمة حركة زلزالية كيف تفسرون هذه الحركة؟ شلغوم عبد الكريم: كما قلنا فإنه منذ 15 سنة فإن الجزائر خاصة شمالها معروف بالحركة الزلزالية و منذ سنة 1865 تم إنجاز دراسات دقيقة بالنسبة لعلم الزلازل خاصة فيما يخص التاريخ الزلزالي و قد أشرف على هذه الدراسة البروفيسور « نيكولا نويستر » و هذا منذ سنة 1955 و قد تم ضبطها بصفة نهائية سنة 1980 بالنسبة لشمال الجزائر و كل المغرب العربي، و خلاصة القول لقد تم توضيح الوجهة الزلزالية لشمال الجزائر خاصة بالنسبة لوسط و شمال البلاد و هذه الحركة الزلزالية التي شهدتها الجزائر مؤخرا هي غير عادية، وكل الهزات بالنسبة لشمال البلاد هي معروفة فيما يخص الموقع و الحركة الزلزالية ، ومن خلال هذه العملية تبين أنه كل شمال الجزائر خاصة الساحل المتوسطي كالجزائر، وهران، عنابة، قسنطينة، سطيف، هي مهددة بحركة زلزالية ومن المنتظر أن تكون متوسطة او عنيفة، لأنه في الماضي كانت كل هذه المدن سقطت تحت زلزال عنيف منها زلزال 1716 الذي هدم العاصمة باكملها و ادى إلى وفاة أكثر من 80 بالمائة من البشر ، إضافة إلى زلزال وهران سنة 1790 هذا الأخير أدى بهجرة كل الإسبان من ولاية وهران بصفة نهائية لأن كل الأسوار سقطت في دقيقة واحدة إضافة إلى زلزال البليدة سنة 1820 ، و زلزال بومرداس سنة 2003، الشلف سنة 1980 ، إذن المشكلة المطروحة هي كيف نفكر في وضع إستيراتيجية لحماية البلاد و البنايات ، وهذه الحركات الزلزالية الأخيرة تحتم على السلطات العليا في البلاد أن تفكر جيدا في عمليات التصميم الجديد للعمران لأنه هو الحل الوحيد للوقاية من آفة الزلازل. هل بإمكانكم ان تعرف القارئ على نوع هذه الهزات؟ هذه الهزات الأخيرة كلها تبرهن أن كل الجهة الشمالية مهددة بالزلزال ولحسن الحظ كلها هزات صغيرة و هذا لا يستبعد حدوث هزات اخرى بين متوسطة و عنيفة ، الأن لا يوجد أي مركز بحث أو دولة في العالم إستطاعت أن تثبت أنه يمكن أن يكون زلزال عنيف لأن الزلزال لا يمكن ان نتنبأ به ، إذن الحل الوحيد هو إبعاد كل الفلسفة بالنسبة لتسيير الكوارث و التركيز على إستيراتيجية وقائية سواء للبنايات إضافة على الرقابة و تجهيز و التتبع الدقيق لكل المشاريع خاصة منها المتعلقة بالخماسي القادم 2010 و 2014 لأن هذا المخطط مركز أساسا على البنايات الكبرى ، وعليه فالمطلوب من الحكومة الجزائرية ان تاسس لجان خبراء خواص للتتبع بالشراكة مع الوزارات المعنية كل ما تسير هذه المشاريع الكبرى تفاديا للأخطاء الكبرى التي شهدتها الجزائر في الماضي القريب في المخطط الماضي 2005 و 2009. إذن كل النظام يجب أن يكون مرتكز على هيئة البناء و التعمير ، كما يجب ان تكون هنالك هيئة وطنية مسؤولة عن كل البنايات و تقوم بتتبع كل المشاريع الكبرى و يجب أيضا على السلطات ان تنزع كل الصلاحيات فيما يخص البناء و التعمير و إختيار أراضي البناء من كل الوزارات و الولايات و تكليف الهيئة الوطنية تكون لها صلاحيات من اجل التعمير و تهيئة الإقليم . إذن هل يخفي هذا النشاط الزلزالي لحركات زلزالية أخرىمستقبلا؟ أكيد 100 بالمائة لأن هذه الحركات الزلزالية هي حركات عادية خاصة و اننا نحن في منطقة زلزالية و هي حركة مستمرة منذ آلاف السنين و في كل البلدان المعروفة بالزلازل خاصة تلك الموجودة ما بين البقعة الإفريقية و الأوروبية ، فكلما إبتعدنا عن الحدود الموجودة بين ضفتي الساحل كلما نقص العنف الزلزالي. لقد تم إنجاز مؤخرا شبكة وطنية لدراسة الزلازل و الحركة الزلزالية برايكم هل لدينا إجراءات كافية للتصدي لهذه الهزات؟ المشكلة في الجزائر هي ليست مشكلة لجان إيدارية نحن قلنا أن مشكل تسيير الكوارث الطبيعية متعلق بالخبراء الخواص الذين لديهم تجربة كافية وخبرة كبيرة في ميدان تسيير الكوارث في المناطق الزلزالية و تصحيح المشاريع، و منذ سنة 1980 كل اللجان المتكونة هي لجان متعلقة بالإدارة للوزارات المتعلقة بالأمر و هذا غلط لأن الوثائق و القوانين المنبثقة من هذه اللجان كانت خاطئة ب 90 بالمائة و هذا ما تجلى في زلزال بومرداس 2003 و زلزال شلف سنة 1980. لماذا هي خاطئة إذن هذه اللجان برأيكم؟ لأنها لم تكن مركزة على أساس علمي وكانت تفتقد لدراسات دقيقة في المخابر لأن هذه القوانين هي مهمة للبلاد كأمريكا و اليابان و اوروبا فكل الوثائق بالنسبة للقوانين درست من طرف لجان مكونة من قرابة ألف خبير و عشرات المخابر المتخصصة في علوم المقاومة للزلازل و ليس وثائق منقولة من كتب و بعض القوانين القديمة و لدينا الدليل حيث أن العديد من البنايات كانت مدروسة على أساس القانون الجزائري المعمول به قبل سنة 2000 لكنهم سقطوا في زلزال بومرداس رغم أن كل التنبآت القانونية كانت محترمة من طرف مكاتب الدراسات و مكاتب المراقبة و مؤسسات الإنجاز. لنعود إلى زلزال بومرداس ماذا نستطيع ان نقول عنه و ما الذي تعلمناه من زلزال بومرداس؟ شلغوم عبد الكريم: زلزال بومرداس لم نكن نتوقعه لأن السلطات لم تكن تتوقعه أيضا و لم يكن معلنا عنه في القوانين أولا وثانيا أن بومرداس كانت مهددة بزلزال متوسط و عنيف.، و هناك تعديل من طرف وزارة السكن في عمليات هندسة المقاومة الزلزالية لكن هذا التعديل كان سطحيا و طفيفا و أدخل بصفة عادية و ليس من خلاصات بحوث علمية مدروسة بدقة ، و نحن نبهنا في العديد من المرات السلطات بهذا الأمر لتاسيس لجنة كبيرة للخبراء الخواص و بعض خبراء الإدارة و طالبنا من خلالها تأسيس مخابر من كل جهات الوطن متخصصة لدراسة الديناميكية و الجيولوجية و كل ما يتعلق بالهندسة الزلزالية. و هل تم تطبيقها؟ للأسف لا بقينا على نفس الحالة بالنسبة للبحوث و عدم وجود المخابر بالنسبة للقوانين الصارمة فيما يخص العمران في المدن لأن العمران أصبح حاليا مبني على الفوضى و غير محترم من طرف المواطن و سوء التتبع من طرف السلطات المعنية بالأمر. هل يمكن أن نشهد يوما ما زلزال يضرب الصحراء الجزائرية؟ نحن نستبعد ان تكون هناك حركة زلزالية بالصحراء الجزائرية لأن العنف الزلزالي يتعلق فقط بالشط و الساحل المتوسطي لأنه قريب جدا من الحدود و من البقعة الإفريقية فكلما إبتعدنا عن البقعة كلما كان هناك نقص في الزلزال . لقد قام المركز الوطني المتخصص في الدراسات الجيولوجية في إنجاز بحوث جديدة لمعرفة الخريطة الجديدة الزلزالية إلى أين وصلت العملية؟ نحن كفريق متخصص في ميدان التصميم و التربة بالنسبة لكل مناطق البلاد لدينا إقتراحات مهمة بالنسبة للخريطة الزلزالية و القانون الوقائي يجب ان يكون صارم بالنسبة لكل أنواع البنايات و يجب أيضا إختيار التربة المهيئة بلا خطورة من أجل البناء فيها. وكل هذه الدراسات موجودة و نحن ننتظر لتأسيس هيئة وطنية متكونة بالعناصر ذات الكفاءة المطلوبة على المستوى العالمي. ما هو تقييمكم لمستوى الوعي للمواطن في حالة حدوث هزات زلزالية؟ منذ سنة 2003 أصبح المواطن الجزائري جد واعي فكل مالك لأي مسكن أصبح واعي بهذ الآفة و كل يوم نستقبل مواطنين و مهندسين و مقاولين و هؤلاء أصبحوا يطلبون إستشارات قبل بداية إنجاز كل مشروع و حوالي عشرات الأشخاص أسبوعيا يتوافدونا على مراكزنا من اجل الإطلاع أكثرعلى فوائد التامين و كيفية البناء و هذا كان مفقود منذ 2003. لنعود إلى موضوع بناء المسجد الكبير، ألا ترون ان هذا الأخير معرض لكوارث طبيعية بحكم تواجده بالقرب من البحر ؟ و ما ذا تتوقعون في حالة ما إذا حدث ذلك؟ شلغوم عبد الكريم: نحن نبارك وزارة غلام الله على هذا المشروع ، لكننا طالبنا مرارا و تكرارا أن يكون مشروع بناء المسجد في مكان آخر و من المفروض أيضا ان تكون فيه دراسات دقيقة بالنسبة للتربة و للمكان لأن مشروع الإنجاز يقع بالقرب من واد الحراش و تصوروا ما الذي سيحدث في حالة وقوع فياضانات، يوجد العديد من الأماكن بالعاصمة صالحة لبناء المسجد، و انا أقترح أحسن مكان للبناء هو ساحة الشهداء بالضبط بالقرب من باب عزون وهذه المنطقة صالحة لتشييد مشروع كهذا و لماذا لا يتم هدم تلك المنطقة ونشيد المسجد هنالك؟ و البداية تكون من جامع كتشاوة إلى غاية المسرح الوطني، و هذه المنطقة كلها ملائمة لذلك، كما أقترح أيضا إمكانية إنجازالمسجد الكبير ب « لاميروتي » خاصة و ان تربة تلك المنطقة جد ملائمة لإنجاز المشروع، هذا من جهة ومن ناحية أخرى سعر العقار بساحة الشهداء هو منخفض نظرا لهشاشة التربة هناك مقارنة بسعره بالقرب من واد الحراش، و ما أضيفه لكم أيضا و بصفتي خبير و مختص في علم الزلازل لقد سمحت لي الفرصة و تناقشت الأمر مع خبراء من نفس الإختصاص من المغرب الشقيق هؤلاء أكدوا لي ان عملية بناء المسجد الكبير بالقرب من وادي الحراش و البحر سيأثر سلبا على البلاد سواءا ماديا و حتى معنويا إضافة إلى المشاكل التقنية خاصة تلك المتعلق بعمليات الصيانة لأن المغرب سبق و أن أنجزت مسجدا كبيرا بالقرب من البحر و حاليا هي تتخبط في مشاكل عويصة خاصة منها التقنية و الصيانة و انا أتمنى من الحكومة الجزائرية ان تتفادى سيناريوا بناء المسجد بالمغرب، و ليكن في علمكم اننا لم نشارك في دراسة المشروع بحكم خبرتنا لا من بعيد و لا من قريب، و قد تم منح عملية دراسته إلى مكتب دراسات ألماني كبير و كنا نتمنى أن نكون نحن كجزائريين من يشرف عليه المسار العربي: لنعود إلى موضوع التصحر، الجزائر تعتبر من البلدان الساحلية الأكثر عرضة لهذا الأخير، برأيكم ألا تعتقدون ان الجزائر بإمكانها تفادي هذا العائق الطبيعي؟ إن التصحر يعتبر من المخاطر الكبرى و الجزائر مهددة بهذا الأخير و ما نلاحظه حاليا أن الصحراء أصبحت تتقدم يوما بعد يوما على مناطق الهضاب العليا و بعض المدن كانت تعتبر فلاحية و الان أصبحت مناطق صحراوية. لماذا أصبحت مناطق صحراوية إذن؟. قبل سنة 1989 كانت السياسة المعمول بها بالجزائر هي سياسة الرئيس الراحل هواري بومدين، هذا الأخير عمل على تطبيق سياسة السد الأخضر و هي فكرة جيدة و ذكية جدا ، و هي تعتبر الحل الوحيد للحد من ظاهرة التصحر بالجزائر، و بعد هذا السد تم وضع برنامج السياسة الزراعية في كل المدن الجنوبية كتوقرت، و ورقلة للحد من هذه الظاهرة . و هل هذا السد كافيا لصد التصحر؟ لقد تم تناسيه و لكن من المفروض ان يتم تكبير عرضه ، و لكن مع الأسف تم إهماله و أعتقد انها غلطة سياسية و إستيراتيجية بالنسبة للحكومة التي جاءت بعد سنة 1980، ويجب أن تكون هناك متابعة مهما كان النظام السياسي و ليس النسيان والإهمال، فولاية الأغواط لوحدها مسها التصحر فاق 30 بالمائة و هذا حسب آخر الإحصائيات ، التصحر هو خطر زلزالي أيضا و الجزائر مهددة به ناهيك عن الفياضانات، و إنزلاق التربة. و ماذا عن المخطط الخماسي 2010 و 2014 كيف هي نظرتكم له؟ و هل تتنبأون انه سيحقق مشاريع كبرى؟ إن المخطط الخماسي المقبل 2010 و 2014 أساسا مبني على المشاريع الكبرى منها الطريق السيار شرق غرب، إنجاز مليون وحدة سكنية، جامعات، مستشفيات، النقل و السكك الحديدية، السياحة و غيرها من القطاعات... ، و في إعتقادي أنه إذا تم هذا المخطط على أساس التقنية المعمول بها في العالم و الرقابة الكافية بالنسبة للتجهيز و التتبع للإنجازات أعتقد انه سيغير تماما وجهة الجزائر و يحدث قفزة نوعية في إقتصادها كالبرازيل و الهند، و الصين، و هو مخطط عظيم و لا يوجد أي بلد في العالم وضعت مخطط مثله حيث فاق غلافه المالي أكثر من 285 مليار دولار .