بلغ عدد شهداء الثورة التحريرية بولاية سكيكدة خلال الفترة الممتدة من الفاتح نوفمبر العظيم إلى غاية 1962، حسبما جاء في وثيقة تاريخية صادرة عن مديرية المجاهدين للولاية، تملك «المساء» نسخة منها؛ 7272 شهيدا سقطوا في ميدان الشرف عبر 38 بلدية، منهم 682 شهيدا سقطوا ببلدية سكيكدة. وحسب نفس الوثيقة، فإن أهالي سكيكدة في مختلف القرى والمداشر شنوا مقاومات شرسة ضد الاستعمار الفرنسي الذي دخلها يوم 10 أفريل 1838، أبرزها مقاومة الشيخ الزغدود والشيخ بوقرة. كما عرفت عاصمة الولاية التاريخية الثانية نشاطا مكثفا للحركة الوطنية التي عدت سكيكدة مهدا لها، تميزت بالمظاهرات والاحتجاجات، منها مظاهرة عمال ميناء سكيكدة سنة 1904، التي تم خلالها رفع العلم الوطني الجزائري في شكل تقريبي للعلم الحالي لأول مرة، وكذا تمرد بعض الشباب ضد التجنيد الإجباري للمشاركة في الحرب العالمية الثانية خلال فترة 1914 /1920، والذي أطلقت عليه القوات الاستعمارية «ثورة الخارجين عن القانون». ناهيك عن النشاط المكثف للتشكيلات السياسية للحركات الإصلاحية. وحسب الوثيقة، زار سكيكدة كل من الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 1933، وميصالي الحاج سنة 1952. كما كانت سكيكدة منذ الثلاثينات تضم 03 قياديين في حزب الشعب الجزائري وهم مسعود بوقادوم، موسى بوالكروة، وحسين لحول الذي كان عضوا في اللجنة المركزية وأمينا عاما للحزب. كما كان لولاية سكيكدة الشرف في تأسيس المنظمة السرية بشكل منظم للغاية، كان يشرف عليها الشهيد البطل بوجمعة بوكرمة المدعو «عيسى». فيما يخص مشاركة سكيكدة في انطلاق الثورة التحريرية الكبرى لأول نوفمبر 1954، فقد كشف تقرير لمديرية المجاهدين، أصبحت سكيكدة إثر الاجتماع التاريخي لمجموعة 22 وتقرير تفجير الثورة، ضمن التقسيم الذي اعتمد خلال الاجتماع، تابعة إلى المنطقة الثانية للشمال القسنطيني، التي كانت تسمى اصطلاحا «منطقة السمندو» بقيادة الشهيد البطل الرمز ديدوش مراد ومساعدة زيغود يوسف ولخضر بن طوبال ومصطفى بن عودة. تم ليلة 01 نوفمبر تشكيل فوجين من المجاهدين الأوائل، أسندت أول مهمة هجوم على ثكنة الجندرمة بمدينة السمندو، والفوج الثاني أوكلت له مهمة حرق مستودع الفلين لأحد المعمرين ببلدية الحروش، وبتنفيذ العمليتين تكون سكيكدة قد انضمت إلى الثورة من أجل التحرير منذ الساعات الأولى، وشملت كل تراب الولاية دون استثناء، لقن من خلالها مجاهدو وأهالي سكيكدة العدو دروسا رائعة ونادرة في البطولة والفداء والتضحية، كللت بالنصر المبين، فكان نصرا حقيقة ومجازا، رغم السياسة الاستعمارية وحرب الإبادة التي مارسها العدو على أهالي المنطقة بوحشية لا يمكن تصورها، من خلال إقامته للمحتشدات بداية من سنة 1956، حيث وصل عددها إلى حوالي 117 محتشدا. كما قام ببناء 79 ثكنة عسكرية، بالإضافة إلى 10 ثكنات للجندرمة و62 مكتبا للشؤون الأهلية، أو كما تعرف ب»لاصاص». زيادة إلى 04 محافظات للشرطة، دون الحديث عن البوليس السياسي والعدد الكبير من المجندين ضمن شبكة العملاء، وكذا القوات الضخمة للقواعد البحرية العسكرية. كما قام بإنجاز مطارين عسكريين. لم يكتف بهذا بل راح سنة 1955 وبعد تعيين السفاح «أوساريس» على رأس الجهاز المخباراتي داخل مدينة سكيكدة، بإنشاء 21 مركزا للتعذيب مجهز بأحدث وأبشع وسائل الاستنطاق غير الإنسانية، منها 04 مراكز تعذيب بمدينة سكيكدة. ولأن وحشية المستعمر لا توصف، فقد ذكر نفس التقرير بأن العدو ارتكب منذ انطلاق الثورة المباركة لأول نوفمبر، مجازر رهيبة وعمليات إبادة من خلال تخصيصه ل20 مكانا دفن فيه أهالي المنطقة أحياء، وهي ملعب سكيكدة، مشتة الزفزاف، مشتة بارو، فلفلة، الحدائق، أمجاز الدشيش، جندل، سيدي مزغيش والحروشن ورمضان جمال، عزابة، عين شرشار، زردازة، القل، السبت، حمادي كرومة وبني زيد. الدكتور عبد القادر نطور: الأغنية الشعبية الوطنية ساهمت في خلق الحماسة لمواجهة المستعمر أكد الدكتور عبد القادر نطور، مدير مخبر التراث بجامعة 20 أوت 55 بسكيكدة، خلال الندوة التي نشطها أول أمس بدار الثقافة «محمد سراج» في سكيكدة، أن الأغنية الشعبية إبان الثورة التحريرية لعبت دورا رياديا في مجال غرس الوعي الوطني، ومن ثمة الحفاظ على الهوية الوطنية الجزائرية التي حاول المستعمر طمسها. مضيفا أن الأغنية الوطنية الشعبية صورت وببراعة ما كان يكابده الجزائريون خلال تلك الحقبة من محن وآلام. كما كانت تعبر عن آمالهم وأحلامهم وتطلعاتهم للمستقبل، من خلال الكلمات والترانيم المستعملة التي تلهب في النفس الحماسة، وتغرس فيهم قيم الوطنية. كما سجّلت أيضا صورا حية عن جرائم المستعمر في حق الشعب الأعزل الذي لا ذنب له سوى المطالبة بحقه الشرعي المتمثّل في الحرية والاستقلال. وأشار المحاضر في السياق، إلى أن الأغنية الشعبية خلال تلك الحقبة الاستعمارية، كانت بحق مرآة عاكسة لواقع مأسوي رهيب، كما كانت أيضا تعبر عن الاحتجاج المقترن بوعي طبقي، خاصة أن الطبقة الكادحة كانت تستعمل الأغنية الشعبية الوطنية كسلاح، وككلمة ثائرة مخضبة بعرق ودماء العمال والفلاحين في مواجهة الطرف البورجوازي الاقطاعي، ومواجهة الاستغلال، فساهمت بشكل كبير في بلورة الفكر الثوري المعبر عن مواقف سياسية ونضالية لدى الشعب الجزائري، مؤكدا أنها دعمت القيم الوطنية من خلال تعدد مضامنها، معتبرا الأغنية الشعبية الوطنية التي رددها الشعب في القرى والأرياف والمدن، بالوثيقة التاريخية الصادقة التي سجلت أحداث الثورة المختلفة، لاسيما أنها ومن خلال كلماتها جسدت حب الوطن، وصورت المجاهدين كأبطال، كما صورت المعارك وأبطالها، ناهيك عن مساهمتها في الحفاظ على الهوية الوطنية من دين إسلامي ولغة عربية. وعن تعريفه للأغنية الشعبية، قال الدكتور نطور بأنها الأغنية المرددة التي تستوعبها جماعة تتناقل آدابها شفاهيا، وتصدر في تحقيق وجودها عن وجدان شعبي. ❊ بوجمعة ذيب