أهم ماميز الساحة الاقتصادية بالجزائر في سنة 2007 هو عودة لغة المخططات في خطاب الحكومة وذلك من خلال إقرارها ضرورة وضع استراتيجية صناعية وكذا التحضير للمخطط الوطني لتهيئة الإقليم لآفاق2025 إضافة إلى قرارها تجميد عملية خوصصة القرض الشعبي الجزائري، مع التأكيد على أن الأمر لايعني التراجع عن مبادئ اقتصاد السوق أو عودة لتدخل الدولة في المجال الاقتصادي· هذا الحضور المميز للدولة كفاعل اقتصادي في الشق المتعلق بالمخططات يضاف إلى حضورها الأساسي على مستوى تمويل النشاط الاقتصادي من خلال برامج دعم النمو التي خصص لها أكثر من 150 مليار دولار في السنوات الخمس الأخيرة، وهي البرامج التي تقف وراء تسجيل نسب نمو سنوية في معدل ال5 بالمائة مدعمة باستمرار ارتفاع أسعار النفط التي وصلت إلى مستويات قياسية في 2007 قاربت ال100 دولارا للبرميل· فالجزائر التي مازالت تسجل مؤشرات اقتصادية كلية ايجابية باعتراف المؤسسات المالية الدولية ومنها صندوق النقد الدولي الذي عبرت بعثته -زارت الجزائر في نوفمبر الماضي في مهمة تقييمية بطلب من الحكومة الجزائرية- عن رضاها بنتائج الإصلاحات، يبقى اقتصادها مرتبطا بمداخيل المحروقات التي سجلت هذه السنة كما كان متوقعا رقما قياسيا جديدا قارب ال60 مليار دولار· مثل هذه الراحة المالية كانت وراء إعادة تموقع الدولة في المجال الاقتصادي بالنظر إلى الحاجيات الكبيرة والنقائص المسجلة بفعل الأزمة التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، وبفعل عجز القطاع الاقتصادي -لأسباب بعضها موضوعي وبعضها الآخر غير كذلك - في أخذ زمام التنمية الاقتصادية وإخراج الاقتصاد الجزائري من دائرة الريع البترولي· ولأن النقطة الأخيرة بالذات هي الشغل الشاغل لكل الجزائريين، فإن الحكومة بطرحها لمشروع استراتيجية صناعية خصصت لها جلسات في فيفري الماضي لمناقشتها من طرف كل المعنيين، أرادت أن تتصرف كمنظم ومحرك للاقتصاد على تحديد منهجية عمل في المجال الصناعي يرجى منها إعادة الاعتبار للنسيج الصناعي الهام الذي تملكه الجزائر وكذا توفير الجو لتطوير الاستثمارات الوطنية والأجنبية في هذا الميدان· وتقوم الإستراتيجية الصناعية الجديدة على جملة من الاقتراحات الهادفة إلى الانتقال بالجزائر من مجرد بلد مصدر ومنتج للمواد الأولية إلى بلد منتج ومصدر للمواد المحولة وذلك عن طريق الاستعانة بآخر التكنولوجيات التي تجلب عن طريق الشراكة· وتضع الوثيقة المعدة قائمة لخمسة فروع تعتبرها الحكومة ذات قدرة على التصدير وعلى إحداث قيمة مضافة وهي الكيمياء والبتر وكيمياء والصناعات الكهربائية وصناعة الحديد والتعدين والصناعات الغذائية تضاف إليها الرغبة في تطوير صناعات أخرى كصناعة السيارات والتكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال· كما تتحدث الاستراتيجية عن ضرورة تطبيق "انتشار مكاني" يعتمد على رؤية مدمجة للتنمية الصناعية من خلال إنشاء مقاطعات صناعية ونظام محلي للإنتاج بغية جلب الاستثمار الأجنبي المباشر، وكذا إقامة علاقة ثلاثية بين التكنولوجيا والبحث والمؤسسة من خلال مايعرف بالأقطاب التكنولوجية، فضلا عن إنشاء مناطق نشاط متعدد الميادين في عدة ولايات وإنشاء إطار مؤسساتي لتسييرها وتأهيل القطاع الصناعي· وفي انتظار تطبيق هذه الإستراتيجية التي مازالت محل نقاش بين الشركاء، فإن قطاع الطاقة يبقى الرافد الأساسي للاقتصاد الجزائري وهو ماتجسد ليس فقط في العائدات ولكن كذلك في استمرار اهتمام المستثمرين الأجانب بهذا القطاع الذي مازال يعد بالكثير إذا ما نظرنا إلى الفروع الأخرى التي تنتمي إليه ومنها المناجم· فالجزائر بتنظيمها لأول مؤتمر دولي حول الثروة المنجمية الجزائرية في بداية شهر ديسمبر أرادت إرسال إشارات إلى شركائها الأجانب مفادها ان هناك إمكانيات كبيرة يمكن استغلالها في هذا المجال الذي يمنح للمهتمين إمكانية استكشاف معادن ثمينة كالماس والذهب إضافة إلى اليورانيوم والحديد· فبتنظيم هذه الندوة، قال وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل ان الجزائر "وضعت على خارطة أهم الفاعلين على المستوى الدولي في القطاع المنجمي" بعد ان كانت الاستثمارات فيه منعدمة قبل سنة 2000 حيث اقتصر مجال التدخل على الدولة "التي استثمرت في هذا المجال مليار دولار دون ان تنتج شيئا"، لتتمكن اليوم من تغطية احتياجاتها بعد ان فاقت صادراتها من المعادن ( 450 مليون دولار) ووارداتها (400 مليون دولار) · مع ذلك فان مثل هذا الاهتمام بالمناجم لاينفي المكانة الكبيرة التي يوليها القطاع للمحروقات لاسيما الغاز الذي أصبح الثروة الأهم بالنسبة للجزائر التي توجد في مرحلة انجاز العديد من المشاريع الإستراتيجية في هذا المجال مع شركائها الأوروبيين خاصة اسبانيا وايطاليا· وإذا كانت الشراكة مع ايطاليا بهدف انجاز أنبوب نقل الغاز "غالسي" تسير في الطريق الصحيح خاصة بعد الزيارة الأخيرة للرئيس بوتفليقة إلى سردينيا في نوفمبر الماضي لترؤس الاجتماع الجزائري الايطالي العالي المستوى حيث تم التوقيع على اتفاق "غالسي" الحكومي المشترك الذي ينص على تسويق الغاز الجزائري بسردينيا عبر أنبوب الغاز "غالسي" الذي يبلغ طوله 1.470 كلم ومن المنتظر أن يضمن نقل حوالي 8 ملايير متر مكعب من الغاز سنويا نحو شبه الجزيرة ابتداء من سنة 2009، فإن الأمور مع اسبانيا ورغم بدايتها المشجعة لم تسر بشكل ايجابي· فسنة 2007 تميزت بحدوث أزمة بين الجزائرواسبانيا على خلفية مشروع "ميدغاز" · فالجزائر أعابت على لجنة الطاقة الإسبانية اتخاذها لإجراءات تقييدية على نشاط سوناطراك واعتبرت تمييزية في حق الشركة الجزائرية مقارنة بالتسهيلات التي تحظى بها أربعين شركة أجنبية ناشطة في مجال توزيع الغاز في إسبانيا· كما أن قرارات لجنة الطاقة الإسبانية بخصوص شروط (ميدغاز) باتت تهدد إنجاز هذا المشروع حسب الإختصاصيين والذي كانت الجزائر وإسبانيا اتفقتا على إنجازه بموجب إتفاق موقع في 21 ديسمبر 2006 · ومنها على وجه الخصوص إلزام الجانب الجزائري بأن يضمن طاقة إضافية للأنبوب الناقل للغاز وهو ما اعتبر من الجانب الجزائر واحدا من شروط مجحفة يمكن أن تؤثر على جدوى إنجاز خط ميدغاز· ولم تفض المفاوضات بين الطرفين إلى الوصول إلى نتيجة مما جعل الجزائر تلجأ إلى التحكيم الدولي· أما بالنسبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، فقد كانت السنة التي نودعها ايجابية من حيث جلب المستثمرين ومن حيث إبداء هؤلاء -وهم من جنسيات مختلفة- لرغبتهم في الاستقرار بالجزائر· لكن يمكن القول أن أهم إعلان تم في هذا المجال هو مجموعة مشاريع شركة "اعمار" الإماراتية التي تحدثت عن إمكانية استثمار قرابة 20 مليار دولار· مع ذلك فإن 2007 لم تكن سنة الشروع في تنفيذ هذه المشاريع التي كثر الحديث عنها مؤخرا ليس بسبب انطلاقها ولكن بسبب إشارة بعض الأطراف ومنها والي العاصمة إلى انسحاب الشركة في وقت نفى فيه وزير الصناعة وترقية الاستثمارات تجميد مشاريعها· بالمقابل بدأ أن المصريين عرفوا كيف يتعاملون مع السوق الجزائرية، مثلما أكده آخر لقاء لرجال الأعمال بين البلدين برئاسة وزير تنمية الاستثمار المصري لاسيما بعد أن تم الإعلان عن مشاريع مصرية جديدة في الجزائر تصل قيمتها إلى 4 ملايير دولار· هذا دون إغفال الرغبة القوية للمستثمرين الفرنسيين في العودة إلى الجزائر بعد غياب لم يكن لصالحهم وهو ماتجلى في الزيارة الأخيرة للرئيس ساركوزي إلى بلادنا والتي توجت بتوقيع اتفاقيات اقتصادية بقيمة 5 ملايير دولار· ويبقى تحسين مناخ الاستثمار مطلبا هاما مثله مثل إصلاح القطاع المالي الذي مازال بعيدا عن التطلعات رغم الجهود المبذولة لإصلاحه· وأهم حدث ميز هذا القطاع في 2007 هو تجميد عملية خوصصة أول بنك عمومي على خلفية أزمة القروض الرهنية التي بدأت في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ماعكس مدى عولمة الاقتصاد حتى بالنسبة للاقتصاديات غير المندمجة تماما في الاقتصاد العالمي· وهو حال الجزائر التي باستثناء توقيعها لاتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي لاتنتمي لأي تجمع جهوي أو عالمي اقتصادي· ولم تحمل 2007 أي جديد بالنسبة لمسعى انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية المنشغلة حاليا بمشاكلها الداخلية بعد فشلها في إحداث اتفاق بين الدول المتطورة والدول النامية بخصوص انشغالات المتعلقة بالمبادلات التجارية ودعم الفلاحين·