إذا اخترت قضاء يوم من عطلتك الصيفية على شاطئ البحر رفقة أفراد عائلتك فلا بد أن تفكر في الذهاب مبكرا لتحجز مكانا مناسبا على ضفافه، وإن حدث وتأخرت فالمؤكد أنك ستكون مجبرا على الجلوس في الخلف بعيدا عن الشاطئ، أو تدفع تكاليف الطاولة والكراسي مجبرا لا مخيرا لتحظى بإمكانية مراقبة أطفالك وهم يسبحون، كما سيتوجب عليك أن تحضر طعامك من المنزل لتتجنب التسممات الغذائية، هو إذن المنطق الذي أصبحت تسير عليه شواطئنا اليوم، والذي تكيّف معه أغلب المصطافين؛ فلا مجال مطلقا للحديث عن مجانية الشواطئ في ظل انتشار من نصبوا أنفسهم أوصياء عليها. وقفت "المساء" عند تجولها بكل من شاطئ "فونتان" بعين البنيان وشاطئ "كيتاني" بباب الوادي، على عدد من التجاوزات والمخالفات التي كرست مبدأ الدفع للحصول على خدمات. وعلى الرغم من وعي المواطن وعلمه بالمجانية غير أنه يبادر بالدفع؛ لأن الغرض من زيارته للشاطئ هو الحصول على بعض المتعة، وبالتالي تجنب كل ما من شأنه أن يعكر مزاجه. دخول الحظيرة ب 100دج وكراء الكراسي ضرورة زارت "المساء" شاطئ "فونتان" بعين البنيان الذي يُعد واحدا من الشواطئ الصخرية الصغيرة التي تعرف إقبالا كبيرا عليها من قبل العائلات وتحديدا المقيمة بالجوار، ورغم صغره مقارنة بغيره من الشواطئ الكبرى يخضع للتسيير من قبل من يعتبرون أنفسهم أوصياء على البحر، حيث تكون ملزما على دفع تكلفة إدخال السيارة إلى شبه حظيرة مقابل دفع مبلغ 100دج، وما إن تطأ قدمك الشاطئ يسارع إليك من هؤلاء بالأسئلة: كم عددكم؟ هل يوجد بينكم أطفال؟ هل تحتاجون إلى طاولة وأربعة كراسي؟... وحتى إن جلبت متاعك معك فإنه يصر على تواجدك في المكان الذي يختاره لك؛ لأنه سبق له أن حجز كل الأماكن على الشاطئ. وإن رفضت واخترت استعمال معداتك فتكون ملزما على الجلوس في الخلف؛ حيث تُحجب عنك الرؤية بسبب انتشار الطاولات والمظلات في كل مكان. أما عن الأسعار فهي لا تتغير من شاطئ إلى آخر، فإن كنت بحاجة إلى مظلة وطاولة وأربعة كراسي فتكون ملزما بدفع 1000دج، وإذا احتجت إلى طاولة وكرسيين فإن السعر لا يتعدى 700دج. نفس الصورة رصدناها بشاطئ كيتاني ببلدية باب الوادي، فعلى الرغم من وجود حظيرة تعمل بطريقة قانونية، فإن ركن السيارة أيضا في الساحة المقابلة لمدخل الشاطئ يكون فيها المصطاف مجبرا على الدفع لفئة تدعي أنها المخول لها الحراسة. وعند الدخول إلى الشاطئ تجد عددا من الشباب قد قسموه إلى مقاطعات، كل يعمل في مقاطعته، فيستحيل عليك نصب معداتك في الواجهة الأمامية إلا إذا دفعت مقابل ذلك خاصة بالنسبة للعائلات التي تصحب معها أطفالا صغارا وتجد نفسها ملزمة على الكراء، ليتسنى لها حراسة أبنائها وهم يسبحون. البيع على الشواطئ محصور في المشروبات تبين لنا من خلال زيارتنا لشاطئ "فونتان" بعين البنيان، أنه تم التخلي عن بيع الوجبات الجاهزة مثل "الساندويش"؛ خوفا من مصالح الرقابة التي منعت أصحاب المحلات المنتشرة على الشاطئ من بيع الوجبات الجاهزة بسبب كثرة التسممات الغذائية، وهو ما رصدناه على لسان أحد الباعة الذي كان يملك شبه محل بمدخل الشاطئ، الذي أكد في دردشته ل "المساء"، أن مصالح الولاية منعته من بيع أي نوع من الوجبات، حيث اقتصرت عملية البيع على السوائل ممثلة في المياه والمشروبات، وهو ما أكده لنا بائع آخر بشاطئ كيتاني، كشف أنه كان يبيع في السابق "ساندويتش" البطاطا المقلية غير أن مصالح الولاية أجبرته على التوقف بسبب افتقار محله لمعايير النظافة، وألزمته ببيع المشروبات فقط، وهو الأمر الذي امتثل له خوفا من المتابعة، خاصة أن مصالح الرقابة تباشر خرجات فجائية بصورة مستمرة. أخبار التسممات تشجع على الأكل المنزلي تحدثت "المساء" إلى عدد من العائلات بشاطئ كيتاني حول نوعية الوجبات التي يتم تناولها على الشاطئ؛ حيث أكد أغلب مستجوبينا أن حوادث التسممات الغذائية رفعت درجة الوعي عندهم، فهذه مواطنة من سكان باب الوادي، أكدت أنها تحضّر يوميا وجباتها في المنزل وتتجنب شراء تلك التي تباع على الشواطئ؛ سواء من طرف من يملكون محلات أو من الباعة المتجولين؛ لأنها تملك تجربة سابقة أدخلتها المستشفى بسبب تناولها المحاجب، وهو ذات الانطباع الذي رصدناه عند عائلة أخرى، أفادت بأنها تشتري فقط المشروبات والمياه. أما باقي الوجبات فيتم تحضيرها مسبقا في المنزل خوفا من التسممات الغذائية، في حين قالت مواطنة أخرى كانت رفقة أطفالها: "إن ارتفاع سعر ما يباع من أكل جعلها تفضل تحضيره في المنزل، فمثلا سعر حبة واحدة من "السوفلي" يتجاوز 50دج، فضلا عن الجهل بطريقة تحضيرها إن كانت تحترم شروط السلامة الغذائية أو لا؛ تعلّق: "ليس هناك أفضل من تحضير الأكل في المنزل لتجنب كل ما من شأنه أن يصيبنا بتسممات تدخلنا المستشفيات". الترفيه حاضر لمن استطاع إليه سبيلا تبين لنا من خلال الجولة الاستطلاعية أن الشواطئ الصغيرة مثل شاطئ "فونتان"، عادة لا تتوفر فيها فضاءات للترفيه لفائدة الأطفال وحتى البالغين، حيث يقتصر الأمر على بيع بعض معدات البحر من الباعة الفوضويين، مثل تلك التي تساعد الأطفال على تعلم السباحة، غير أن الأسعار تظل بعيدة عن متناول المصطاف بشهادة بعض العائلات، التي أكدت أن تكلفة ألعاب الأطفال البلاستيكية من الدلاء والبالونات وغيرها أغلى 10 بالمائة من تلك التي تباع بالأسواق، غير أنها ملزمة في بعض الأحيان على اقتنائها نزولا عند رغبة الأطفال. أما تلك التي تُستخدم في السباحة كعجلة الهواء، فيتم تأجيرها ويحدَّد الثمن حسب الوقت المستغل، فإن تم تأجيرها لمدة نصف ساعة فقد يدفع المصطاف 400دج ثمن كرائها، وكلما زاد الوقت زادت التكلفة. أما بالنسبة للشواطئ الكبرى مثل شاطئ كيتاني فإن الترفيه حاضر ولكن بأسعار تفوق إمكانيات العائلات المصطافة، حيث يتم تنصيب خلف الشاطئ مسابح كبيرة بلاستيكية مجهزة بعربات مائية لفائدة الأطفال، إلى جانب بعض الألعاب الترفيهية الأخرى كالبساط النطاط، غير أن الحصول على هذه الخدمة يتطلب دفع مبالغ اعتبرها بعض المصطافين مرتفعة، لاسيما أن المدة التي يقضيها الطفل في اللعب لا تتعدى ربع ساعة، وإن رغب في المزيد فعليه الدفع أكثر. حفاظات الأطفال وقارورات المياه تشوّه المنظر تبين لنا من خلال التجول في كل من شاطئي "فونتان" و«كيتاني" أنه على الرغم من وجود حاويات موزعة في مختلف أنحائهما بما في ذلك أكياس مخصصة للنفايات، غير أن التحسيس بأهمية الحفاظ على المكان نظيفا لايزال مغيّبا، حيث يلاحظ المتجول انتشار قارورات المياه وحفاظات الأطفال في كل مكان، بينما تقوم بعض العائلات عند مغادراتها بدفن بقايا الطعام تحت الرمال أو الإبقاء عليها بجانب الطاولات التي يتم كراؤها، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الشباب المكلفين بعملية التأجير؛ حيث أشاروا إلى أن ثقافة الحفاظ على نظافة الشاطئ تكاد تكون غائبة عند أغلب المصطافين، إذ يسارعون بمجرد مغادرة العائلة إلى تنظيف ما خلّفوه من بقايا الطعام، ليتسنى لعائلة أخرى تأجير المكان. وعلى الرغم من أن الجهات المعنية ممثلة في مصالح البلدية تقوم بعملها حيث ترفع بصورة دورية ما يخلفه المصطافون، غير أن عملها يظل غير كاف أمام عشوائية ولا مبالاة المصطافين. من جهة أخرى، اشتكى بعض العاملين بالشاطئ من تفشي بعض الظواهر كالتبول العشوائي وغياب المرافق العمومية، فمثلا شاطئ فونتان لا يحوي على أي مرحاض أو مغسل؛ الأمر الذي يجعل العائلات تعبئ كميات من مباه البحر لتغتسل بها عندما تهم بالمغادرة، بينما تباشر أخرى التخلص من فضلات أطفالها على الشاطئ. أما بالنسبة لشاطئ كيتاني، فإن المراحيض المتوفرة والمغاسل موجهة للذكور فقط، الأمر الذي أثار حفيظة النساء. الحماية المدنية حاضرة والتجاوزات كثيرة على الرغم من أن مصالح الحماية المدنية كانت حاضرة بالشاطئين اللذين شملهما الاستطلاع؛ حيث يمضي عناصرها اليوم بالتجول عبر الشواطئ لمراقبة المصطافين والسهر على أمنهم، فإن التجاوزات والمخالفات كثيرة، وهي ترجع، حسب بعض الحراس الذين دردشت معهم "المساء"، إلى عدم احترام ألوان الراية من جهة؛ حيث يبادر الشباب بالسباحة إلى مسافات بعيدة رغم أن الراية برتقالية أو حمراء، أو لا يمتثلون للتعليمات؛ إذ يسبحون إلى مسافة طويلة وبعد أن ينال منهم التعب ويتعذر عليهم الرجوع يطلبون النجدة. وفي بعض الأحيان تأتي النجدة متأخرة، خاصة إن كان المصطاف لا يتقن السباحة، مشيرين إلى أن التجاوزات كثيرة، وفي بعض الأحيان لا يستجيب المصطافون وخاصة الشباب للتوجيهات، وهو الأمر الذي يزيد من متاعب الحراس ويصعّب عملهم. شباب يفرضون منطق التسيير لدى تواجدنا بشاطئ كيتاني دردشنا مع بعض من نصبوا أنفسهم أوصياء على البحر، بعد أن اشتكى عدد من المواطنين من الممارسات غير العادلة، التي تجعلهم يحجزون الأماكن الأمامية ويجبرون العائلات على التأجير أو التواجد في الخلف، حيث أكد بعضهم أن عملهم هذا يدخل في إطار توفير الراحة والاستجمام للمصطافين، فهم يهيئون أماكن مريحة للعائلات وأخرى للشباب خاصة من لا يملك معدات البحر من كراسي أو طاولات أو مظلات، ويبادرون بحجز الأماكن الاستراتيجية لحمل العائلات على الاسترزاق، غير أنهم لا يمنعون أي عائلة من اختيار المكان المناسب، فقط عليها أن تأتي مبكرا. من جهة أخرى، أكد أحد الشاب يعمل في مجال الكراء، أنه يمارس هذا النشاط منذ سنوات للاسترزاق، وأن الأسعار التي يتم فرضها معقولة، مشيرا إلى أن دوره لا يقتصر على التأجير فقط بل كذلك المساهمة في تنظيف الشاطئ وتوفير خدمات للمصطاف الذي لا يملك أحد المعدات أو ينساها. كما أنه يحارب رفقة أصدقائه بعض الظواهر كالسرقة؛ من أجل هذا يقول إنهم ساهموا في توفير النظام وحفظ الأمن والنظافة والمشاركة أيضا في بعض الأحيان بعمليات الإسعاف، وبالتالي فهم يستحقون تسيير الشواطئ.