يعتبر أساتذة جامعة "مولود معمري" بولاية تيزي وزو، أن الكاتب الروائي الراحل مولود معمري "ذا موسناو" (رجل حكيم)، يمتاز بثراء فكره وعلمه وتعدد وتنوع مجالات الثقافة والآداب في أعماله، مما جعله في نفس الوقت مؤرخا وشاعرا وحكيما، وهو ما تؤكده مؤلفاته المختلفة التي جمعت الشعر، الرواية والقصة، لتتناول في مجملها مسألة الهوية والوطنية والدفاع عن تاريخ وسيادة الجزائر في خضم ويلات الاستعمار، في حين اعتبروا أنه حان الوقت لرد الاعتبار لهذه الإنجازات الأدبية عبر ترجمتها وتدرسيها من أجل الحفاظ عليها وتربية أجيال على أفكاره ومنهجيته. كما ركزوا على أهمية إبراز وإظهار الجانب التاريخي في حياة الكاتب الذي دافع عن القضية الجزائرية بقلمه ضد فرنسا ورفع صوت الشعب إلى هيئة الأممالمتحدة. بوخلو فاطمة مليكة، أستاذة متخصصة في الأدب الفرنكفوني: ... أبحاثه تدافع عن الهوية وأدبه يعكس بيئته بدأت السيدة بوخلو، الأستاذة المتخصصة في الأدب الفرنكوفوني بمعهد اللغة الفرنسية بجامعة "مولود معمري"، حديثها عن الكاتب بالتطرق لحياته، حيث قالت بأنه بدأ الكتابة سنة 1938 وعمره حوالي 21 سنة، كتب مقالا يحمل عنوان "المجتمع الأمازيغي". كما كتب "القرن ال21 يشرف على الانتهاء وقريبا الأمازيغ لن يكون لديهم ما يدافعون عنه"، مضيفة أن معمري ولد وكبر بقريته "آث يني"، هذه المنطقة التي كانت مصدر إلهام قوي للكاتب، حيث ترعرع وتعلم اللغة الأم، لينتقل إلى المغرب عند عمه، وهو ما شكل فرصة سانحة للكاتب الشاب لتعلم اللغة اليونانية واللاتينية، وكذا إتقان اللغة الفرنسية أكثر وتعلم الإنجليزية، العربية والألمانية أيضا. أضافت الأستاذة أن دا المولود، رجل حكيم "ذاموسناو" والناطق بلسان "تاموسني" (المعرفة)، حيث يعرف جيدا ماذا يقول وأين يجب قوله وكيف يتم القول، وورث المعرفة والحكمة عن والده الذي كان يستقبل بآث يني أناسا من كل مكان ومنطقة، يأتون محملين بمعارف مختلفة غذى بها دا المولوذ فكره ورصيده المعرفي وأصبح يكتشف ويتعلم أشعار وأقوال الشعراء القدماء الكبار، أمثال سي موحند أومنحد، الشيخ محند الحسين اللذين يملكان ثروة معرفية كبيرة قام معمري بجمعها فيما بعد. كان معمري يحب البحث والمعرفة أكثر وأكثر، حيث كانت المعرفة بالنسبة له لا حدود لها، كما كان يعرف التاريخ منذ عهد "أبوليوس"، "القديس أغستين"، "جوبا" وغيرهم من رجال صنعوا التاريخ. مشيرة إلى أن معمري عندما ذهب إلى اليونان ودرس هناك أعمال العلماء أمثال هيرودوت، اومير وغيرهما، اكتشف في الكتب تاريخ الأمازيغ وقصصا وحكايات مدونة باليونانية، لكنها تحكي عن تراث وتاريخ الأمازيغ، مما حفز الكاتب للعمل على تطوير اللغة عبر طرق باب الكتابة والبحث عن العلم والمعرفة. مؤلفات برسائل عميقة وهادفة شرع معمري سنة 1952 في الكتابة، وفي قراءة رمزية لأعمال معمري، تقول بوخلو بأن روايته "الربوة المنسية" المقصود منها ليس الربوة التي ستنسى"، لأنها شيء معروف والمعروف لا يمكن نسيانه، بل إحياء الذاكرة. ومعمري أراد تبليغ رسالة أن ما نعرفه لا يمكن لأي كان أن ينتزعه منا فهو راسخ في الذاكرة، وأكدت أن هذا العمل الأدبي الذي ارتقى بالكاتب إلى مصف العظماء نظرا لما يحمله من قيم جمالية وفنية رائعة، جعلت منه كاتبا مميزا. وبالنظر إلى هذه الرواية نجد أن شخصياتها منها "تعساست" حارسة التراث وأربعة ذكور وفتاتان، "عزي" (الحبيبة) زوجة مقران، وهنا يرمز معمري إلى الزوجين الضامنين الحريصين على المعرفة "مناش" الصديق الذي يذهب من ثقافة المعرفة إلى الثقافة الشعبية، والتي تعتبر أساسية عند معمري لأنه بدونها لا يمكن القيام بأي شيء. وواصلت السيدة بوخلو أن "الربوة المنسية" أول رواية لمعمري تضم 132 صفحة، تتحدث عن "الشفوية" فحسب، حيث قالت بأن "عزي" كانت مرفوضة لأنها عاقر وهذا العقر ليس بالمعنى الابتدائي ولكن المصور الذي يرمز إلى اللغة الأم الأمازيغية. لأنها غير مكتوبة، فالأولاد رمز الكتابة والكتب، وبدونهم تختفي اللغة دون ترك آثار، و«عزي" ترمز إلى لغة الأم المحبوبة والجميلة، لكنها عاقر، يطردها أولياء مقران وتكتب رسالة لزوجها المجند في صفوف الجيش الفرنسي إبان الحرب العالمية الثانية، وتخبره عن حملها. وترمز كلمة "الرسالة" المشكلة من مجموعة حروف ل«الكتابة"، وتضيف بوخلو أن الرسالة أيقظت وعي مقران وأدرك خطأه ويحاول صعود قمة جبل" كولال " للوصول إلى"عزي"، ورغم محاولة أصدقائه منعه، غادر وفي يده عصا وعلى كتفيه "البرنوس". وبينما هو في الطريق يسمع صوت عزي "تركتني تركتني، تركتني"، لكن مقران لم يستطع بلوغ مكان زوجته وتوفي بسبب البرد والثلوج، وتقول الأستاذة بوخلو أن هذا المشهد يرمز للفراق بين العارف "أموسناو" و«الكلام" النطق، حيث يموت مقران ملفوفا في برنوسه الذي يرمز للقيم ويتم دفنه في قرية آيت شعلال بالقرب من "موح الراعي" الذي يرمز للثقافة الشعبية. وبالنسبة لمعمري هاتان الثقافتان يجب أن "تتواصل فيما بينهما"، ويكون هناك اتصال ولا يجب أن تكون هناك قطيعة بينهما. وبعدها تأتي رواية "نوم العادل" التي كتبها سنة 1955، حيث ازداد الطلب والإقبال على أعمال معمري التي أخذت شهرتها تكتسح الأصقاع، نظرا لما تحمله من بعد إنساني حضاري يرتبط ارتباطا وثيقا بالإرث الثقافي لمنطقة القبائل التي كان لها أثر بليغ على فكر وأدب دا المولوذ، حيث تقول السيدة بوخلو بأن الرواية تدعو إلى محاربة العزلة الثقافية، وكل ما قامت به فرنسا لعدة عشريات، ويجسد معمري أحداثها في شخصية "أرزقي" الذي أعجب بالأدب الفرنسي، ثم يكتشف أنه انخدع ليتعرف على ما يسمى ب«تجربة التاريخ"، وأن ما ادعته فرنسا من مساواة والأخوة مجرد شعار لا أساس له من الصحة، مبني على أكاذيب وخداع، ويكون واع بخطئه ويدرك أن الإنسانية موجودة فقط في الشعب الجزائري، ويبرز معمري عبر شخصية أرزقي أهمية العودة للأصل والمصدر، حيث يقوم "أرزقي" بحرق كل الكتب. وتقول الأستاذة بوخلو بأن الحرق هنا لا يعني الهدم والتخريب، ولكن إضرام النار هو عنصر المعرفة التي يكتشف خلالها "أرزقي" بأن له أسلحة يستعملها لخدمة أهله ووطنه، ليأتي عام 1957 ويكتب معمري قصة "حمار الوحش"، ثم في 1965 رواية "الأفيون والعصا"، حيث تؤكد السيدة بوخلو أنه كان دائما ذلك الرجل المثقف، العارف، العالم، المدرك الذي يبحث ويفك الكلمات ويغوص في الظلام إلى حد بلوغ المعرفة، الذكي والحكيم، حيث نجد في الرواية "الأفيون والعصا" قصة قرية جزائرية في جميع مظاهرها أثناء المقاومة، وهي قرية "تالة" التي دخلت مجال المقاومة وتحاول السلطات الاستعمارية ترويضها لكن لم تفلح، وعندما تنسف القرية يتجه أهلها نحو أعالي الجبال لدعم الثوار. وفي 1982 كتب معمري آخر رواية "العبور" وهي جواب للنداء الذي أطلقته عزي "تركتني" وموت مقران في الجبل، وظهور مراد (أي المراد)، الشخص المنتظر "ابن عزي ومقران ليشفي جروح قريته، لكنه يقرر الذهاب إلى فرنسا وقبل ذلك تأتي صديقة (ساعدته خلال حرب التحرير) ويذهب برفقتها إلى الصحراء الجزائرية، وتكشف له الصحراء أسرارا عبر رسائل، وبينما يتجول مراد في الصحراء، يلاحظ صخرة كبيرة مكتوب عليها جملة ب«التيفيناغ"، وهي"أنا بارزيكو أنا وحدي وأنا أرعى المعز"، برزيكو يرمز إلى الوطن، الأخت، الأم، الثقافة وكأن هذه الأرض تطلب منه ألا يذهب إلى فرنسا ويتركها والمعز، هو الحيوان الذي يقدم الحليب كرمز لحليب الأم "اللغة الأم"، ويسقط مراد في الصحراء وفجأة يستيقظ بفضل الماء الذي قدمه له الشاب "أمياس"، ليعود إلى الحياة ما أعطى له ميلادا ثانيا، ويعود مراد إلى قرية "تاسقة"، وتقول الأستاذة بوخلو بأن معمري كاتب عظيم ومذهل، أعماله تدور كلها حول "تعساست"، "تاسقة"، "ايغزر" و«ثالة"، والتي ترمز للوطن، اللغة، الأصل، المصدر، الهوية وغيرها. منبع الهوية.. قالت الأستاذة بوخلو بأن مسألة الهوية في أعمال معمري تعتبر "جوهرية" وأولوية، حيث كانت دائما موجودة ويذكرها في كل أعماله، مترجما تلك العلاقة بجذور الشجرة التي تضرب في عمق التراب مهما هزتها الرياح في كل الاتجاهات، سواء طال الزمن أو قصر ستعود إلى الطريق الصحيح ومكانها، مشيرة إلى أن معمري في سن مبكرة كان مدركا بأنه مدين لأرضه بالعودة ومنح أهله "خطا بيانيا" بمعنى كتابة المعرفة "ثاموسني"، في كل وقت كان مركزا على هذا ولو لم يكن ذلك لكان قد كتب بين 50 إلى 60 رواية، لكنه كرس وقته للهوية والتراث، مضيفة أن معمري مؤرخ أيضا، حيث تناول محطات الجزائر قبل الاستقلال وبعدها، إلى جانب إسهاماته المعتبرة في الفن الرابع الذي قدم له ثلاثيته الشهيرة "الفهن أو الدليل برقم تسعة" و«الوليمة" و«موت الأزتيك"، حيث كان معمري يعتبر أن زوال ومسح قبيلة في العالم هو مسح لكل العالم، لأن زوال قبيلة وعادة وثقافة يعني أن كل الإنسانية تفقد شيئا. كما جمع معمري أشعارا قديمة لسي محند أومحند التي تعتبر "كنزا"، وكذا أشعار الشيخ محند الحسين التي تختزل كل الذاكرة والتي قام معمري بجمعها وكتابتها بالأمازيغية. وترجمتها إضافة إلى أنه أسس للسانيات الأمازيغية وأنجز عملا كبيرا في النحو الأمازيغي، أسماه ‘'تاجرومت'' (القواعد). ونوهت بوخلو بإنسانية ورزانة دا المولوذ، مشيرة إلى أن رواياته لم تكن إلا دعوة صريحة إلى أدب وطني أصيل، والالتفاف حول المجتمع والهوية كرافدين هامين من الشخصية الوطنية. في1987 وخلال لقاء بين معمري وتلميذه وابنه الصحفي الراحل طاهر جاوت، قال "مهما تكون نقطة السباق، حيث الموت يصل إلي، إنني على قناعة بأن الشعب يصل نحو التحرر"، مؤكدة على أنها قرأت كتبا للعديد من الكتاب الجزائريين الكبار، لكنها لم تجد أي عمل يشبه عمل "حي الشمس" لمعمري الذي هو عبارة عن المسرح اليوناني، جمع بين الثقافة اليونانية والثقافة الأمازيغية، والذي يذكر بالعودة إلى الأصل وعدم نسيان التاريخ والذاكرة. وقالت بأنه بدءا من 56، كتب معمري باسم مستعار رسائل للأمم المتحدة عن القضية الجزائرية، حيث كان الناطق الرسمي للشعب الجزائري لدى الهيئة، وقال في أحد رسائله "ربما نحن أقلية، وفرنسا قوية ولكن عزيمتنا ضد الاستعمار متساوية"، بمعنى مقابل أسلحتكم الثقيلة والدبابات، نحن لدينا سلاح وهو الإرادة والعزيمة ولا يمكنهم سحق شخص يناضل، حيث كانت رسائله لطرح القضية الجزائرية على المستوى الدولي. ترجمة أعمال معمري وتدريسها أقل ما يمكن القيام به أكدت الأستاذة بوخلو أن معمري "يعتبر دليلنا ومعيارنا، وهو الشخص الذي فسح لنا الطريق وكرس كل حياته وجهوده من أجلنا "، موضحة أن رد الاعتبار لمساهمات الكاتب لترقية الآداب والثقافة الجزائرية والدفاع والنضال من أجل القضية الجزائرية يتطلب منا اليوم ترجمة أعماله إلى الأمازيغية والعربية، ليطلع عليها القراء أكثر، داعية إلى أن تكون الترجمة مطابقة ولا تخون الرسالة حتى تصل إلى القارئ كما هي. كما يجب إدراج نصوص وأعمال الكاتب في الكتب المدرسية وتدريسها بدءا من الطور الابتدائي، ودعت أيضا إلى مضاعفة حصص الإذاعة والتلفزيون وكل وسائل الإعلام عبر تحسيس كل المواطنين للمشاركة في إحياء مئوية ميلاد الكاتب والتعريف به أكثر. مؤكدة على أن معمري يبقى ذاكرة حية لكل الجزائريين، حيث شرف الجزائر في العديد من المحافل الثقافية الدولية، وخير دليل أن القراء الأجانب مبهرون بمستوى أعمال الكاتب ويستقون من إنسانتيه الخالدة المجسدة بكل كلمة وحرف من مؤلفاته. وذكرت بوخلو جملة من المحاضرات التي تنشطها في إطار مئوية معمري بكل من مدينة الأربعاء ناث ايراثن وبودجيمة وغيرهما حول "أعمال معمري والذاكرة "، "من صراخ عزي إلى الكتابة"، ليختتم البرنامج بملتقى أيام 3 و4 و5 ديسمبر المقبل، تحتضنه جامعة "مولود معمري" تحت عنوان "مولود معمري عمل متعدد الأشكال ومتعدد الأبعاد". وشجعت الطلبة على الخوض في أعمال الكاتب، لاسيما طلبة ماستر ودكتوراه، وتنظيم ملتقيات وأيام دراسية لا تتوقف على معمري فحسب وإنما كل الكتاب الجزائريين. كما دعت إلى العمل على مواصلة درب معمري وتشجيع المعرفة وكذا برمجة ملتقيات دولية بباريس، القاهرة، كندا وغيرها، لإعطاء البعد الحقيقي لهذا الكاتب مع تدريس أعماله ومؤلفاته بجامعات أجنبية، في حين تحدثت بوخلو عن رسالة دكتوراه التي قدمتها بفرنسا في 2006 حول مولود معمري، والتي تطمح إلى نشرها هذه السنة في إطار الاحتفال بمئوية ميلاد معمري، والتي تضم ثلاثة أجزاء. حسن حلوان أستاذ بمعهد اللغة الفرنسية .... الثقافة والمعرفة أساسيان في أعمال "دا المولوذ" دعا الأستاذ بمعهد اللغة الفرنسية حسن حلوان إلى قراءة وتدريس أعمال مولود معمري، حيث أكد على ضرورة تحفيز وتشجيع المواطنين على قراءة مؤلفات صاحب "الربوة المنسية"، معتبرا هذا أقل ما يمكن فعله إزاء جهود الكاتب في بحثه عن تدعيم اللغة الأمازيغية بقواعد الصرف والنحو عبر وضع "تجرومث". قال الأستاذ حلوان ل«المساء"، بأن الحديث عن مؤلفات معمري يبدأ بالتوقف عنده كشخص، لأن أعماله هي انعكاس لفكره وبحوثه والجزء المرئي في شخصيته، مشيرا إلى أن معمري أنثروبولوجي، حيث نجد هذا البعد الخاص بشعبه ولغته مثلا في "رواية الربوة المنسية" من خلال أسماء دبدا، عزي، مقران، يذير الذين يعيشون ب«تاسقة"، وهي أسماء أمازيغية رمزية قام بإحيائها ورجل الأدب اللغوي، كاشفا عن التراث الوطني، بدءا من "أهليل قورارة"، وصولا إلى أشعار القدماء بمنطقة القبائل، فبحث ونقب في العمق لينقل لنا أشعارا وكتابات قديمة. وأضاف المتحدث أن معمري عندما أصبح أستاذ اللغة الأمازيغية (1967) فهم أن الشعب لا يكون حرا إن لم تكن له لغته، حيث بها نطور أي شعب وبها يمكن السيطرة عليه، وبها نقتل ونحيي أيضا. وقام بتدريس الأمازيغية بالجامعة، وخلالها أدرك الكاتب أننا فقدنا الكثير بعدما فقدنا الكتابة بالأمازيغية، فعمد إلى وضع الكتابة ب«تمعمريث". كما فقدنا "تجرومت الأمازيغية" ولا نعرف قواعد سير وصرف اللغة، فقام بوضع "تجرومث" (قواعد اللغة). وأدرك أنه لدراسة وتدريس اللغة يجب أن تكون هناك نصوص، مثلا في اللغة العربية هناك أبو العلاء المعري، المنفلوطي، أحمد شوقي وغيرهم، وبالنسبة للغة الفرنسية هناك فكتور هيغو، لا مارتين ، رابي وغيرهم، بينما الأمازيغية مجردة من النصوص، ليقوم معمري بالعودة إلى أشعار سي محند أومحند والشيخ محند الحسين وغيرهما من أشعار القبائل القديمة، التي توجد فيها أشعار قيمة ورائعة، مثلا "تبراتس ايوازواو" (رسالة لأزواو)، حيث أظهر ضرورة الكتابة بالأمازيغية وجمع الأشعار ودوّنها، كما درسها وحلّلها، ومنه انتقل إلى الجانب العلمي والحكمة، فالفلسفة بالأمازيغية متعددة وأهداف معمري كثيرة، أراد إظهار أن اللغة وما تحويه يمكنها حمل أفكار كثيرة فلسفيا، الحكمة والنظرة المستقبلية. وهو ما ذكره في مجلة "أوال" التي جمع فيها أعمال المناضلين والناشطين من أجل الأمازيغية، كما ترك بعد وفاته "اينايس شيخ محند"، وهو عبارة عن "وصية" مفادها "إن أردتم التطور فطوروا لغتكم واكتبوها". وقال الأستاذة حلوان بأن جامعة تيزي وزو ودار الثقافة تحملان اسم "دا المولوذ" وهذا ليس صدفة، فالثقافة والمعرفة أساسيان في أعمال معمري "ثقافة معاشة وثقافة معرفية"، الأولى تخص الثقافة الشعبية والثانية الجامعية، مشيرا إلى أن انتماءه إلى آث معمر التي تنتمي لآث يني يرمز إلى انتماء هويتي، حيث كان يقول معمري "ما أتحدّث به لغتي، وما أؤمن به معرفة شخصية وما أقوم به ثقافة"، حيث كان يسعى ومنذ بدايته الكتابة، إلى غاية وفاته، إلى أن يقول "هذا هو أنا"، بإظهار الهوية، اللغة، الموسيقى، الشعر وغيرها والتي هي هوية كل الجزائر. قاسي سعدي أستاذ بمعهد الثقافة واللغة الأمازيغية .... نقل التراث واللغة من "الشفهية" إلى "الكتابة" أكد سعدي قاسي، أستاذ علم الترجمة وتقنيات التعبير بالأمازيغة واللغة الفرنسية بمعهد الثقافة واللغة الأمازيغية بجامعة "مولود معمري"، أنه بفضل الكاتب المختص به، يوجد اليوم "اماوال" (معجم) كان وراء تطور اللغة الأمازيغية، موضحا أن جهوده في مجال وضع النحو، الصرف ومجموعة نصوص أثمرت المكانة التي بلغتها اللغة، الثقافة والهوية الأمازيغية اليوم. أضاف المتحدث أن معمري دافع عن اللغة، الثقافة، الآداب، الحضارة والهوية الأمازيغية، وعمل على نقلها من الشفوية إلى الكتابة عبر تدوينها، مشيرا إلى أن أعماله شملت عدة أبعاد، فهو كاتب روائي كتب أربع روايات، حيث روى حياة منطقة القبائل قبل دخول الاستعمار الفرنسي، ثم أثناء الحرب وبعد الاستقلال. كما أنه لساني، فقد وضع قاموس اللغة الأمازيغة، ونحوي كان له الفضل في وضع النحو "تجرومت" (قواعد اللغة)، حيث كتبها بالأمازيغية والفرنسية، مضيفا أن معمري أنتربولوجي، بحث في علم الإنسان وعلم الاجتماع. كما كان يهتم بالشعر القبائلي القديم وجمع أشعار سي محند أومنحد والشيخ محند الحسين"، ومترجم، حيث ترجم كل الكتب التي كتبتها عن الشعر القبائلي إلى اللغة الفرنسية وكذا مجموعة قصصية باللغتين الأمازيغية والفرنسية، وهو ما يؤكد البعد العالمي في أعمال معمري. وذكر المتحدث بعدا آخر، وهو أن معمري باحث ومدافع عن القضية الأمازيغية ومشارك في الثورة الجزائرية، حيث قال بأن الكثير يجهلون هذا البعد، فمعمري كان مجاهدا وكتب إلى هيئة الأممالمتحدة عن القضية الجزائرية من أجل الحصول على استقلالها. مضيفا أنه إلى جانب هذه الأبعاد يعتبر معمري "ذا موسناو" لأنه عرف كيف يدافع عن الأمازيغبة، فهو"الأب المؤسس للأمازيغية" ولولاه لما كان هناك منعرج 1980، بعدما منع من إلقاء محاضرة "أشعار القبائل القديمة" بجامعة تيزي وزو يوم 10 مارس 1980، مما فجر الربيع الأمازيغي في 20 أفريل 1980 الذي أنار عقول الأمازيغ وفتح أعينهم ليعرفوا لغتهم وتاريخهم وثقافتهم وتراثهم وآدابهم، حيث ولدت هذه الأحداث حرارة وحماس النضال من أجل القضية الأمازيغية. وتحدث الأستاذ قاسي عن الهوية الجزائرية في نظر معمري، حيث كان مولود معمري يقول دائما للفرنسيين "إننا جزائريون أمازيغ ولسنا فرنسيين"، كما كان يؤكد أن شمال إفريقيا هي موطن الأمازيغ يتحدثون بالأمازيغية، مشيرا إلى أن معمري هو الأب الروحي للأمازيغية. متأسفا عن أن الكثيرين لا يعرفون مكانة وقيمة الكاتب في بلادنا، حيث ظل في الخفاء لسنوات ولم يسمح له بالظهور وكان منسيا، لكن مؤخرا بعد دسترة الأمازيغية، هناك اعتراف بالكاتب مولود معمري، لاسيما ببرمجة احتفالات مئوية معمري لأول مرة، كما أدرجت مديرية التربية العام الماضي نصا لطه حسين يتحدث عن "الربوة المنسية" لمولود معمري، وهو اعتراف صحيح أنه أتى بعد موته، لكنه يبقى اعترافا. ووجه المتحدث نصيحة للأجيال القادمة، حيث دعاهم لقراءة مؤلفات معمري، قائلا "معمري كاتب متفتح وله أبعاد عالمية، يحب وطنه والإنسانية ولا يوجد الكثير من الكتاب من أمثاله ما عدا محمد ديب، كاتب ياسين، مولود فرعون ومالك حداد "الذين عرّفوا بالأدب والثقافة الجزائرية". مشيرا إلى أنه قام في إطار البحث عن أعمال معمري بكتابة 3 مقالات وإلقاء 7 محاضرات ضمن ملتقيات علمية وطنية ودولية. الكاتب الصحفي والباحث عبد النور عبد السلام: معمري اعتبر اللغة الأمازيغية قاعدة أساسية قال الكاتب عبد النور عبد السلام إن دا المولوذ معمري اعتبر اللغة الأمازيغية القاعدة الرئيسة، حيث يُسند إليها كل شيء ويُبنى ويرتبط بها. وكان يعرف أن قوّتها في المقاومة هي "حاصل الترياق" الذي يحافظ عليها ويبقيها في حالة تأهب لمواجهة مختلف الاعتداءات حتى وإن كانت الأكثر منها علمية محضّرة ومدعّمة من طرف ظروف التآكل. وأضاف أن اللغة لم تكن تظهر له مثل الهمس أو معالجة حكمية ابتدائية أو مجرد مجموعة كلمات بسيطة ومفردات محدودة أو وصف أشياء صامتة، وإنما اللغة، بالنسبة له، كانت أداة حقيقية للتنظيم الاجتماعي المتطور والمدعم بتكوين شعبي وأحداث تاريخية وتجارب متراكمة. وأشار إلى أن معمري أكد أن اللغة الأمازيغية هي "اللغة؛ حيث توجد رواسب عدة قرون بمفاهيم وقيم حية"، خالية من التحيز التي تربط شخصية سيئ السمعة بأصل شعبي؛ فاللغة الأمازيغية بقيت لغة حية وأكثر. وكشف معمري عن أصل هاتين النقطتين، أولهما اللغة التي لا تخضع للاختناق ولا تكون مقيّدة ومحصورة في مساحة ضيقة في عمل الفكر. أما النقطة الثانية فتتعلق بالمؤهلات التقليدية للغة التي بقيت نفسها، لكن دائما في موقف استقبال تطورات مفيدة وضرورية، لذلك لم تكن مشغولة باعتبار اللغتين "الفرنسية والعربية" كلغتين عدوتين أو منافستين ولا حتى الإطاحة بأحدهما، مضيفا أن اللغة لا تبحث عن تتبّع هذه النماذج كالشكل والمضمون لنفسها، حيث تطورت باختراع محاورها الخاصة، التي تمثل منطقا يكرس نظاما لغويا موثقا ناشطا عبر علم اللغة، ومضيفا أن هذه هي نظرة أعمال مولود معمري إلى اللغة الأمازيغية. رئيس جمعية أساتذة اللغة الأمازيغية: دعوة لتعريف الشباب بأعمال رجال الآداب والثقافة قال رئيس جمعية أساتذة الأمازيغية السيد بودينار مهنى ل "المساء"، إن مسابقة "مولود معمري" للإملاء التي تعودت الجمعية على تنظميها كل سنة منذ 2006، تستقطب من سنة لأخرى عددا كبيرا من التلاميذ، حيث تم في البداية، تكريم التلاميذ الثلاثة الأوائل في الطورين الإكمالي والابتدائي. وبدءا من الطبعة الثامنة تم إضافة الطور الثانوي؛ حيث يقوم التلاميذ بالإنتاج، مشيرا إلى أن تنظيم المسابقة في طبعتها 11 عرفت تكريم 20 طفلا في مختلف الأطوار التعليمية فازوا في المسابقة، مضيفا أن الحديث عن الأمازيغية يقودنا إلى "دا المولود" ونضاله من أجل الهوية الأمازيغية، داعيا الجيل الجديد والأساتذة إلى مواصلة هذا العمل والتعريف بالكتّاب أمثال "دا المولوذ".