محمد سليم رياض واحد من المخرجين الجزائريين الذين ينتمون للرعيل الأوّل من صناع الفن السابع في الجزائر، رصيده الفني يضمّ العديد من الأعمال التي شاركت في صنع مجد السينما الجزائرية، فمن لا يعرف فيلم "حسان طاكسي"، "ريح الجنوب"، "المفتش الطاهر"، "الطريق"، "موت الليل الطويل"، و"تشريح مؤامرة" ... المخرج المجاهد سليم رياض خرج عن صمته الطويل أخيرا بمناسبة عرض فيلمه "سنعود" الذي أنتجه في 1972 مناصرة للقضية الفلسطينية أوّل أمس بقاعة "الموقار"، فاغتنمت "المساء" فرصة وجوده وأجرت معه هذه الدردشة. - أين هو محمد سليم رياض الذي أهدى السينما الجزائرية روائع لا تنسى على غرار "حسان طاكسي"، " الطريق"، "ريح الجنوب"، "تشريح مؤامرة " ... ولماذا هذا الغياب الطويل؟ *سليم رياض مازال موجودا وحاضرا، ومازال مناضلا قائما بواجبه، عندما تمّت دعوتنا حضرنا، وعندما تركونا نعمل عملنا وقدّمنا أشياء، أمّا اليوم فالأمر يختلف، الإنتاج السينمائي أصبح صعبا لأنّ الأمور تغيّرت، وجوّ العمل اختلف كثيرا، أو ربما لأنّنا تقدّمنا في السن ولم يعد لنا شيء نقوله. - قلت "عندما تركونا نعمل عملنا" .. ماذا تقصد بذلك؟ * لا اعتقد انّه من الممكن العمل في الجوّ الذي تعرفه السينما الجزائرية اليوم كما كنا نفعل في سنوات السبعينات، في ذلك الوقت كانت الإمكانيات متوفّرة والجوّ مناسبا، عندما أنجزنا فيلم "سنعود" ذهبنا إلى فلسطين والأردن ودمشق من أجل إتمام العمل واتّصلنا بجورج حبش والمسؤولين الذين كانوا قائمين على الوضع هناك، وحضرنا للعمل بشكل جيّد وجمعنا الإمكانيات الضرورية لإنجاز العمل وأنجزناه. الآن لا أظنّ أنّنا مازلنا قادرين على إنتاج عمل كهذا، ليس لقلة المخرجين أو الفنانين، ولكن لأنّ الجوّ هو الذي تغيّر ومحيط العمل لم يعد صالحا. - الكثير من المخرجين الجزائريين من جيلكم اتّجهوا للبحث عن ظروف عمل أحسن في الخارج ولجأوا إلى التمويل الأجنبي، لماذا لم يأخذ سليم رياض هذا المنحى وفضّل البقاء في الظل ؟ * هذا الخيار لم يكن ممكننا بالنسبة لي، فأنا لا أستطيع فعل هذا، عندما حاربت الاستعمار كنت متمسّكا بمبادئ، كيف أتّجه اليوم إلى فرنسا التي حاربتها في الأمس بالسلاح وبأفلامي لأشحذ منها اليوم نقودا من أجل إنتاج أعمالي، هذا غير ممكن بالنسبة لي على الأقل . في فيلم "تشريح مؤامرة" مثلا هاجمت فرنسا وحاكمتها وواجهتها بحقيقتها الوحشية، لا أستطيع اليوم أن أقع تحت رحمتها لأنّني بذلك أنكر كلّ ماض وما كنت أدافع عنه ..هذا اختيار ولقد تحمّلت مسؤوليته. - ألم تشتق إلى الكاميرا وإخراج عمل سينمائي جديد؟ * أكيد، فأنا أعشق الكاميرا ولذلك فأنا موجود واستجيب لأيّ تعاون أو عمل يطلب مني، لكن كما قلت لك الجوّ اليوم ليس جوّ عمل، فمثلا تقرّب مني أحد المنتجين وطلب المساعدة من أجل إنتاج عمل حول أحد الأسماء الفنية الجزائرية "محمد ايقربوشان" فقبلت واشتغلنا معا وحضرت للعمل وبعد اكتماله، جاءني هذا الشخص وقال إنّ التلفزيون رفض أن أقوم أنا بإخراج الفيلم، فقلت له إنني سأتّصل بحمراوي حبيب شوقي الذي كان على رأس التلفزة آنذاك للتأكّد من الأمر، لكنه اعترض واكتشفت انه كان يكذب فتخلّيت عن المشروع.. وكانت النتيجة كما رأينا. عالم السينما اليوم فيه كثير من التلاعبات والتهرب من المسؤوليات، نحن في الماضي كنّا نتعامل بالكلمة فقط وكان كلّ منا يتحمّل مسؤولية ما يقول وما يفعل. - هل هذا يعني أنّنا لن نرى عملا موقعا باسم محمد سليم رياض في القريب العاجل؟ * هناك مشاريع، في درجي أربعة سيناريوهات جاهزة، لكن لا أستطيع أن أتوجّه إلى هذا أو ذاك وأطرق باب فلان أو علان من أجل طلب المال لانجاز العمل، لم يعد العمر يسمح بذلك ولا الصحة..إذا كان هناك منتجون يرغبون في إنتاج أعمالي فأنا مستعد للتعامل معهم وتقديم كلّ خبرتي واسمي، صارعت عندما كنت شابا والآن لست بحاجة إلى ذلك، أترك المكان للشباب، هناك شباب يقومون بذلك بشكل جيّد ويقدّمون أفلاما جيّدة وأنا سعيد بهم وأشجّعهم على ذلك. لكن هناك عمل على وشك التجسيد وهو مشروع جميل جدّا يتناول الصدمات أو المخلّفات النفسية التي تركتها سنوات العنف التي عاشتها الجزائر على المجتمع والتي أحدثت اضطرابا في السير السوي لمجتمعنا، لكن يبقى التمويل هو المشكل. - وماذا يقول محمد سليم رياض عما ينتج اليوم سينمائيا في الجزائر؟ * هناك العديد من المخرجين الشباب الذين يتمتّعون بموهبة ويتحلّون بالشجاعة ويرغبون في تقديم شيء، صحيح أنّ الأمر ليس سهلا دائما لكن هذا طبيعي لأنّ السينما فن صعب ومعقّد ويتطلّب إمكانات كثيرة وعددا من المواهب المجتمعة على خلاف الكتابة أو الرسم مثلا، وقبل هذا وذاك السينما تجارة، والذي يضع أموالا في أيّ عمل سينمائي يسعى للحصول على الضعف . - شهدت قاعة "الموقار" عرض فيلمكم "سنعود" الذي تناول القضية الفلسطينية، ماذا يقول المخرج سليم رياض وفلسطين تعيش نفس المأساة؟ *ما يقع في غزة وفي فلسطين يعيدني 35 سنة إلى الوراء، إلى الوقت الذي سعينا فيه إلى دعم القضية الفلسطينية من خلال إنجاز هذا الفيلم "سنعود" والذي يعدّ من الأفلام الأولى التي خصّصت للقضية الفلسطينية من جانبيها السياسي والعسكري، وقد استغرق التحضير للفيلم عاما كاملا وأنتجناه بالاشتراك مع منظمة التحرير الفلسطينية وكانت فرصة التقينا فيها مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات . وكنا نسعى من وراء انجاز هذا الفيلم إلى إنصاف القضية الفلسطينية ومساعدة الشعب الفلسطيني، ونجح هذا الفيلم في الوصول إلى الجمهور العربي الواسع حيث تمّ عرضه في العديد من الدول العربية، كما تم تناوله بالتحليل في العديد من الدراسات. - ماذا تستطيع السينما أنّ تقدّم لأيّ قضية عادلة؟ * السينما تتمتّع بقدرة كبيرة على التأثير، فهي تخاطب الفكر والإحساس والبصر في آن واحد ولهذا أظنّ أنّ السينما لديها قوّة كبيرة لكنّها ليست كلّ شيء طبعا، كنا نسعى من خلال إنجاز هذا الفيلم في 1972 إلى دعم القضية الفلسطينية ومساعدة الشعب الفلسطيني ورغم ذلك مازلنا نرى أنّ هذا الشعب يعاني أكثر فأكثر وهذا شيء مؤسف للغاية.