* email * facebook * twitter * linkedin تعيش العديد من العائلات بالعاصمة وضعا صعبا، بسبب تدهور وضعية البنايات التي تقطنها، والتي تآكلت أجزاء منها وأصبحت مهددة بالانهيار في أية لحظة، خاصة تلك الواقعة على مستوى النسيج العمراني الهش، ويعود تاريخ تشييدها إلى مئات السنين، معظمها يتمركز في بلديات سيدي أمحمد، باب الوادي، القصبة، بلوزداد، الجزائر الوسطى، حسين داي والحراش، وحتى بئر خادم وبرج الكيفان، حيث أثبتت الخبرة التقنية للبناء أن الكثير من العمارات قديمة تتطلب عملية ترميم وإعادة تأهيل، وقد خصصت لها مصالح ولاية الجزائر ميزانية ضخمة، غير أن الوضع لا يبعث على الارتياح، خاصة بعد حوادث الانهيار التي شهدتها بعض بلديات العاصمة، والتي مست حتى البنايات المرممة، حيث أكد أخصائيون على ضرورة استحداث دفتر صحي للبنايات قبل ترميمها. اقتربت "المساء" من بعض رؤساء البلديات والمهندسين المعماريين، لمعرفة رأيهم في هذا الملف الذي لا زال يسيل الحبر ويثير الكثير من المخاوف. الزائر لبعض أحياء العاصمة وشوارعها، يلاحظ تدني وضعية العديد من العمارات، التي لم تمسها بعد عملية الترميم وإعادة التأهيل، ويتفهم مصدر خوف قاطنيها، خاصة أن أغلبها مشيد منذ العهد الاستعماري، كما زاد تدهور عمارة مهيأة في أفريل الماضي، من قلق هؤلاء الذين اكتشفوا أن طلاء العمارات وإعادة تجميلها لا يعني أنها آمنة، كما طرح ملف إعادة تأهيل العمارات الذي استهلك عدة ملايير إلى حد الآن، العديد من التساؤلات حول جدوى هذه العملية، وما هي نتائجها في الميدان، وهل يمكن ترميم وإصلاح ما أفسدته السنين الطويلة، وما فعلته الكوارث الطبيعية من زلازل وفيضانات وتقلبات جوية بهذه البنايات المتواجدة في النسيج العمراني الهش، والتي أصبحت تهدد السكان والمارة على حد سواء، مثلما كشفت عنه تقارير المراقبة التقنية للبناء، التي أكدت أن ثمة عمارات يجب هدمها كليا، وهو ما تم بالنسبة لبعض البنايات، بينما يبقى عدد كبير منها يخضع للترميم، ويضطر قاطنوها إلى العيش فيها بسبب غياب البديل، في ظروف صعبة وخوف دائم. أمطار الخريف تفضح المستور وتزيد المخاوف كانت الأمطار الغزيرة التي تساقطت في بداية فصل الخريف، كافية لكشف حجم معاناة عائلات تقطن في عمارات قديمة، على غرار حسين داي التي سبق وأن شهدت في جويلية الماضي، سقوط شرفة بناية تقع في شارع طرابلس، أودت بحياة شخص كان مارا من هناك، لتتهاوى أجزاء أخرى من عمارات مجاورة مصنفة في الخانة البرتقالية، حيث اضطرت السلطات المحلية إلى إحاطة بعض الأرصفة لمنع المرور عبرها، وتجنب ما لا يحمد عقباه، كما تم ترحيل سكان عدد من العمارات وهدمها نهائيا، بينما يبقى آخرون يترقبون في خوف شديد، خاصة عندما تتساقط الأمطار التي تكشف المزيد من العيوب، حيث تتسرب المياه من الأسقف والطوابق الأرضية، بينما لم يتم بعد تجسيد برنامج إعادة تهيئة وترميم كافة عمارات شارع طرابلس، التي سبق لرئيس المجلس الشعبي البلدي السابق أن صرح ل"المساء"، أنه تم تخصيص 5 ملايير سنتيم للعملية التي لم تنطلق، بينما احتج العديد من المواطنين وساكني أحياء البلدية على تدهور الأوضاع التي يعيشونها. أما سكان بلوزداد، فليسوا في أحسن حال من جيرانهم بحسين داي، مثلما صرح به عدد منهم ل«المساء"، حيث أبدوا مخاوفهم من الانهيارات الجزئية التي تمس سكناتهم القديمة، خاصة الشرفات التي تعرف حالة جد متقدمة من الاهتراء والتدهور، والتي ازدادت في الفترة الأخيرة، مطالبين السلطات بإدراجهم في عمليات الترحيل المقبلة، خاصة أن بلديتهم تضم أكبر عدد من البنايات القديمة، حيث بلغت أكثر من 50 بناية، دق المجلس الشعبي البلدي ناقوس الخطر بشأنها، كونها مهددة بالانهيار، وتشكل خطرا حقيقيا على سكان البلدية، وهو ما يستدعي من السلطات المعنية اتخاذ إجراءات استعجالية، إلى جانب باب الوادي التي لا يزال سكانها يتذكرون العمارة المرممة التي تهاوت وأودت بحياة خمسة أشخاص، فضلا عن التشققات والتصدعات التي عقدت الوضعية، وجعلتهم يعيشون خوفا دائما من سقوط العمارات القديمة في أية لحظة، خاصة تلك المصنفة في خانة البنايات المهددة بالسقوط، نظرا لهشاشتها وعدم قدرتها على الصمود أكثر أمام الكوارث الطبيعية، واضطرارهم إلى المكوث فيها رغم وضعيتها، وهو ما تعيشه أيضا عائلات كثيرة في القصبة وغيرها، والتي أدرج عدد منها في برنامج تهيئة العمارات الذي أطلقته مصالح ولاية الجزائر سنة 2014. 4.4 ملايير دينار لمشاريع التهيئة بالجزائر الوسطى في هذا الصدد، ذكر رئيس بلدية الجزائر الوسطى عبد الحكيم بطاش ل«المساء"، أن البلدية سعت إلى تأهيل المركز التاريخي للمسالك والشوارع المخصصة للتنزه، والقضاء على البناء الفوضوي والقصديري كمرحلة أولية انطلقت سنة 2013، الأمر الذي سمح -حسبه- باسترجاع التوازنات الإيكولوجية وتهيئة المناظر والحدائق العمومية، بينما خصصت المرحلة الثانية التي انطلقت عام 2016، من أجل إعادة الاعتبار للنسيج العمراني للبلدية، وتأهيل المجمعات السكانية بهدف الحفاظ على الإرث العمراني والهيكلي، من خلال تسخير كل الإمكانيات البشرية والمادية في سبيل تجسيد المشروع، بغلاف مالي إجمالي قدر ب 4.4 ملايير دينار، تم تحويلها للوكالة العقارية لولاية الجزائر، ومديرية إعادة تهيئة الأحياء القديمة للجزائر، المؤسستان المكلفتان بتسيير مشاريع التهيئة والتأهيل. "مير" برج الكيفان يراسل السلطات ويتبرأ أما رئيس بلدية برج الكيفان قدور حداد، فذكر ل"المساء"، أن بلديته تضم ثلاث عمارات مهددة بالانهيار، تتواجد على مستوى شارع "علي سرير"، و"أول نوفمبر" بوسط المدينة، وفيلا بشارع "ميموني 4"، حيث تضم هذه المباني حوالي عشر عائلات تعيش وضعا خطيرا، بسبب تدهور وضعية السكنات التي تنتمي إلى النسيج العمراني الهش بالعاصمة، مؤكدا في هذا الصدد، أنه قام بعدة مراسلات للجهات الوصية، منها ولاية الجزائر ومصالح المراقبة التقنية للبنايات، من أجل إعلامهم بخطورة الوضع الذي تعيشه هذه العائلات التي قد تلقى حتفها تحت الأنقاض في أية لحظة، وضرورة القيام بالمعاينة واتخاذ الإجراءات الضرورية قبل حدوث ما لا يحمد عقباه، غير أن البلدية لم تلق أي رد إلى حد الآن، حسب رئيس البلدية الذي أوضح أنه حمل المسؤولية في آخر مراسلة له، للجهات التي راسلها في حالة حدوث أية كارثة. بئر خادم تنتظر إنقاذ 120 عائلة من جهته، أشار رئيس بلدية بئر خادم جمال عشوش ل"المساء"، إلى أن بلديته تضم بنايات قديمة وأخرى مهددة بالانهيار، على غرار عمارة "الأزهار س/د" التي شيدت سنة 1957، موضحا أن مصالحه سبق وأن راسلت السلطات المعنية، وقامت بكل الإجراءات القانونية المتمثلة في الإحصاء وإعداد التقارير، والقيام بالمعاينة من طرف مصالح المراقبة التقنية للبنايات، وإعداد تقرير بخطورة الوضع في العمارتين التي تقيم بهما حوالي 120 عائلة، فضلا عن الكثير من البنايات القديمة المتواجدة على طول الطريق وسط المدينة، فضلا عن حوالي خمس عائلات مقيمة في قصر قديم بحي بيطافي، حيث يوجد منهم من يطالب بالتسوية، بينما يطالب البعض الآخر بالترحيل. المجلس الولائي يحصي 380 عمارة قديمة بدوره نائب رئيس المجلس الشعبي لولاية الجزائر، مكلف بالسكن والعمران، يحيى نصال، أكد أن العاصمة تضم 380 عمارة قديمة، منها بنايات مهددة بالانهيار، خاصة في البلديات التي تنتمي للنسيج العمراني الهش، كالقصبة، بلوزداد، حسين داي، الحراش، بولوغين، باب الوادي، الجزائر الوسطى وغيرها من البلديات، مؤكدا على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل السلطات المعنية، خاصة بالنسبة للعمارات التي أصبحت تهدد حياة قاطنينها، مثلما حدث في باب الوادي التي انهارت فيها عمارة بكاملها، بينما أصبحت أجزاء هامة من عمارات في عدة بلديات تتهاوى، على غرار حسين داي وبلوزداد، مما يستدعي التدخل السريع قبل حدوث ما لا يحمد عقباه، خاصة أن فصل الشتاء على الأبواب. رئيس المجمع الوطني للخبراء والمهندسين المعماريين ... "الأميار" مطالبون بوضع إستراتيجية للترميم أكد من جهته رئيس المجمع الوطني للخبراء والمهندسين المعماريين، عبد الحميد بوداود ل«المساء"، أن المراقبة وتحمل المسؤولية في الترميم هو الحل، خاصة أن أغلب النسيج العمراني هش ويستدعي الهدم الكامل، مشيرا إلى أن العديد من البلديات تضم عمارات هشة، على غرار بلوزداد التي توجد بها 90 بالمائة من العمارات هشة، حيث يكون الترميم حلا مناسبا إذا تم من طرف خبير متمكن، يقوم بوضع دفتر صحي خاص بالعمارة محل الترميم، تدون عليه كل المعلومات المتعلقة بها وبعملية الترميم، قبل الشروع فيها. من جهة أخرى، ألح بوداود على مراعاة متابعة المشروع خطوة بخطوة، وفرض رقابة مستمرة وتحميل المسؤولية كل من له علاقة بالمشروع، لتجنب حدوث كوارث، مستشهدا على ذلك بما وقع في باب الوادي، حيث تهاوت العمارة المرممة المجاورة لمسجد "كتشاوة"، بسبب ما وصفه بأشغال مخدوعة. حمل المتحدث جانبا من المسؤولية، رؤساء البلديات الذين لم يقوموا بإحصاء ممتلكاتهم العقارية ويجهلونها تماما، كما يجهلون أبسط الأمور الخاصة بالممتلكات والمعمار في بلدياتهم، مؤكدا على ضرورة وضعهم إستراتيجية لتجديد العمارات المتواجدة في إقليمهم. الخبير مصطفى معزوز ... يجب وضع دفتر صحي للبنايات أما الخبير في الهندسة المعمارية مصطفى معزوز، فأوضح ل«المساء"، أن الحديث عن العمارات القديمة والمهددة بالانهيار، يعود للأسف الشديد في كل موسم شتاء، حيث تراوح نفس القصة مكانها، رغم أن الأخيرة تحولت إلى هاجس حقيقي للعائلات المقيمة بها، بسبب الخسائر التي تحدثها، بما فيها خسائر في الأرواح. كما شدد في هذا الصدد، على ضرورة تقديم حوصلة عما تم القيام به منذ ثلاث سنوات، في إطار إعادة تأهيل وتهيئة البنايات القديمة، التي أسندت لعدة هيئات، منها دواوين الترقية العقارية الثلاثة بالعاصمة، ومديرية التهيئة الحضرية وإعادة هيكلة الأحياء "دارْك"، ووكالة تهيئة الأحياء القديمة بولاية الجزائر، مؤكدا أن العمل الذي تم من أجل تجديد العمارات، يجب أن يظهر في الميدان، مع معرفة ما إذا تم القيام به، لمعالجة السلبيات وطي هذا الملف نهائيا، خاصة أن العملية خصصت لها ميزانية ضخمة من قبل سلطات ولاية الجزائر. في هذا الصدد، أكد المتحدث على ضرورة استحداث دفتر صحي لكل عمارة بولاية الجزائر، لمعرفة وضعيتها، مع وضع مخططات في إطار مرونة المدينة والتفاعل الفوري مع كل مستجد، وجدول محين لكل البنايات المتواجدة بالعاصمة، من أجل تسييرها وتقديم الحلول بشأنها قبل وقوع الفأس على الرأس، مثلما قال، مشيرا إلى ضرورة الاستعانة بالخبرة الجزائرية والشركات المتخصصة في مجال إعادة التهيئة والترميم.