تعيش كثير من الاتحاديات الرياضية لمختلف الفروع أوضاعا صعبة تحول دون أداء مهامها على أكمل وجه تجاه رياضيّيها ورابطاتها، الأمر يخص اتحاديات كرة السلة، ألعاب القوى، الكاراتي - دو، كرة اليد، الجيدو، الكرة الطائرة والمسايفة. وكانت هذه الهيئات الفيدرالية قد أمرتها وزارة الشباب والرياضة بإخلاء مقراتها السابقة الكائنة بدار الاتحاديات على مستوى دالي إبراهيم. السبب كان تحويل هذه الأخيرة من طرف مصالح الحكومة إلى مقر لوزارة الشباب خلال التعديل الحكومي الذي جرى سنة 2013، لكن لم يتم إلى حدّ الآن إعادة دار الاتحاديات إلى الهيئات الفيدرالية المذكورة بالرّغم من إعادة إدماج مصالح قطاع الشباب إلى قطاع الرياضة على مستوى مقر هذه الأخيرة بحي الوئام المدني بوسط العاصمة. ربما لوزارة الشباب والرياضة شأن يخصّها في بقاء دار الاتحاديات خالية من أيّ مصلحة، لكن الجانب الآخر الذي يثير الدهشة في هذه القضية هو الوضعية غير الطبيعية التي تتواجد عليها هذه الاتحاديات التي تشتكي من التشرّد الذي أصبحت تعيشه، حيث اضطرّت كل منها إلى تدبير أمرها، من خلال كراء فيلّات ومراكز للشباب وسكنات من الخواص، لضمان استمرار تسييرها. رئيس اتحادية كرة السلة السيد رابح بوعريفي الذي انتقلنا إليه في مقر اتحاديته، يقول في هذا الشأن: "كنّا من قبل نتواجد في جو ووسط رياضي بأتمّ معنى الكلمة، لا سيما أنّ دار الاتحاديات التي كانت تأوي مقراتنا، تتوفر على ظروف عمل معتبرة، فضلا عن أنّها متواجدة في مكان يسهل على الجميع الوصول إليه عبر الوسائل العامة أو الخاصة، وكنّا كاتحاديات رياضية نتواصل فيما بيننا بسهولة تامة، كما هي الحال مع اللجنة الأولمبية المتواجدة في بن عكنون، لكن اليوم اتحاديتنا تعيش عزلة تامة"، ويضيف المتحدث: "نحن متواجدون بمنطقة وادي الرمّان منذ سنتين، حيث وجدنا أنفسنا مضطرين لكراء فيلاّ ب 240 مليون سنتيم في العام، وهو مبلغ ننفقه من المداخيل التي تأتينا عادة من التمويل، لكن هذه الأموال كان بوسعنا صرفها في أشياء تفيد فرعنا لو استمرّينا في دار الاتحاديات". ومن جهة أخرى، يضيف بوعريفي، أن "موظفي الاتحادية لا سيما الذين يقطنون في مناطق بعيدة عن الاتحادية، يصعب عليهم الوصول في الوقت المحدد إلى مقر عملهم، ناهيك عن أنّهم يضطرون للخروج منه مبكرا. صراحة، العمل أصبح مملّا جدا في الظروف التي نعيشها، ولم نفهم حتى موقف الوزارة التي راسلناها في الموضوع لكنّها لم تحرك ساكنا وبقيت تتفرج علينا. وجودنا على مستوى فيلاّ لا يعني بتاتا أنّ وضعنا ممتاز؛ على العكس، نحن نعاني من مختلف المشاكل التي أصبحت تعيقنا لضبط أمور تسيير الاتحادية". وكشف السيد بوعريفي أنّه اقترح على وزارة الشباب والرياضة مساعدة هيئته في تشييد بناية جديدة خاصة بالفرع الذي تسيّره على أرض هي ملك للاتحادية، لكنّها رفضت هذا الاقتراح، بل هي الآن تتفرج على هذا الوضع - على حدّ تعبير محدّثنا - بدون أن تسعى لإيجاد حل لهذه المعضلة التي تعيشها الهيئات الفيدرالية المطرودة من دار الاتحاديات. كما تتواجد بمحاذاة فرع كرة السلة اتحادية رياضة المسايفة، التي قال رئيسها السيد فاروق البرناوي إن وضعيتها لا تختلف كثيرا عن وضعيات الهيئات الفيدرالية الأخرى المطرودة من دار الاتحاديات، موضحا أنّ هيئته قامت بكراء فيلاّ بعين الرمان مقابل 250 مليون سنتيم في العام، وأن هذا المبلغ يُقتطع من أموال التمويل الذي تحصل عليه الهيئة الفيدرالية من حين إلى آخر. وكما يقول المثل الشائع: "رُبّ ضارة نافعة"، فقد كان لهذا الترحيل انعكاسات إيجابية على هذه الفيدرالية، حيث حوّلت الطابق الأخير من مقرّها الحالي لإيواء المدربين والحكام ورؤساء الرابطات والرسميين عند تنظيم الندوات والملتقيات والتربصات لفائدة الفرع. وقال في هذا الشّأن السيد البرناوي: "كانت اتحاديتنا تصرف في السابق على إيواء ضيوفها في الفنادق قرابة ملياري سنتيم كلّما نظمت تربصات أو دورات تكوينية، وبفضل هذا الخيار الذي لجأنا إليه توصلنا إلى ترشيد نفقاتنا، لكن هذا لا يعني أننا مرتاحو البال لتواجدنا في هذا المكان؛ شأننا شأن ما تشعر به الاتحاديات الأخرى، بل نخشى أن يؤدي هذا الوضع إلى تحطيم الإرادات، وربّما إلى تصفية بعض الفروع، ولتفادي وقوع هذا الاحتمال المخيف، يضيف المتحدث، "طلبنا من وزارة الشباب والرياضة الإسراع في تسوية هذا الوضع". هيئة فيدرالية أخرى تعيش ظروفا أكثر قساوة من الهيئات الفيدرالية الأخرى المطرودة من دار الاتحاديات بدالي إبراهيم، وهي اتحادية الكرة الطائرة التي فضّلت اختيار قواعدها بقاعة الرياضات ببوليو (شرق الحراش)، حيث تعمل مختلف مصالحها في مكاتب ضيقة جدّا وغير مجهّزة بمكيّفات في فصل الصيف ولا بأجهزة التدفئة في فصل الشتاء. ففي كلتا الحالتين لا يمكنك البقاء في المكتب لأكثر من ساعة بسبب شدة الحرّ أو قساوة البرد. ولم تستقر أمور التسيير في هذا المكان إلاّ بعد مرور سنة كاملة عن رحيل مصالح الاتحادية بسبب دخولها في محيط جديد تعودت عليه بصعوبة كبيرة. هذا الوضع تحدّث عنه رئيس هذه الاتحادية عقبة قوقام ل "المساء" بمرارة كبيرة، حيث قال: «صراحة، لم نكن نتوقّع أبدا معايشة هذا الوضع القاسي والمهين لرياضة شرّفت الألوان الوطنية في المحافل الرياضية الدولية. ماذا نقول لشبابنا الذين يمارسون هذه الرياضة، لمّا يقفون على الظروف الصعبة التي نسيّر بها الفرع؟ بدون شك، سيقلّلون من قيمتنا ويعتبروننا غير مؤهلين للتكفل بالفرع؛ فتسيير الكرة الطائرة يمرّ اليوم بوضعية لا يمكن وصفها إلا بالكارثية". وروى لنا السيد عقبة قوقام أن المقر الذي تستعمله اتحادية الكرة الطائرة بحي بوليو، تعرّض لحريق كاد أن يُحدث ضحايا بسبب شرارة كهربائية في أحد المكاتب. وعن ظروف رحيل كل الهيئات الفيدرالية من دار الاتحاديات بدالي ابراهيم، أوضح محدّثنا أن مسؤولي وزارة الشباب والرياضة وعدوا بتشييد دار اتحاديات جديدة بقرب المركز الطبي أمقران معوش (مركز طب الرياضة سابقا) ببن عكنون، لكنّهم أخلفوا وعدهم، ولم تعد وزارة الشباب والرياضة تفكّر في الظروف الصعبة التي تعاني منها كل اتحادية في موقعها. وأكّد محدّثنا أنّه رفض تبديد أموال الاتحادية في الكراء، مفضلا التنقل إلى قاعة الرياضات ببوليو واستغلال هذه الأموال في تطوير الفرع. وأضاف أنه راسل الوزير الجديد بخصوص الوضع الذي تتواجد فيه اتحادية الكرة الطائرة، لكنه لم يتلقّ أي ردّ، وهو الآن يتساءل عن تأخر الوصاية في رد الاعتبار للهيئات الفيدرالية المطرودة مادامت مكاتب دار الاتحاديات بدالي إبراهيم أصبحت شاغرة. فرع آخر يُعدّ من بين أكثر الرياضات الجماعية تتويجا على المستوى الدولي، وهو كرة اليد التي كانت من بين الفروع التي أُخرجت عنوة من دار الاتحاديات بدالي ابراهيم، حيث اختار مسيّروها الاستقرار في الجهة الغربية من العاصمة، وبالضبط في حي "لاكريت" (les cretes) الواقع بدرارية، حيث تمّ كراء فيلاّ من ثلاث طوابق. رئيسها السيد سعيد بوعمرة، الذي كثيرا ما تعامل في السابق مع صحفيي "المساء"، شكرنا عن اهتمامنا بوضعية الهيئات الرياضية المطرودة من دار الاتحاديات، حيث قال: "ما حدث للهيئات الفيدرالية التي طُردت من مقرّاتها السابقة يُعدّ إهانة، بل أكثر من ذلك؛ لأنّ رحيلنا كان بمثابة اقتلاع من محيطنا الرياضي الذي كنا متعوّدين عليه، فدار الاتحاديات الرياضية بدالي إبراهيم هي المكان المناسب الذي تعمل فيه الهيئات الفيدرالية بمختلف فروعها، وأنّ من أهم مميزاتها أنّها تتواجد قرب مرافق المركب الأولمبي "محمد بوضياف"، وأنّ كل الرياضيين الذين يتدربّون في هذه المرافق دائما في اتصال مباشر مع مسؤولي اتحادياتهم؛ أي أنّه كان هناك تكامل في العمل المبرمج بين كل هذه العائلة الرياضية التي كانت متواجدة على مستوى دار الاتحاديات". ويقرّ محدّثنا أنّ الهيئة الفيدرالية التي يسيّرها قلّت عليها الزيارات في إطار الخدمات التي تقدّمها للأشخاص الذين تربطهم علاقة بكرة اليد. والسبب يعود إلى صعوبة الوصول إلى مقر الاتحادية الذي يتواجد في مكان مرتفع ومعزول. وعلى سبيل المثال، فإنّ كاتبة الاتحادية تضطر لاستبدال ثلاث حافلات من أجل الوصول إلى مقر عملها. وأشار سعيد بوعمرة إلى أنّ بناية المقر تفتقر إلى الحيوية، وتعاني، بشكل خاص، من الانقطاعات المتكررة للكهرباء والماء. وحذّر بوعمرة من استمرار هذا الوضع الذي سيؤدي، حسب أقواله، إلى حدوث تسيب كلّي في تسيير الرياضة بصفة عامة. وبصفة عامة، فإنّ أوضاع هذه الاتحاديات تسير من سيئ إلى أسوأ، على حد الآراء والمواقف التي استقيناها من مسؤوليها المباشرين، الذين يريدون في الأسابيع القادمة اتخاذ موقف موحد في هذه القضية؛ من خلال مطالبة وزارة الشباب والرياضة بإيجاد حل سريع لهذه المعضلة.