كشفت مرة أخرى الأمطار الأخيرة عن خطورة الوضع الذي آل إليه النسيج العمراني بالعاصمة الذي يشكو من القدم، وذلك بدليل مسلسل انهيار المباني وتدخل مصالح الحماية المدنية لإجلاء الضحايا ورفع الجثث، علما بأن العاصمة تضم اليوم بنايات يعود تاريخ إنجازها إلى أكثر من قرنين، الشيء الذي جعل أطرافها تتآكل والعديد منها اليوم مهدد بالإنهيار في أي لحظة، بل أن بعض البنايات تهاوت مخلفة ضحايا، بالرغم من الإعلان عن عملية شاملة لترميمها وإعادة الاعتبار لها عقب زلزال ماي 2003 · ويمثل قدم النسيج العمراني ومشكل غياب الصيانة أهم أسباب انهيار البنايات بالعاصمة، ونذكر في هذا الشأن بانهيار فندق يوم 20 ديسمبر 2005 بالقصبة السفلى، ثم مؤخرا سطح عمارة بشارع ديدوش مراد، مع العلم أن السلطات المحلية اتخذت قرارات لهدم بعض البنايات المهددة بالإنهيار، كما هو الشأن بالنسبة لعمارة "لاباريزيان"، حيث قامت بإخلاء البناية وتسييجها، كما نصبت لافتة لإخطار المواطنين وذلك تفاديا لانهيارها على رؤوس شاغليها، كما هو الشأن للبنايات التي لم تصمد وخلفت في كل مرة ضحايا، لكن هذا لا يمنع من أن عمارات أخرى عديدة لا تزال تمثل خطرا، ولعل انهيار مبنى يتكون من أربع طوابق يوم الجمعة الماضي بشارع أحمد شايب ( شارع طنجة سابقا) ببلدية الجزائر الوسطى، لدليل على أن الخطر لا يزال قائما، وفي هذا نشير إلى أنه سبق وأن طرح ديوان الترقية والتسيير عقاري مشكل قدم البنايات المتواجدة على مستوى شارع طنجة الذي يعود تاريخ إنجازه إلى سنة 1850 ويمتد على مساحة 25 ألف متر مربع، وقد أشار الديوان أيضا إلى أن 63 بالمائة من العمارات الموزعة على شارع بن مهيدي، بومنجل ونهج بن بولعيد بلغت مرحلة خطيرة من القدم· ومن مجموع 450 ألف بناية قديمة على المستوى الوطني حسب أرقام الاتحاد الوطني للخبراء المهندسين المعماريين، توجد أزيد من 22 ألف بناية قديمة تقع في إقليمالجزائر العاصمة، وقد بلغ عدد البنايات القديمة بها التي لم تنته عمليات ترميمها في إطار إعادة الاعتبار للإطار المبني حوالي 65 ألف بناية، فبلدية القصبة وحدها تضم 192 بناية تم إدراجها في مخطط الترميم وإعادة التهيئة في إطار إعادة الاعتبار للبنايات القديمة والمتضررة من زلزال ماي 2003· ومن مجموع 50 ألف بناية تحصيها العاصمة، هناك ما يفوق 10 آلاف بناية محل خبرة حاليا من طرف المصالح التقنية لولاية الجزائر، وفي هذا الشأن تشير مديرية السكن لولاية الجزائر أن أكثر من 10800عمارة بولاية الجزائر خضعت لدراسة تقنية لتحديد حالتها المعمارية ومدى مقاومتها للتغيرات الطبيعية، مع تصنيف كل العمارات والبنايات القديمة وتحديد الآيلة منها للسقوط أوتلك التي هي في حاجة إلى إعادة تهيئة وترميم، إضافة إلى تصنيف البنايات التي لديها قيمة تاريخية مع تحديد نوعية الأشغال التي تحتاجها، حيث شملت العملية التي تشرف عليها مكاتب المراقبة التقنية لولاية الجزائر كل العمارات والبنايات القديمة التي يعود تاريخ بنائها إلى القرنين 17 و18 بعدة بلديات على مستوى العاصمة، ولاسيما الجزائر الوسطى، القصبة، باب الوادي، بولوغين، الرايس حميد والحراش، المرادية، حسين داي، المدنية، بلوزداد وسيدي أمحمد· وسبق للمسؤول الأول على بلدية الجزائر الوسطى أن صرّح بأن 70 بالمائة من النسيج العمراني لبلديته يشتكي من القدم، لكن بنايات الجزائر الوسطى ليست وحدها القديمة على مستوى العاصمة، فبلديات بلوزداد ووادي قريش والقصبة، هي أيضا تحصي عددا كبيرا من البنيات المهددة بالانهيار· وحسب الأرقام الرسمية، فإن ما لا يقل عن 300 عمارة مهددة بالانهيار في منطقة الحامة وحدها، وتبقى النسبة مرتفعة أكثر ببلوزداد التي يعود تاريخ إنجاز بعض العمارات بها إلى 100 سنة· أما وادي قريش ف 70 بالمائة من نسيجها العمراني يشكو القدم ومهدد بالانهيار· في حين أن القصبة تضم بنايات يعود تاريخها إلى ما يزيد عن أربعة قرون ورغم ذلك لا زالت تقطنها عائلات· وتجدر الإشارة إلى أن الزلازل المتكررة التي عرفتها الجزائر زادت من حدة خطورة الوضع في غياب سياسة دائمة لإعادة الاعتبار للبنايات القديمة، كما أن تساقط الأمطار يكشف في كل مرة العيوب والنقائص التي يشتكي منها الإطار المبني على مستوى العاصمة، حيث غالبا ما ينتهي الأمر بتدخل مصالح الحماية المدنية لإجلاء العائلات التي تقطن هذه البنيات القديمة وإرسال تقارير من أجل التكفل بها في إطار المنكوبين، ولكن في غالب الأحيان يكون تدخلها من أجل رفع جثث الضحايا من تحت الأنقاض بسبب عدم صمود البنايات· وفي هذا الشأن يُجمع الخبراء في قطاع البناء والعمران على ضرورة الإسراع في إحصاء وحصر كل البنايات القديمة للتكفل بها وإعادة ترميمها أو إزالتها إذا اقتضت الضرورة، كما أبرزوا في هذا الإطار أهمية توسيع مدينة الجزائر العاصمة مع احترام معايير البناء المعمول بها دوليا والحفاظ على التراث التاريخي والثقافي الذي تزخر به المدينة، ولن يتم ذلك حسبهم سوى بالشروع في إنجاز مرافق عمومية ومؤسسات اقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة ودعم وسائل النقل وتوسيع الطرقات وبعث جديد لوسائل النقل عبر التراموي والسكك الحديدية·