يتحدث الفنان والكاتب المسرحي محمد بويش، ابن الأوراس باتنة ل"المساء"، عن تجربته الجديدة في الكتابة لمسرح الدهشة، والتي تكللت بالنجاح بعد ستة نصوص وزعها على مختلف الدول العربية، إضافة إلى مشاركته في المدة الأخيرة في منتدى العرب والأمازيغ بباريس. أكد الممثل والكاتب المسرحي محمد بويش ل«المساء"، أن توجهه إلى مسرح الدهشة جاء نتيجة فقدان التوازن النصي في المسرح العربي عامة والجزائري خاصة، وكذا التوجه المميت إلى مسرح الاقتباس والتناص والسرقة الأدبية، وفق منعرج اللغة الثالثة ومخاطبة الجمهور بإيديولوجية لا تمسه بصلة. أضاف محدثنا أن ميلاد نصه الأول "الرهينة" جاء بعد تأثره بالتنظير الذي قدمه الكاتب أمبرتو ايكو في كتابه "الأثر"، حول النص المفتوح الذي يعتمد على الموسيقى والدهشة في اللفظ وفق تقبل المتلقي. حسب بويش، فإن نصه المسرحي الأول خرج من دائرة الشعرية المفرطة، أي خارج المسرح الشعري، بعودته إلى المسرح الشاعري الذي يركز على خطاب اللفظ المثير والمدهش، على غرار ما تصنعه السينوغرافيا والكوريغرافيا في العرض، ليضيف أنه كتب تجربته الأولى في هذا المجال وطبع نصه في تونس ب«دار رؤى"، كما أدرج تجربته النصية ضمن قنوات إشهارية لفتح المجال أمام مخاطبة الجمهور بنصه "الرهينة"، والذي جسد على ركح مسرح باتنه الجهوي، من إخراج نبيل ابراهيم وتشخيص كل من الفنانة نوال مسعودي والممثل محمد الطاهر زاوي، وقد حصدت هذه المسرحية عدة جوائز، منها جائزة أحسن دور نسائي للممثلة نوال مسعودي. بدايات بويش، معترك الميلاد يعود الكاتب بويش إلى بدايته الأولى عند اقتحام المسرح، حيث يتحدث عن تجربته التي بدأت في الثمانينات، والتي وصفها بمثابة معترك الميلاد والخروج إلى المصب، مشيرا إلى أن المبدع لكي يشرب من الحياة لابد له من مسايرة الواقع الذي يسقط فيه، ليضيف محدثنا أن روحه الإبداعية العميقة قادته إلى سبيل معرفة الذات الإنسانية، مؤكدا أن بدايته حدثت بطريقة عكسية، فكان ميلاد أول نص له هو "الخبزة"، ثم المصير"، مما فتح له شهية قراءة الفن من أوراقه الأساسية، حيث كان مولعا بقراءة روائع فيكتور هيجو ومكسيم كورغي وهنري بلزاك وغيرهم، وكانت القراءة تحت الشموع، حسب نفس المتحدث، بمثابة محرك ينير الداخل ليعكس جمال المفردة والإبداع على الورق، وعليه فإن الكتابة المسرحية ولدت معه كتعبير نفسي ودافع إلهامي لمعرفة معنى التكدس. النجاح الفعلي بالنسبة لبويش هو صعود نصه على المسرح، وهو لايزال وقتها يمارس المسرح كهاوي، كما سطع نجم الكاتب خلال نهاية الثمانينات في مهرجان مسرح الهواة بالمسرح الجهوي باتنة، بمشاركه مسرحيته "المصير" وحصول عطية خليفة على جائزة أحسن ممثل. منذ ذلك الوقت، كتب الفنان محمد بويش 50 نصا مسرحيا بين العربية الفصحى والدارجة والأمازيغية، فكان أول نص "الخبزة" إلى آخر نص الذي شارك به في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، بعنوان "لفافة وطن"، مذكرا أنه يحب الكتابة للمسرح، لكن مؤخرا، غير الاتجاه نحو تنظير جديد اسمه مسرح الدهشة. إلى مسرح الدهشة لإنجاح أعماله وترسيخ فكرة الكتابة لمسرح الدهشة والترويج له عربيا، قال بويش أنه اتفق مع المخرج التونسي والممثل لزهر البوعزيزي على نص آخر من تأليفه وهو "ذاكرة امرأة". وبانتقاله إلى صفاقس، قال الفنان بأنه قاد تجربة أخرى على مستوى النص خارج اللغة الثالثة المعروفة في المغرب العربي، واستطاع المخرج التونسي البوعزيزي بخبرته أن يقدم عرضا بمستوى عال ويشارك به في مهرجان "مرا" بتونس العاصمة، نال إعجاب كبار النقاد المسرحيين، وهو ما أعطى للممثل بويش فرصة توزيع نصه على مستوى لبنان والأردن ومصر. لم يغفل الكاتب المسرحي بويش عن إثارة نقطة مهمة تتمثل في أن المتلقي الحالي لا يحتاج إلى التفسير فوق المنصة، بل يمارس التأويل ويحتاج إلى تنشيط عقله الباطن، لذا لا يستوجب على كل كاتب مسرحي الاستخفاف بالمتلقي بعروض مسرحية تتكلم لهجته، بعد أن أصبح المتلقي العربي أكبر من الركح. بعد تجربة تونس، يضيف بويش، اكتشف أن الأبعاد النصية مع المتلقي العربي تلعب دوارا كبيرا في ربطه مع المنصة، مما جعله يعد عملية البحث في ميكانيزمات جديدة لبعث اللغة وفق الدهشة، ليقود تجربة أخرى في نصه المتعلقة ب«تاء في مهب الثورة" مع الممثلة القديرة أميرة بن نصر من تونس، اعتمد فيه الممثل بويش على اللغة كسبيل لبلوغ الدهشة وفق المنطوق اللفظي الشاعري والتشويق في ترتيب النص، وفق الهرم الدرامي المعتاد. هذه التجارب النصية والبحث عن بديل دهشوي، مع صعود السينوغراف إلى سدة العرض، جعلته يعتمد على توزيع الفكرة إلى أبعد مدى، بالإضافة إلى اعتماده على جامعات عربية لتقديم دراسة تخرج حول أعماله، كما حدث في لبنان ومصر والجزائر. نجاح بويس في مسرح الدهشة يظهر في إعداد الكثير من النقاد، على رأسهم الأستاذ ياسين سليما، لدراسة معمقة حول تجربته في مسرحية الرهينة ومسرح الدهشة، كما قدمت طالبة في الماجيستر بورقلة، رسالة تخرجها حول تجربته في هذا النوع من المسرح، تليها لبنان، حيث تم هناك إعداد رسالة تخرج ماجستير في النقد المسرحي حول تجربته النصية. رغم أن مسرح الدهشة جديد في الجزائر، إلا أن محمد بويش لم يجد مشكلا في التعامل مع الممثل أو المخرج وحتى السينوغراف والجمهور في حد ذاته. من جهة أخرى، سيكون الكاتب المسرحي محمد بويش في باريس قريبا ليجسد تجربته ركحيا مع منتدى العرب والأمازيغ بباريس، وسيحاول خلق تمازج بين الفرنسية والأمازيغية والعربية الفصحى، وتوجيه المتلقي إلى شاعرية النص المفكك لمعنى الهوية الجزائرية. كما يحضر لكتاب جديد وهو نص مسرحي عنوانه "بلا شكل"، إضافة إلى إنجازه بحثا حول "التلقي النفسي عند الطفل في مسرح العرائس" والمشاركة في مهرجان حول الحكاية الشبية بمدينة سطيف. للإشارة، مثل محمد بويش في مسلسل "خباط كراعو" سنة 1996، ثم شارك في سلسلة "جحا" وفي "ما ين يوم وليلة"، ثم ظهر في فيلم "بن بولعيد". ❊سميرة عوام