قررت هيئة «الحقيقة والكرامة» التي فتحت الباب أمام مئات التونسيين الذين تعرضوا لقهر النظام السابق وأفراد عائلاتهم، تنظيم جلسات استماع ثانية يوم 17 ديسمبر القادم على أن تختمها بجلسات أخرى يوم 14 جانفي من العام 2017، في محاولة لكشف حقيقة ما جرى وتضميد جراح تلك السنوات الدامية من تاريخ تونس. وتم اختيار هذين التاريخين لتزامن الأول مع إضرام محمد البوعزيزي النار في جسده وكان ذلك بمثابة فتيل اندلاع انتفاضة شعبية ضد نظام الرئيس بن علي والثاني مع تاريخ هروبه إلى الخارج. وتداول مئات التونسيين على مدى اليومين الأخيرين على منصة الإدلاء بشهادات «تاريخية» حول جلسات التعذيب والاغتيال والإهانة التي تعرضوا لها طيلة سنوات حكم الرئيس التونسي المخلوع لكشف الحقيقة وأملهم في ألّا تتكرر تلك المعاناة مرة أخرى. وراح التونسيون الذين قرروا الكشف عن بشاعة أساليب التعذيب التي تعرضوا لها بسبب مواقفهم المناهضة للنظام السابق أو أنشطتهم النقابية والحزبية وحتى درجة تديّنهم في جلسات نظمتها هيئة «الحقيقة والكرامة» التي أنشئت سنة 2013 من أجل إلقاء الضوء على سياسات التضييق والاضطهاد الأمني الذي تعرضوا له في ظل النظام المطاح به. ولم يكن لتلك الشهادات أن تمر دون أن تترك أثرها في نفوس الحاضرين امتزجت فيها الدموع وحرقة تلك الذكريات المأساوية في قاعة اكتظت بالحضور والفضوليين الذين أرادوا الوقوف على حقيقة معاناة هؤلاء طيلة ثلاثة عقود من حكم الرئيس التونسي الأسبق. وهي المعاناة التي لخصها النقابي بشير لعبيدي، العامل في الحوض المنجمي في ولاية قفصة الغنية بمادة الفوسفات في وسط البلاد ولكنها تبقى إحدى أفقر مناطق البلاد والتي شهدت سنة 2008 انتفاضة شعبية لجأ البوليس التونسي حينها إلى قمعها بشتى الوسائل سقط خلالها قتلى وتم الزج بمئات المتظاهرين في مختلف سجون البلاد. وقال إنه قرر التحدث بقناعة أن من كتبوا تاريخ تلك الأحداث من زبانية النظام السابق الذين تعمدوا تشويهها وتزييف حقائق ما حدث. وأجمع كل الذين تداولوا على منصة تقديم الشهادات أن حقبة الديكتاتورية كانت قائمة على نظام «مافيا» حقيقية، أشبه بآلة متكاملة الأجزاء، هدفها النهائي حماية النظام والعمل على ديمومته بشتى وسائل وأساليب البطش المقيتة. وقال أحد ضحايا هذا النظام من منتسبي حركة النهضة الإسلامية أن العملية ليست فقط وجود جلاد يبطش بضحاياه في جلسات تعذيب وانتهى الأمر، ولكنه نظام متكامل المهام من أطباء متورطين ووزراء ورؤساء أجهزة أمنية. وقال إننا اليوم لا نطالب سوى بتطبيق القانون وأن تتم محاسبة المتورطين فى ذلك. وهي المطالب التي رافع من أجلها رضا براكتي، شقيق نبيل براكتي المناضل الشيوعي الذي قتل تحت التعذيب قبل أن تلقى جثته في قناة للصرف الصحي سنة 1987 والذي أكد أن الجرح لم يندمل إلى حد الآن ولم نعلن الحداد ولا يمكننا طي ملف اغتياله».