شكلت سكيكدة إبان الثورة التحريرية وما قبلها من تاريخ الحركة الوطنية، حقلا خصبا ولد من رحمه كبار الأسماء الثورية على غرار زيغود يوسف، علي كافي، عبد الحميد مهري، عبد الرزاق بوحارة، علي منجلي، رمضان جمال، عيسى بوكرمة، بولكروة، حسين لحول، شيبوط وابراهيم شريط، كانت سكيكدة مركز عبور واستقرار لآخرين على غرار بن طوبال، صوت العرب، مسعود بوجريو والخروبي وقبلهم الغسري وبن مهنا، الأمير خالد والمقاوم سي زغدود والشريف بوصبع. كم تحتضن أرضها شرقا وغربا بمئات الآثار والأماكن التاريخية لكنها لم تأخذ حقها من التدوين والتسجيل حفظا للذاكرة الجماعية على مدى ال 50 سنة الماضية، إنها محطة تقف عندها "الشعب" في هذا الاستطلاع. واقع التأريخ بولاية سكيكدة يعرف غياب إلا القليل من الشهادات والمذكرات، رغم كثرة القادة وصناع التاريخ بالمنطقة فباستثناء المجاهد علي كافي لم يبادر الآخرون إلى تدوين مذكراتهم كما كان منتظرا لتظل بطولاتهم، وما وقفوا عليه من أحداث محض روايات شفاهية بولاية شهدت اكبر المعارك التاريخية على الإطلاق. كانت سكيكدة في العهد الاستعماري إحدى الدوائر الكبرى لعمالة قسنطينة تتوسط الجزء الشمالي منها، وبسبب موقعها الجغرافي الهام استقر بها عدد كبير من المعمرين، وأقاموا المنشآت التي تخدم استيطانهم موزعة بشكل يحاصر الأهالي من الجزائريين وقاموا بالاستيلاء على أجود الأراضي الزراعية وأخصبها وانتزعوها من أصحابها، وأهم مدنها سكيكدة، القل، الحروش، وعزابة والعديد من القرى، وكان التركيز على مدينة سكيكدة فيليب فيل ملفتا للانتباه. فكان غزو الاستعمار الفرنسي مدينة سكيكدة يوم 9 أفريل 1938، واصطدم بمقاومات جد عنيفة ومتتالية من السكان في مختلف القرى والمشاتي، وبالرغم من أن تلك المقاومة كانت غير منظمة إلا أنها استمرت وبرز فيها أبطال سجلوا بطولات مضيئة أمثال بوبقرة وزغدود، ومع مطلع القرن العشرين سنة 1904 عمال ميناء مدينة سكيكدة يخرجون في مظاهرة احتجاجية ويرفعون العلم الوطني "في شكل تقريبي للعلم الوطني الحالي"، وذلك لأول مرة، وبين سنوات 1914 1920 احتج وتمرد بعض الشباب ضد التجنيد الإجباري للحرب العالمية الأولى، وظهور ما يسمى بالخارجين عن القانون "في نظر الاستعمار". مسرح للحركة الوطنية كانت سكيكدة مسرحا نشطا للحركة الوطنية، فعلى امتداد الثلاثينات والأربعينات وبداية الخمسينات حتى اندلاع ثورة نوفمبر 1954، كانت الساحة السياسية الوطنية نشطة في هذه المنطقة، وكل التشكيلات السياسية المعروفة آنذاك سجلت حضورها بدرجات متفاوتة، بالإضافة إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي نشطت في مجالها الإصلاحي المعروف، كمحاربة الطرقية وفتح المدارس الحرة لتعليم اللغة العربية مثل مدرسة الإرشاد بسكيكدة، أما الساحة السياسية للحركة الوطنية في سكيكدة فقد كان يحتلها بشكل واسع ويؤطرها تأطيرا محكما ودون منافس، حزب الشعب الجزائري "حركة الانتصار للحريات الديمقراطية" منذ انطلاقته بنجم الشمال الإفريقي وكل التطورات والأحداث التي تعاقبت عليه لغاية تأسيس المنظمة السرية، والتحضير لثورة نوفمبر 1954، فكل الأحداث التي عاشها هذا الحزب كانت سكيكدة وضواحيها ميدانا خصبا لها، ناهيك عن النشاط المكثف للتشكيلات السياسية وللحركات الإصلاحية. وحسب ما جاء في وثائق مديرية المجاهدين بالولاية، فقد زار سكيكدة كل من الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 1933 ومصالي الحاج سنة 1952، كما كانت سكيكدة منذ الثلاثينيات تضم ثلاث قياديين في حزب الشعب الجزائري: هم مسعود بوقادوم، موسى بوالكروة، وحسين لحول الذي كان عضوا في اللجنة المركزية وأمينا عاما للحزب، أضف إلى ذلك فقد كان لولاية سكيكدة الشرف في تأسيس المنظمة السرية بشكل منظم للغاية كان يشرف عليها الشهيد البطل بوكرمة بوجمعة المدعو "عيسى"، هذا الأخير تعرض منزله إلى محاصرة من قبل البوليس الفرنسي، ببيانات تؤكد تواجد مخزن الأسلحة وفعلا وجده، فاحتجز كمية معتبرة من الأسلحة وألقي القبض على بوكرمة بوجمعة، وواصلوا ملاحقة مناضلين المنظمة السرية الذين كان عددهم كبير بولاية سكيكدة. انطلاق الثورة التحريرية المباركة وفيما يخص مشاركة سكيكدة في انطلاق الثورة التحريرية الكبرى في الفاتح من نوفمبر 1954، فقد كشفت وثائق مديرية المجاهدين، أنه إثر الاجتماع التاريخي لمجموعة 22 وتقرير تفجير الثورة، بعد أن أصبحت سكيكدة ضمن التقسيم الذي اعتمد خلال الاجتماع تابعة للمنطقة الثانية للشمال القسنطيني، والتي كانت تسمى اصطلاحا منطقة السمندو بقيادة الشهيد البطل الرمز ديدوش مراد، وبمساعدة زيغود يوسف ولخضر بن طوبال ومصطفى بن عودة، وفي ليلة 01 نوفمبر تم تشكيل فوجين من المجاهدين الأوائل أسندت إلى الأول مهمة الهجوم على ثكنة الدرج بمدينة السمندو، في حين أوكلت للفوج الثاني مهمة حرق مستودع الفلين لأحد المعمرين ببلدية الحروش، وبتنفيذ العمليتين تكون سكيكدة قد انظمت إلى الثورة من أجل التحرير منذ الساعات الأولى، شملت كل تراب الولاية. حيث لقن من خلالها مجاهدو وأهالي سكيكدة العدو دروسا لن ينساه في البطولة والفداء والتضحية، كللت بالنصر المبين، فكان نصرا مبينا على الرغم من السياسة الاستعمارية، وحرب الإبادة التي مارسها العدو على أهالي المنطقة وبوحشية لا يمكن تصورها. وتجلى ذلك من خلال إقامته للمحتشدات بداية من سنة 1956، حيث وصل عددها إلى حوالي 117 محتشد، كما قام ببناء 79 ثكنة عسكرية، بالإضافة إلى عشر ثكنات للدرك و62 مكتبا للشؤون الأهلية أو كما تعرف ب "لا صاص"، زيادة على أربع محافظات للشرطة دون الحديث عن البوليس السياسي، وعن العدد الكبير من المجندين ضمن شبكة العملاء والقواعد البحرية العسكرية، كما قام بإنجاز مطارين عسكريين. أوساريس السفاح ينشئ 21 مركزا للتعذيب "بروسيكادا" ولم يكتف جيش العدو بهذا، بل قام سنة 1955 وبعد تعيين السفاح ''أوساريس'' على رأس الجهاز المخباراتي داخل مدينة سكيكدة بإنشاء 21 مركزا للتعذيب مجهزة بأحدث وأبشع وسائل الاستنطاق غير الإنسانية، ولأن وحشية المستعمر لا توصف فقد ذكر التقرير أنه ومنذ انطلاق الثورة المباركة لأول نوفمبر، ارتكب العدو مجازر رهيبة وعمليات إبادة من خلال تخصيصه لعشرين مكانا لدفن أهالي المنطقة أحياء وهي ملعب سكيكدة ومشتة الزفزاف ومشتة بارو وفلفلة، الحدائق، أمجاز الدشيش، جندل وسيدي مزغيش، الحروش، رمضان جمال، عزابة عين شرشار، زردازة، القل، السبت، حمادي كرومة وبني زيد. بلغ عدد شهداء الثورة التحريرية بولاية سكيكدة خلال الفترة الممتدة من، الفاتح من نوفمبر إلى غاية الاستقلال 7272 شهيدا سقطوا في ميدان الشرف عبر 38 بلدية تابعة للولاية بمختلف قراها ومداشرها، 682 منهم سقطوا ببلدية سكيكدة لوحدها، وذلك حسب نفس الوثائق التاريخية المقدمة من طرف مصالح مديرية المجاهدين لذات الولاية. هجوم 20 أوت 1955 يوم السبت 20 أوت 1955 على الساعة 12 فاجأ جيش التحرير الوطني قوات العدو بهجومات شاملة في مركزه عبر مدن وقرى الشمال القسنطيني، وكان تراب ولاية سكيكدة الحالية ميدانا لهذه الهجومات بكل مدنها وقراها، فقد استهدفت الهجومات مدينة سكيكدة، فلفلة، الحدائق، رمضان جمال، الحروش، مزاج الدشيش، سيدي مزغيش، القل، عزابة، جندل، صالح بوشعور، عين بوزيان، ودم البقرات. هذا إلى جانب المدن والقرى خارج ولاية سكيكدة حاليا، السمندو، قسنطينة، عين عبيد، واد زناتي، قالمة، بوعاتي، والميلية وغيرها. وكانت مدينة سكيكدة قد استهدفها الهجوم على عدة نقاط: المطار، الزفزاف، القبية، ثكنة الجندارمة، محافظة الشرطة، الدائرة الثانية، ثكنة مانجا، مركز الشرطة القضائية، ووسط المدينة كانت الهجومات شاملة ومنظمة تنظيما محكما تحت البطل زيغود يوسف الذي اجتمع بنوابه، ومساعديه في لقاء تحضيري لهذه العملية التاريخية في شهر جويلية 1955 المكان المسمى الزمان بلدية وبوشطاطة حاليا، وتم خلاله ضبط المخطط النهائي للهجومات وتوزيع المهام والشروع في التحضيرات في سرية تامة، وفي هذه الفترة التحضيرية في شهر جويلية 1955 استشهد المجاهد محمود نافير في ضواحي سيدي مزغيش. إن الآثار الذي أحدثته هذه الهجومات على مسار الثورة كبير جدا بل اعتبرت المنعرج الحاسم في تاريخ الثورة، حيث كانت عاملا حاسما في توسيع مسارها بسرعة ووضعت هذا فاصلا للتردد كما ساهمت في ذلك الحصار في منطقة الأوراس، هذا على المستوى الداخلي أما على المستوى الخارجي فكان صداها واسعا وكان رد فعل العدو على ضربات جيش التحرير الوطني، هو الانتقام من الشعب فارتكب مجازر رهيبة وإبادة جماعية في مختلف الأماكن التي جرت فيها الهجومات، وأبرزها مجازر ملعب 20 أوت 1955 كانت عملية عسكرية ثورية محكمة التنظيم ذات فعالية في التنفيذ باهظة الثمن في الأرواح أكثر من 12 ألف شهيد، ولكن نتائجها عظيمة جدا على مسار الثورة بصفة عامة داخليا وخارجيا، ومن ثمة استحقت ولاية سكيكدة تسمية 20 أوت 1955. وبعد هجومات 20 أوت 1955 شهدت أواخر هذه السنة تعزيزات عسكرية رهيبة بسكيكدة وضواحيها وكان ميناء المدينة لا تنقطع به الحركة، إنزال الجيوش الاستعمارية والعتاد العسكري المتطور القادم من وراء البحر، وتوسعت عمليات التمشيط والاعتقالات والقتل دون محاكمات في كل مكان هذا من جهة قوات العدو، أما جيش التحرير الوطني فقد أصبح يتحكم في زمام المبادرة أكثر فأكثر ويستقبل أفواج المتطوعين من الشباب للالتحاق بصفوف الثورة ويعزز من نشاط التنظيم وفي 22 نوفمبر 1955، استشهد المجاهد بشير بوقادوم بضواحي سيدي مزغيش.