يُفتتح اليوم بالعاصمة الصينيةبكين، المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني برئاسة الأمين العام للحزب شي جين بينغ (الرئيس الصيني). وسيسمح هذا المؤتمر بتجديد هياكل الحزب الحاكم، وتحديد سياساته واستراتيجيته الداخلية والخارجية القادمة في كل المجالات، لاسيما الاقتصادية والاجتماعية، وذلك للسنوات الخمس المقبلة. وأظهرت تصريحات المتحدث باسم المؤتمر، مواصلة الحزب انتهاج سياسة الانفتاح والإصلاح التي بدأها من قبل، والتي أفرزت واقعا جديدا، تظهر ملامحه في التطور الهام الذي عرفه مستوى معيشة السكان ونمط عيشهم بدون إغفال الأهمية الإقليمية التي تحتلها الصين على المستوى العالمي. المتحدث باسم المؤتمر الوطني 19 للحزب الشيوعي الصيني تو تشن، أكد أمس خلال ندوة صحفية عقدها بقاعة الشعب (مقر الحزب) بحضور أكثر من 200 صحفي من كل أنحاء العالم، أهمية وحيوية هذا المؤتمر، من حيث أنه يُعقد في «مرحلة حاسمة» في تاريخ الصين التي تطمح لمجتمع مزدهر تحترم فيه المبادئ الاشتراكية ب «طابعها الصيني» أو «الاشتراكية الصينية»، كما وصفها، والتي تسعى إلى تكييف المبادئ الماركسية اللينينية مع واقع الصين الجديد المتسم بانفتاح اقتصادي ملفت للانتباه، يدفع إلى التساؤل حول كيفية تمكن الصين من الجمع بين النقيضين. وسيعكف المؤتمرون الذين سيجتمعون من 18 إلى 24 أكتوبر، على تحليل وتقييم ما تم إنجازه منذ المؤتمر الثامن عشر الذي انعقد عام 2012، ورسم معالم المرحلة القادمة عبر خارطة إصلاح شامل للنظام السياسي للبلاد والأنظمة الأخرى، وفق مستلزمات المرحلة القادمة. لكن أهم ما سيفصل فيه المؤتمر هو التعديلات التي ستجرى على دستور الحزب الذي يضم أكثر من 80 مليون منخرط، والتي إن لم يكشف بعد عن مضمونها فإنها تسير في الاتجاه الإصلاحي الذي قاده الأمين العام للحزب شي جين بينغ منذ توليه القيادة، وهو ما تم التشديد عليه في الندوة الصحفية، حيث كانت توجيهات السيد بينغ حاضرة ومتكررة في كلمة المتحدث باسم المؤتمر. وحسب المصدر ذاته، فإن تحضيرات المؤتمر ركزت على أربعة محاور، أولها التقرير السياسي الذي وصفه بالهام جدا، والذي تم إعداد مسوّدته من طرف لجنة ترأّسها الأمين العام للحزب، وتضم قيادات مركزية وأخرى محلية وخبراء، وتم تحضيره وفقا لدراسات أجريت عبر كل الأقاليم بمشاركة 59 منظمة وبتلقّي 4700 اقتراح. ويتعلق المحور الثاني، كما سبق ذكره، بالتعديلات التي ستجرى على دستور الحزب، والتي أصبحت «تقليدا» في مؤتمرات الحزب الشيوعي الصيني منذ المؤتمر الثالث عشر، وهي تستجيب للأفكار الجديدة، وتنهل من التجارب الميدانية والواقع المعيش بما يسمح بضبط وتنظيم وتسيير الحزب بشكل أفضل،،كما أوضح المتحدث، وهو ما يعني كما أوضح أن تعمل التعديلات على تكييف الأفكار الماركسية مع الظرف الصيني الراهن، «وهو ما شدد عليه شي جين بينغ منذ المؤتمر الثامن عشر». أما المحور الثالث فيخص انتخاب مندوبي المؤتمر الذين بلغ عددهم 2280 عضوا للمشاركة في أشغال هذا المؤتمر، والذين يمثلون 89 مليون منخرط بالحزب، و4.5 ملايين من المنخرطين في الجمعيات التابعة له. وفي المحور الرابع نجد انتخاب أعضاء جدد للجنة المركزية واللجنة المركزية للتقيد بالنظام، وهي مؤسسة رقابية داخل الحزب، تعنى خصوصا بمكافحة الفساد الذي يوليه الأمين العام للحزب أهمية كبيرة. وفي رده على أسئلة الصحفيين الحاضرين بقوة لتغطية هذا الحدث، أكد المتحدث باسم المؤتمر أن الصين ستحافظ على سياستها الانفتاحية، مشيرا، بوجه الخصوص، إلى أنها ستستمر في نفس السياسة المنتهجة إلى غاية الآن في المجال الاقتصادي، وموضحا أن «الصين لن تغير سياستها في مجال الاستثمارات الأجنبية»، وأنها تعمل بمنطق «الربح المتبادَل»، لاسيما في إطار مبادرتها المسماة «طريق الحرير الجديد»، التي تسعى من خلالها إلى تدعيم وتوسيع علاقاتها الاقتصادية مع دول في آسيا وإفريقيا. أما على المستوى الداخلي، فإن المسؤول الحزبي يصر على القول بأنه لا تناقض بين المحافظة على الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية، التي اطلع عليها صحفيون أجانب تمت دعوتهم من عدة بلدان، من خلال زيارات إلى بعض الأقاليم والمدن التي شهدت طفرة تنموية ملفتة للانتباه عبر زيارتهم لمعرض الإنجازات الذي سلط الضوء على ما حققه الصين خلال السنوات الخمس الماضية من تطور في كافة المجالات. تطور يظهر باديا للعيان سواء تعلق الأمر بالبنى التحتية ولاسيما الطرقات ووسائل النقل، فضلا عن قطاع الإسكان ومجال تكنولوجيا الاتصال والاعلام، إضافة إلى جهود مكافحة الفقر، التي مكنت إقليم فوجين الواقع جنوب شرق الصين - على سبيل المثال - من تقليص الفقر بنسبة 80 بالمائة في أربع سنوات. رهانات كثيرة إذاً تُطرح في هذا المؤتمر بالنسبة لبلد أصبح وزنا ثقيلا في معادلة التوازنات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، وفي نفس الوقت يواجه تحديات التنمية الداخلية وتحقيق الازدهار لسكانه الذين ينتظرون الكثير من حزبهم الحاكم.