وجد لبنان هذه الدولة الصغيرة في المنطقة العربية نفسها في قلب دوامة الصراع المتنامي بين مختلف القوى الإقليمية وخاصة بين إيران والعربية السعودية، وسط اتهامات متبادلة بتأثير كل دولة منهما على أحد أقطاب الطبقة السياسية في هذا البلد. فبينما اتهمت السلطات السعودية والدول العربية المؤيدة لها إيران ببسط سيطرتها على هذا البلد عبر حزب الله الذي اتهمته بكونه يدها الطولى لخدمة مصالحها في هذا البلد، سارعت إيران من جهتها لنفي هذه الاتهامات مؤكدة أن العربية السعودية استغلت تيار المستقبل الذي يقوده الوزير الأول سعد الحريري، لتمرير أجنداتها في كل المنطقة. وحتم هذا التجاذب القوي بين قوتين إقليميتين الذي وضع لبنان بين فكي كماشة صراعا مفروضا على الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، القيام بزيارة إلى بيروت أمس، التقى خلالها بالرئيس اللبناني ميشال عون، لبحث الموقف معه وسبل تجنيب بلاده الدخول في متاهة حرب أهلية جديدة. وطالب أبو الغيط، في ندوة صحفية عقدها مباشرة بعد استقباله من طرف الرئيس عون بإبقاء لبنان بعيدا عن دوامة الصراعات الإقليمية في تلميح مباشر إلى اللهجة الحادة التي ميزت العلاقات بين العربية السعودية وإيران، وأدت إلى دخول هذا البلد في أزمة سياسية لم تكشف عن كامل خيوطها. وأضاف أن الدول العربية تتفهم الوضع الذي يمر به لبنان وهي تريد تجنيبه كل شرخ جديد، مضيفا بأنه لا يوجد من يريد أو يقبل المساس بلبنان». وهي المقاربة التي دافع عنها الرئيس اللبناني الذي أكد من جهته أن بلاده لا يجب أن تدفع باستقرارها الأمني والسياسي ثمنا للصراعات التي تمزق المنطقة. ولا يستبعد أن يكون الأمين العام للجامعة العربية، قد نقل جملة التوصيات التي انتهى إليها الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب أول أمس، بمقر الجامعة العربية بالقاهرة، والذي سبق أن دعت إلى عقده العربية السعودية لبحث «الاعتداءات الإيرانية على المنطقة العربية وسبل التصدي لها». واتهمت الجامعة العربية في هذا السياق حزب الله والحرس الثوري الإيراني بتمويل عمليات تدريب ما أسمتها بمجموعات إرهابية في مملكة البحرين، بينما اتهمت حزب الله اللبناني بتزويد مجموعات إرهابية في مختلف البلدان العربية بأسلحة متطورة وصواريخ باليستية. وتأتي هذه التطورات لتزيد من حدّة عمليات الشد والجذب التي يتعرض لها لبنان، في وقت أبقت الأزمة السياسية التي تسبب فيها الوزير الأول اللبناني سعد الحريري، منذ الرابع نوفمبر الجاري، بإعلان استقالته من العاصمة السعودية ضبابا كثيفا يخيّم على المشهد العام في بلد معروف بتوازنات نظامه السياسي الطائفي الهش.