يعد المخرج والناقد السينمائي والأكاديمي التونسي فريد بوغدير، موسوعة شاملة ذات باع طويل في مجال السينما، ترأس العديد من المهرجانات العربية والعالمية على غرار "كان"، يمتاز عن غيره من أبناء صنعته بالهدوء وبقيمته الفنية الراسخة، بشوش يشد الناس بحديثه الممتع، تبهره مدينة وهران التي جاءها مشاركا في مهرجانها الدولي للفيلم العربي كرئيس لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة، التقته "المساء" للحديث عن المهرجان ومستوى الأفلام المشاركة وواقع السينما الإفريقية والعربية . ❊ ما هو تقييمك للأفلام الروائية الطويلة المشاركة في المنافسة الرسمية ؟ أنا أفضّل أن أترك الحديث عن التقييم للأيام المقبلة، وعموما أنا متفائل بمستوى الأعمال المقترحة، منها مثلا فيلمين روائيين دخلت بهما الجزائر المنافسة، وحتما فإن التقييم الحقيقي سيظهر جليا في حفل الاختتام. ❊ وماذا عن مهرجان وهران السينمائي، وكيف له أن يحقق التميز عن غيره من المهرجانات ؟ يعد مهرجان وهران للفيلم العربي بعد مشوار دام عشر طبعات كاملة مكسبا للسينما العربية، وعليه الآن أن يبحث له عن مكانة تميزه عن المهرجانات السينمائية العربية الأخرى كونه الوحيد المتخصص في السينما العربية، لتبرز هويته أكثر في الدفاع عن السينما الجادة والأصيلة، وعدم التركيز كثيرا على بهرجة النجومية أي عدم التوقف عند الفنانين النجوم كحدث فني هام وأولوية تطغى على مضمون المهرجان، وموضوع النجومية، سبقت إليه السينما المصرية وكانت رائدة في صناعة النجوم منذ الثلاثينات، لذلك على مهرجان وهران أن لا يجعل النجومية واجهته على حساب السينما الجادة. ❊ كيف هي علاقة المخرج فريد بوغدير بالفن السابع بالمنطقة المغاربية ؟ كرست مسيرتي المهنية للنضال من أجل خدمة السينما عل المستوى الإفريقي، وفي بلدي تونس من خلال تكوين سينمائيين أكفاء على اعتبار أنني أستاذ جامعي متخصص وناقد سينمائي، وقضيت سنوات طويلة في كتابة نصوص لأفلام سينمائية وفي صياغة مشاريع قوانين، وكذا كرئيس لجان تحكيم في مهرجانات دولية، وكل ذلك كان على حساب الوقت الذي قضيته في بلاتوهات التصوير وفي عملي كمخرج، ورغم ذلك وبلا فخر حققت الأفلام التي قمت بإخراجها وعلى قلتها شهرة كبيرة أكثر من الأفلام الأمريكية سواء داخل تونس أو خارجها، بالنسبة لعملي كمخرج فقد أقضي مدة 15 سنة وأكثر ولا أوقع أي عمل، وأحاول دائما أن أركز على مهمتي الأكاديمية في النقد السينمائي. من جهة أخرى، أحاول أن أقنع بلدي تونس والبلدان الأفريقية الأخرى بضرورة التكوين والتأطير الصحيح في مجال صناعة السينما، التي لا تزال تعتمد في تمويلها على الدولة فقط، في حين أن هناك مداخيل أخرى ممكنة التحقيق مثل المغرب الذي يخصص نسبة 5 بالمائة من مداخليه من الإشهار التلفزي لتمويل صناعة السينما، وكذا نسبة أخرى من فاتورة الكهرباء التي توجه لقطاع السمعي البصري وهو ما يفسر ارتفاع عدد الأفلام السينمائية المنتجة سنويا التي كانت محصورة في 3 أفلام روائية طويلة في العام إلى 30 فيلما، وطبعا ليس بالضرورة أن تكون كلها جيدة، لكن عندما نجد 3 أفلام جيدة فنيا فقط في السنة ذات مستوى عال أعتبره إنجازا يخدم صناعة السينما في هذا البلد، كذلك دولة التشاد التي انتهجت سياسة أفضل في هذا الجانب، حيث وضعت قانونا يمنح نسبة 10 بالمائة من مداخيل الهاتف الجوال لتمويل قطاع السينما، وكنت فخورا عندما شاركت هذه السنة في مهرجان "كان" السينمائي، حيث وجدت فيلم محمد صالح هارون من التشاد مكتوب عليه دولة تشاد ممول من صندوق السمعي البصري (بدون أن تخسر السينما أي سنتيما)، وهو ما أطمح لأن يتحقق بالدول العربية والأفريقية وغيرها من البلدان الأفريقية التي تعاني من شح في تمويل صناعة السينما، لتتحول إلى قطاع السمعي البصري وبذلك أكون قد حققت هدفي الذي اعتبره أهم من الإخراج السينمائي. ❊ هل هناك أزمة نقد سينمائي بالمغرب العربي ؟ أكيد أن هناك أزمة نقاد سينمائيين بوطننا العربي، وهناك مواقع إلكترونية متخصصة تكتب عن سينما بدون نقد أكاديمي متخصص يسلط الضوء على الفيلم من جميع جوانبه من حيث تحليل المضمون أولا ثم الشكل واهم من ذلك اكتشاف توجهات المخرج ومدرسته الفنية، ليتم بعدها الحكم على العمل بالنجاح أو الفشل مع إقصاء لأي أغراض أو ميولات شخصية. هناك اليوم بعض المجلات العربية القليلة متخصصة في هذا المجال مثل مجلة الاتحاد المغربي للنقاد السينمائيين، بينما ما يكتب من نقد سينمائي سواء في الصحافة الورقية أو الالكترونية المغاربية أعتبره حكما مقلقا ومتسرعا وغير معمق. ❊ كيف وجدت مدينة وهران عاصمة السينما العربية ؟ قمت منذ أيام بجولة سياحية لعدد من المناطق الأثرية لمدينة وهران التي أزورها لأول مرة بدعوة ومرافقة من صديقي الكاتب المسرحي ومدير المسرح مراد سنوسي، وقد انبهرت بجمالها وجمال حيّها العتيق سيدي الهواري الذي تفوح منه رائحة الحضارات التي مرت عليه، وبالحمامات التركية والمعلم الأثري سانتاكروز، وأعجبت بأهل الباهية وحسن ضيافتهم وعشقهم للسينما.