استقر الفنان والنحات الفلسطيني زكي سلام ببوسعادة منذ سنة 2012، وهناك عرف إبداعه منحى آخر، حيث اكتشف طبيعة الصحراء، وسحر وجمال بوسعادة التي عشقها الرسام الفرنسي إيتيان ديني. «المساء» التقت الفنان زكي سلام خلال نزوله ضيفا على الصالون الوطني للفنون التشكيلية بمتحف أحمد زبانا، فكان هذا الحوار. ❊ كيف حط الفنان زكي سلام الرحال بالجزائر؟ ❊❊ أنا فلسطيني وُلدت في سوريا سنة 1958 وغادرتها بعد الحرب المدمرة التي أتت على الأخضر واليابس في عروس الشام دمشق. اخترت الجزائر موطنا لي، لأنني أحبها، هي دائما كانت عندي الوطن البديل، وعندما لجأت إليها وتعرفت على شعبها أحببتها أكثر وطاب لي المستقر بها، ولو خُيّرت بينها وبين أي بلد آخر كنت سأختارها هي. ❊ تستخدم الطين كثيرا في منحوتاتك، فهل علاقتك بالطين هي نوع من الحنين للطفولة، أم أنه فرض نفسه عليك؟ ❊❊ علاقتي بالطين علاقة حميمة ولها جذور إلى إلى الطفولة، هو المادة الأولى في النحت والتشكيل. وأعتقد أنه رغم وجود عدد كبير من المواد التي أعمل بها منها الخشب، الحجر، السيراميك، الرخام والبرونز، غير أنني مرتبط جدا بمادة الطين؛ ربما لأنني ولدت بمنطقة في ريف دمشق التي حولها الكثير من الفخار، إذ يستخدمون أفران صهر المعادن في صهر الفخار، وهذا بدون شك أعطاني شيئاً فيما بعد لم أكن أتوقعه. وبعد تخرجي من كلية الفنون عدت بذاكرتي إلى الطفولة وإلى المكان نفسه. هذا المكان أعاد علاقتي مع الخامتين ومع الحرفتين؛ الطين القابل لصنع أشكال، والمعادن القابلة لأن تحمل هذه الأشكال مرة ثانية. ❊ المرأة حاضرة بقوة في أعمالك،ما السر في ذلك؟ ❊❊ نعم هذا صحيح، واختياري المرأة كموضوع لأغلب أعمالي الفنية، لأنها ترمز لأمي التي لم أشبع من النظر في وجهها الكريم، وللأرض الوطن فلسطين الذي تحمل تقاسيمه جل أعمالي. ❊ حدّثنا عن مشاركاتك العديدة في الفعاليات الفنية العربية والعالمية وظفرك بالجوائز؟ ❊❊ تحصلت على الجائزة الأولى في مهرجان التراث والثقافة بدمشق، وشاركت في العديد من المعارض الفنية في سوريا، الأردن، البحرين ومصر، إضافة إلى مشاركتي في العديد من العواصم الأوروبية، على غرار السويد، إسبانيا، إيطاليا وألمانيا. كما شاركت في المعرض الفني الذي نظمته سفارة فلسطينبالجزائر، وفي تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية في 2015. ❊ هل يملك الفن حق الخوض في قضايا سياسية حساسة مثل قضية القدس؟ ❊❊ أعتقد أن للفن دوراً أبعد من الحركة اليومية للأحداث، وعلى الفن ألا يحمل على عاتقه تأريخ أو تعليل أو إيديولوجية الصراع. على الفن أن يكون سامياً يحمل الإنسان بدائرته الكبيرة كفاية له، هذا الإنسان في بحثه للوصول إلى الحقيقة والخلاص؛ فعندما يتناول الفنان هذه الموضوعات الكبيرة تدخل في دائرتها التفاصيل اليومية بدون مباشرة ما يجري، وبالتالي نكون قد أنتجنا فناً له سمات الإنساني القابل للقراءة في كل زمان ومكان، وعبّرنا في ذات الوقت عما يجول في وجداننا من جراء إفرازات الصراع العربي الإسرائيلي. ❊ ماذا يمثل النحت بالنسبة لك؟ ❊❊ النحت بالنسبة لي علاج للغضب الذي تصدره لنا مختلف الفضائيات التلفزيونية عن الحروب والجوع وأزمات العالم. وبالنحت توقف حرقة الدموع على صديق فقدته، وعلى طفل ماتت أمه جراء القصف وتركته وحيدا. أنا أعتقد أن جلّ ما يصبو إليه الفنان، أن يكون صادقاً مع نفسه، وهذا ما عملت عليه. وبحكم وجودي داخل دائرة الصراع لسنوات طويلة، حتّمت عليّ أن يرتبط وجداني بإفرازاته وعلى محيطي، وكلما أردت التعبير عن نفسي أجدني منساقاً مع هذا الوجدان، ومن هنا كانت أعمالي تنشد التغيير وموضوعها الإنسان؛ فإن غاب يترك ما يدل على وجوده ككرسي فارغ، أو فنجان جفت فيه القهوة. ❊ وماذا عن مشاركتك في الصالون الوطني للفنون التشكيلية بوهران؟ وكيف تقيّمه؟ ❊❊ أنا سعيد جدا بمشاركتي في هذه الفعالية الفنية التي تحرص دار الثقافة بولاية وهران على تنظيمها سنويا، وهي فرصة ثمينة أتاحتها لي للقاء زملاء من الفنانين المشاركين، جاءوا من مختلف الولاياتالجزائرية للاحتكاك فيما بيننا وبين الجيل الجديد، ونقل الخبرة والتجربة إليهم. والمهم كذلك تنظيم مسابقة في الفن التشكيلي لخلق روح المنافسة لدى الشباب الهاوين لهذا الفن. ❊ بعد سنوات من وجودك في الجزائر كيف تقيّم الفن التشكيلي الجزائري؟ ❊❊ الفن التشكيلي في الجزائر عريق له رواده الذين يصنَّفون من بين الفنانين التشكيليين العالميين وبعد الاستقلال، يرجع لهم الفضل في تطوير شكل الحرف العربي وأبعاد الهندسة الزخرفية بشكل مستمر خلال فترة متميزة، دفعتهم فيها وطنيتهم إلى الإبداع أثناء سعيهم الدؤوب للتعبير عن هويتهم ووطنيتهم، غير أنه حاليا أصبح الجيل الجديد من الفنانين التشكيليين، يعانون من العزلة الجماهرية والتهميش النخبوي بسبب نقص المعارض والفعاليات الكبيرة، التي تساعدهم على تطوير مستواهم وتسويق إنتاجهم الفني الذي يُعتبر مشكلة حقيقية تواجه المبدعين الشباب. ❊ حاورته: خديجة نافع