عندما تمتزج الكلمات بالألوان ويكتب الشعر في لوحات تشكيلية، تتزاوج بذلك الفنون وتتحد فيما بينها لتنتج بذلك أعمالا راقية لا تموت· هي فلسفة الفنون، عندما تمتزج الكتابة والشعر والفن التشكيلي والرقص والمسرح والموسيقى، وفنون أخرى، وهي ايضا فلسفة الحياة، عندما يبدع الفنان من خلال رؤيته الخاصة لما يحدث في الواقع اولما ينسجه الخيال، وهي بذلك فلسفة الفنان التشكيلي ساسي محند، الفرنسي ذو الأصول الجزائرية التي عبر عن جزء منها في معرضه الذي يقيمه هذه الأيام في رواق اتانسال بعين اللّه ( دالي ابراهيم) فمنذ الساعات الأولى من صباح كل يوم، حيث تكون النسمة المنعشة ووقت تبدأ الطيور في مغادرة أوكارها، صانعة بذلك مشهدا خلابا، يرسم محند الطبيعة في لوحات مائية كبيرة الحجم، وبعد انتهائه منها تبدأ المرحلة الثانية من العملية، حيث يدخل الفنان إلى ورشته الخاصة الواقعة بمنطقة مايان (فرنسا) ويشرع في اعادة عمله في اللوحة، باستعمال مادة الحجرة السوداء، ورويدا رويدا تختفي المناظرالطبيعية المرسومة الى حد يجعلها شبه متخفية اذ يغلب اللون الأسود عليها ولكن في عمق اللوحة يشع ضوء، قد يكون النور الذي ينبعث من روح الفنان او الأمل الذي يخرج هكذا فجأة من عتمة اليأس· يقول ساسي في هذا السياق أركز في أعمالي على الروح، الروح التي لا يمكن لنا لمسها ولاحتى رؤيتها ولكنها مبعث الحياة ونورها المضيء، صحيح أن استعمالي للحجرة السوداء أخفى بشكل كبير الأشكال المرسومة في اللوحة ولكن أبرز شيئا آخر أسميه الحضور الذي قد يكون احساسا او روحا، فلا تهمين التشخيصات المادية بل الحضور لشيء ما نحس به· ويضيف الفنان أن الحياة وجهة مأساوية وأن الألم والعذاب ينتجان ماهو مبدع وجميل فيجب أن نصنع من الافجعة فنا قائما لايزول ويستطرد قائلا بالألم نكبر ونتعلم، ولكن من الضروري ان نحافظ على كرامتنا في هذا الأمر· أنا فرنسي المولد والمنشإ، لكنني أيضا جزائري، امازيغي، عربي، يؤكد المتحدث ويضيف هي هوية مزدوجة بل متعددة ولكنها اوجبت ثقافة ثرية رغم أنني أعتبر أن الفن عالمي لا هوية له، فلست بحاجة الى استعمال الخط العربي لأثبت عروبتي!· ويصبو ساسي الى تعريف المواطن الجزائري بأعماله رغم أ نه كسب الشرعية الفنية في فرنسا لأنه يرى أن الفنان محتاج الى دعم بلده الأصلي وإلى التعامل مع السوق الفنية المحلية حتي يتمكن من الوقوف بثبات في السوق الفنية العالمية· وعن علاقة الفن بمجتمعه وبالجمهور يقول محند: إن الفنان يكبر في مجتمعه ويمتص كلّ ما يحيط به، فهو بذلك كالاسفنجة ومن ثم يبدع ويتفنن وهنا تكون العملية فردية، مضيفا أنه لا يمكن له أن يكذب على الجمهور حتى وإن أساء هذا الأخير قراءة أعماله· أما عن حيثيات الفن المعاصر وآفاقه، أشار الفنان الى أن الفن المعاصر هو الذي يحمل جانبين، واحد فلسفي والثاني جمالي، ويقدم اقتراحات من خلال حلم جماعي او فعل خيالي مثالي، فهو يعالج أمور الحاضر ويمنح الفضول الى المستقبل، وهو ابداع بوسائل أخرى وأحاسيس أخرى· أنا عندما أرسم، أحكي بذلك قصة متواصلة عبر أعمال عديدة مثل مجموعة اللوحات التي أعرضها برواق أتانسال يقول ساسي ويستأنف كلامه قائلا: ومع ذلك لا أستعمل التكرار وأرفض أن أحصر فني في أسلوب واحد، بل أحب التأرجح بين الأساليب المختلفة للفنون لأن كل عمل من أعمالي يحمل شعورا خاصا يحملك إلى عالم الحلم والجمال· وأمام قلة الأروقة في الجزائر، طالب ساسي محند السلطات الجزائرية المختصة أن تهتم أكثر بإحياء الثقافة بشكل عام والفن التشكيلي بصفة خاصة وكذا وضع إطار قانوني للفنان يحتمي به ليبدع أكثر فأكثر·للإشارة، ساسي محند فنان تشكيلي كان عضوا في الجمعية الفرنسية الرسم الفني التي كانت تعنى في السبعينيات بتشجيع الفنانين التشكيليين، أسسّ مجلة الأبحاث الشعرية ودرس في مدارس الفنون التشكيلية بفرنسا، أقام العديد من المعارض الجماعية والفردية، من بينها معرضه في منزل الفنون بإفرو (فرنسا) ومعرضه الذي أقامه منذ مدة طويلة في رواق أسمّى برياض الفتح·