تحضّر العائلات الجزائرية لرمضان المبارك في أجواء غير اعتيادية، لا سيما بعدما اتسمت السنة المنصرمة بأجواء أقل ما يمكن وصفها بالحزينة بسبب وباء كورونا، وظروف الحجر الصحي. هذه السنة الأمر مختلف؛ فمن بين التحضيرات التي وقفت عليها "المساء" اقتناء التوابل من الأسواق، التي لم تتردد في عرض كل ما لديها، وتزيين محلاتها؛ ترحيبا بهذه المناسبة، التي لم يعد يفصلنا عنها سوى أيام قليلة. تُعد التوابل تلك اللمسة "السحرية" لكل طبق، تلك المفاعيل العطرية متلونة النكهات، التي مازالت تدهش المهتمين بالطبخ العالمي، ويقفون عاجزين أمام حكمة كبار السن وأسلافنا في معرفة كل طبق وما يليق به من تابل، وكيف تكونت لديهم تلك الوصفات اللذيذة من خلال معايير مضبوطة لكل مكوّن، خلّفت لنا اليوم أطباقا لا تُعد ولا تحصى، وتمتلك الجزائر واحدة من تلك المطابخ التي يتلذذ ذائقها بما فيها، ويستمتع بها في كل زيارة، لكل منطقة منها مطبخها الشبيه بالقارة، فلكل منطقة ميزتها الخاصة في تحضير الطعام. ويشكل رمضان فرصة أمام العائلات لاقتناء وتحضير أطيب "الشهيوات"؛ فبعد يوم كامل من الصيام يخطر على بال الكثيرين أطباق وتحليات قد تكون منسية تماما في الأيام العادية. وأمام طبق الشوربة أو الحريرة و"البوراك"، لايزال المشكل قائما حول "الطبق الثاني"، كما اعتادت العائلات تسميته، وهنا يظهر الإبداع اليومي للنسوة، اللواتي يتنافسن في إيجاد الوصفة "المنشودة" لتحضيرها على أصولها، أو إدخال عليها تلك اللمسات السحرية. ولا تتم تلك التحضيرات التي تنطلق عادة بعد صلاة العصر في أغلب البيوت، إلا بإيجاد "المكون"، الذي قد يخلق كل الفرق بين طبق وآخر، وهو التوابل، ليست جديدة في تقاليدنا، لكن يبدو أن استعمالها أو بالأحرى تبنّي نكهات جديدة هو من ترددات العولمة، وتفتّح مطبخنا على المطابخ العالمية التي ورثتنا صفحات الأنترنت البعض من تقاليد آتية من ربوع العالم، سواء من الشرق أو الغرب، والتي بتنا بفضل ذلك، نجد توابل مكسيكية وأخرى هندية، وغيرها في أسواقنا، وبالتالي في "طناجيرنا". وعلى هذا الأساس تنتعش خلال هذه المرحلة من السنة، سوق التوابل، التي باتت تعرض أمام الزبون ما طاب من تلك المنكهات العطرية الطبيعية؛ كالفلفل الأسود سيد المطبخ الذي لا يكاد يخلو طبق منه، وتكتفي الكثيرات بإضافته هو والملح فقط في أطباقها، في حين تفضل أخريات تعزيز الوصفة خصوصا التقليدية، بتوابل أخرى، كيف لا وهي تضفي مذاقا يعجر المتذوق أحيانا عن تحديد المكون السحري. وللأسواق نكهتها... في هذا الصدد كان ل "المساء" جولة استطلاعية بإحدى الأسواق بالعاصمة، التي سجلت حركة غير مسبوقة تتسارع فيها الخطوات للتحضير للشهر الكريم قبيل ارتفاع الأسعار، على حد تعبير الكثيرين هناك. كان "سي علي" أحد الباعة بسوق الحراش الذي عرض ما لديه من توابل وخلطات لا تُعد وليدة اليوم، هي توابل تحمل مباشرة اسم الطبق، تفنن رجال في تحضيرها بخلط الكميات بكل دقة في نفس الكيس، والخاصة بتحضير طبق معيّن كالكسكسي، أو الحريرة، أو المثوّم، أو غيرها؛ فكل طبق له أنواع محددة من التوابل، وما عمله هؤلاء إلا لتسهيل المهمة للنسوة، هذا ما أعرب عنه سي علي قائلا: "بعض المصانع أو بالأحرى الشركات التي تهتم بالتغليف باتت تهتم اليوم بتلك الخلطات؛ كونها سوقا مثمرة، وأثارت اهتمام الكثيرات، خصوصا الحديثات في الطبخ، واللواتي يجهلن أي تابل لأي طبق!!". وأضاف المتحدث: "إن رمضان، للأسف، مرادف للأكل عند الكثير من الأسر، ليس دائما بقصد التبذير والإسراف، وإنما اعتادت تلك العائلات تحديد كلمة اللقاء العائلي على المائدة، لمشاركة طعام يكفي ضيوفا غير منتظرين"، على حد تعبيره، وهذا ما يجعل التحضير للشهر الكريم، ينطلق من السوق، وقبل أسابيع عديدة. وأضاف أن سوق التوابل يُعد من بين الفضاءات التي تنتعش خلال هذه الفترة، وأن هذه السنة لوحظ اقتناء بذور التوابل وفي شكلها الخام بدل اقتناء النوع المطحون، وتفضيل النسوة طحنها بمفردهن، للتأكد مما يستهلكونه؛ جراء الأحاديث السلبية التي مست هذه الحرفة، بعد أن بات البعض يغشون في محتوى التوابل، ويخلطونها بمواد قد تكون مضرة بالصحة بدافع الجشع والطمع في ربح المال على حساب صحة الفرد. وأضاف محدثنا أن أكثر التوابل المستعملة خلال رمضان، الفلفل الأسود، والكمون لمختلف أنواع الشرمولة، وهو خليط يدمج للدجاج أو السمك أو حتى بعض الأطباق التي تحتوي على صلصة الطماطم، فضلا عن الفلفل العكري، وهو الفلفل الأحمر، والكروية لمحبي الحريرة، وحديثا الكركم والكيري، وبطبيعة الحال راس الحنوت الذي تستعمله كبيرات السن بشكل ملفت للانتباه، مضيفا أن لكل امرأة تابلها المفضل لها ولعائلتها، ولاتزال أخريات يكتفين بالملح والفلفل الأسود لتحضير أشهى الوصفات..