كادت تصريحات استفزازية أدلى بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في حق ألمانيا أن تعصف بقمة الدول الأعضاء في منظمة الحلف الأطلسي التي انطلقت فعالياتها أمس، بالعاصمة البلجيكية لولا جهود بذلت لتفادي ذلك. وكان اتهام الرئيس ترامب لألمانيا بالتحول إلى دولة "رهينة" لمصالح فيدرالية روسيا والعمل على إثرائها بمثابة قنبلة دبلوماسية كادت أن تعصف بأشغال قمة الحلف الأطلسي وسط دهشة حلفاء الأمس، في أكبر منتظم عسكري في العالم. وقال الرئيس ترامب خلال مقابلة مع الأمين العام للحلف الأطلسي، جونس ستولتنبورغ، إن ألمانيا تدفع ملايير الدولارات لروسيا لضمان تموينها بالطاقة الروسية ونحن ندفع الملايير من أجل حمايتها من روسيا". وراح ترامب يتساءل أمام محاوره الأوروبي: "كيف تفسرون مثل هذا التصرف؟ إنه أمر غير عادل". ولم يكن لمثل هذا التهجم أن يمر من دون أن يثير سخط المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل التي أكدت في رد حازم أن بلادها تنفذ سياستها الخارجية وفق ما تمليه مصالحها وأنها تتخذ قراراتها بطريقة مستقلة ودون إملاءات من أي كان". والمفارقة أن تبادل "عبارات الود" غير اللطيفة بين ترامب وميركل تمت قبل قمة بينهما مساء أمس، راح خلالها الرئيس الأمريكي يغازلها بعبارات أقل حدة عندما أكد أن علاقاته مع ميركل جيدة جدا رغم أن كل واحد منهما تجاهل الآخر لحظة التقاط الصورة التذكارية للمشاركين في القمة. وجاءت "ثورة" الرئيس الأمريكي على خلفية معارضته لإقامة أنبوب الغاز الاستراتيجي الموسوم ب«أنبوب ستريم شمال" الذي يربط بصورة مباشرة حقول النفط الروسية وألمانيا، وراح منذ عدة أشهر يضغط من أجل إلغاء هذا المشروع الضخم الذي يسمح لألمانيا بالحصول على النفط الروسي من دون الحاجة إلى المرور عبر الأراضي الأوكرانية. وحسب متتبعين للمواقف المتقلبة للرئيس الأمريكي تجاه حلفائه التقليديين، فإن انتقاداته تعتبر طريقة أخرى لزرع الشقاق بين الدول الأوروبية وقد اختار قضية هذا الأنبوب لعلمه المسبق بحجم الخلافات بين الدول الأوروبية بشأنه. وهو الخلاف الذي أكده وزير الخارجية البولوني جاسيك كزابوتويتش، الذي أكد أن الأنبوب مثال حي على تقديم دول أوروبية أموالا ضخمة لروسيا وتمكينها من وسائل تستعملها ضد الأمن القومي البولوني" في إشارة واضحة الاتفاق الألماني الروسي لإقامة هذا الأنبوب. ولكن الانتقادات الأمريكية مردها أيضا سعى الولاياتالمتحدة الظفر بحصة في سوق الطاقة الأوروبية التي تعتمد على ثلثي حاجياتها من الغاز والنفط من الخارج بقيمة فاقت 75 مليار أورو سنويا. وهي نزعة زادت منذ أن ضمنت الولاياتالمتحدة حاجياتها من الطاقة وأصبحت أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم. ولكن الرئيس الأمريكي أراد من وراء استخدامه للورقة الطاقوية، الضغط على حلفائه في حلف الناتو من أجل إعادة النظر في ميزانية الحلف وخاصة حصة كل دولة فيها، وهو الذي راح يتهم بعض الدول الأعضاء بعدم دفع مستحقاتها ونفقاتها العسكرية في إطار أكبر تكتل عسكري في العالم. ورغم هذه الحسابات إلا أن دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي أكد أن الدول الأوروبية لم تعد تحتمل الانتقادات اليومية للرئيس الأمريكي تجاه حلفائه وحثه على احترامها وعدم نسيان مواقف أوروبا تجاه بلاده وخاصة خلال تفجيرات 11 سبتمبر 2001. ولكنها دعوة لن تجد لها أي صدى عندما اعتاد رئيس أمريكي على الخرجات المفاجئة والتصريحات الصادمة خرجت عن مألوف العلاقات بين قادة الدول الغربية ولا يستبعد أن يعيد الرئيس، ترامب خرجاته الحرجة خلال قمته المنتظر عقدها مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين يوم الاثنين بالعاصمة الفنلندية.