تمكن الاخصائيون النفسانيون الجزائريون الذين أمضوا بغزة فترة مع المصدومين الفلسطينيين من مختلف الفئات إثر العدوان الوحشي الاسرائيلي على قطاع غزة، من "خلق جسر عاطفي مع الضحايا من شأنه تمكينهم من إعادة البناء الذاتي والتصحيح النفسي". ولخص الاخصائيون الجزائريون ما عايشوه اثناء تأدية مهمتهم الانسانية بغزة والتي مكنتهم رغم قصرها من "ايقاظ مشاعر الحب والحنان والتضامن لدى المصدومين وهي -مثلما قالوا- "عوامل هامة تساهم في "إعادة بناء الأنا والاندماج الاجتماعي". وقد اجمع الفريق الطبي الذي كان الاول في هذا التخصص الذي تمكن من الولوج الى غزة والوصول إلى شمالها على أن مهمتهم طيلة فترة تواجدهم بجانب الاطفال والامهات وحتى كبار المصدومين كانت "جد هامة" بحيث سمحت بالقيام بعمل "جبار، يوضح الاخصائي النفساني ديدي عبد الرحمان، صاحب التجربة الكبيرة مع الاطفال المصدومين إثر الكوارث الطبعية والحروب. ويقول الاخصائي بهذا الخصوص "إن الاتصال المباشر بالأطفال والنساء والمسنين والمهنيين الفلسطينيين، مكننا من وضع مقاربة ميدانية وتشخيص اولي للوضع، وأن العمل مع الأطفال على مستوى أربعة مواقع هي: مخيم الهلال الأحمر الفلسطيني وخان يونس وجباليا (1 ، 2 ) وعبد ربه، سمح بمعرفة وتحديد المشاكل النفسانية لهؤلاء جراء الصدمات المتتالية التي تعرضوا لها طيلة العدوان الوحشي الذي لم يستثن أحدا!" وأوضح السيد ديدي، أن الفريق المتكون من 15 أخصائيا نفسانيا، اعتمد تقنية المجموعة المبنية على الاصغاء والاستماع لمعرفة طبيعة هذه الصدمات مما سمح للأطفال بالتفريغ النفسي عن طريق اللغة الشفوية لكون اغلبيتهم كانت تشكو من الانطواء والانعزال وهي المرحلة التي يطلق عليها في الطب النفسي الاسترخاء والاسترداد، المهمة لبدء العلاج. ويضيف المتحدث، أن وتيرة العمل اثناء الاقامة كانت »مكثفة بحيث تستمر إلى ساعات متأخرة من الليل لمعاينة طبيعة الصدمات«، مشيرا إلى أن الفريق قد لاحظ اعراضا متكررة لدى الكثير من الأطفال كالتبول اللاإرادي والتأتأة والخوف والاضطرابات في النوم والامتناع عن الأكل لمدة طويلة، وهي ردود فعل معروفة في مثل هذه الظروف. كما تمت معاينة أعراض أخرى لدى الكبار منها الهلوسة والخوف الشديد حيث "كان بعض المصدومين يرددون، برعب، عبارات معينة على غرار "طائرات اف 16 قادمة وستضرب" في حين اشتكى البعض من الانسداد وغياب اي شكل من أشكال العلاقات الحميمية منذ بدء العدوان إلى جانب النفور من بعض الروائح النفاذة كالثوم وغيرها والتي تذكرهم برائحة البارود وآلات الدمار. وبعد أن ذكر المتحدث بأهمية مثل هذه المهام العلاجية، أكد ان الفريق الطبي، قد ساهم في بعث بصيص الأمل وحب الحياة لدى الأطفال الذين تحدث إليهم رغم ما عانوه من أهوال، مضيفا في الوقت نفسه، أن "ما أثر في نفوس النفسانيّين هو ثقافة الموت والألم التي نشأ عليها هؤلاء جراء الحرب المخيمة دوما. ومن جهته، قال الدكتور عزازن رئيس الفريق الجزائري، وهو طبيب له خبرة كبيرة في طب الكوارث الطبيعية والحروب، أن قرار رئيس الجمهورية بمد جسر جوي لتقديم المساعدات دون انقطاع، يعني أن الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني"ليس حملة اعلامية ستنتهي، ولكنه عمل متواصل بدليل الاستعداد لارسال وفد ثان من النفسانيين إلى غزة". وأوضح أنه وبعد المساعدات الأولية التي قدمتها الجزائر والمتمثلة في الأدوية وأكياس الدم والضروريات الأخرى، اضافة إلى ارسال الأطباء للمساعدة في إسعاف الجرحى، تأتي المرحلة الثانية من المساعدات التي تتمثل في الاسعاف النفساني الذي لايقل أهمية. وأشار رئيس الفريق الطبي، إلى استمرار هذه المساعي، بحيث تعتزم وزارة التضامن الوطني والأسرة والجالية الوطنية بالخارج تنظيم مخيمات علاجية خلال فترة العطلة الصيفية من خلال استقبال أكثر من 300 طفل فلسطيني والتكفل بهم في الجزائر. من جانب آخر، توقف الدكتور عزازن في سرده، عند الحالات العديدة لخرق معاهدات جنيف وحقوق الانسان التي استخدم فيها جيش الاحتلال الأسلحة المحظورة كالقنابل الفوسفورية وغيرها من المواد السامة والحارقة، مؤكدا أن ما جرى هناك "يجعل الإنسان يفقد عقله" في إشارة إلى الأضرار النفسانية والجسمانية التي يعاني منها السكان في قطاع غزة.