أبرز الرئيس الأول للمحكمة العليا، عبد الرشيد طبي، الجهود التي تبذلها الجزائر في مجال تبني وسائل الحوكمة الإلكترونية والإسراع في تعميمها بسبب الضرورة الملحة التي فرضتها جائحة كورونا". وقال طبي، في مداخلة بتقنية التحاضر عن بعد، خلال الاجتماع الخامس، رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية والمحاكم العليا والمجالس الدستورية الإفريقية، الذي تنتهي أشغاله اليوم، حول موضوع العدالة الإلكترونية والتحول الرقمي: المحكمة العليا الإلكترونية نموذجا"، أن العالم "يشهد تطورا سريعا ومتواصلا باتجاه تبني وسائل الحكومة الإلكترونية من قبل مختلف المؤسسات وعصرنة أساليب الحياة باستعمال تقنيات المعلومات والاتصالات الجديدة في تسيير جميع مناحي الحياة اليومية للدولة والمواطنين على حد سواء وتعميمها على مختلف القطاعات والمجالات". وأضاف أن الجزائر عملت منذ سنوات على مسايرة هذه التطورات وهي تعمد إلى تعميمها بالنظر إلى الحاجة الملحة التي فرضتها الظروف الصحية التي عاشها العالم بسبب تفشي جائحة كورونا. وقال طبي، إن من مظاهر هذا الاهتمام قيام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في إطار التعديل الحكومي الأخير بتعيين وزير مكلف بالرقمنة والإحصائيات". كما أشار إلى أن مشروع المحكمة العليا الإلكترونية، أصبح يشكل أحد الآليات المسطرة لتنفيذ إصلاح العدالة في شقه المتعلق بعصرنة القطاع للوصول إلى مرحلة التقاضي الإلكتروني". ويهدف هذا المسعى كما قال إلى "عصرنة أساليب عمل القضاة بهدف التخلي التدريجي والكلي عن الملفات الورقية واستبدالها بملفات رقمية لتسهيل تبادل الوثائق، بين أمانة الضبط وبين القضاة أنفسهم تسريعا للفصل في الملفات القضائية وإضفاء الشفافية في معالجتها والرفع من وتيرة الفصل في الطعون ووضع حدد للتأخير المسجل في هذا المجال". وأضاف الرئيس الأول للمحكمة العليا، أن الأرضية الرقمية لهذه الهيئة القضائية التي شرع فيها، بالقيام بمختلف الإجراءات القضائية من بينها "التوزيع الإلكتروني للملفات على رؤساء الغرف وتمكينهم من توزيع ملفات الطعون على المستشارين وتحميلها عبر الشبكة المعلوماتية وإعداد التقارير بشأنها. وأوضح عبد الرشيد طبي، أن هذا المشروع "يسمح في المستقبل بإجراء المداولات عن بعد كلما دعت الضرورة لذلك، حيث أكد أنه بداية العام الجاري، تم اختيار نظام العمل الجديد في أربعة أقسام نموذجية ضمن خطوة أولى لتعميمه على كل التوكيلات القضائية للمحكمة العليا". ضرورة ضبط استخدام وسائط التواصل الاجتماعي كما تطرق طبي، في مداخلته الى الحوكمة القانونية لوسائل التواصل الاجتماعي في ظل تزايد استعمال هذه الوسائط وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات مما استدعى ضبطها، ضمن ما وصفها ب"إحدى المعارك الجديدة الناتجة عن استغلال هذه المنصات وتحويلها لأدوات سياسية وإبعادها عن دورها الاجتماعي الأصلي بعد أن جعل منها البعض وسيلة لنقل الشائعات والأخبار المغلوطة والملفقة. وأضاف أنه لأجل ذلك أصبح لزاما سن تشريعات قانونية واتباع سياسات وإجراءات تضبط استخداماتها بدءا بإبراز هوية المستخدم والتدقيق في محتوى ما ينشره إلى جانب تحديد المسؤولية القانونية التي تقع على عاتق صاحب الحساب. وأكد في هذا السياق، أن هذه الشبكات "صارت تلعب دورا فعالا في تكوين الرأي العام بالنظر إلى سرعتها الفائقة في إيصال المعلومة ومواكبة الحدث، وهو ما جعل تنظيمات سرية وإرهابية تستغلها وجعلت منها مجالا خصبا لنشر أفكارها في أوساط الرأي العام. وذكر القاضي عبد الرشيد طبي، بخصوص القواعد القانونية الضابطة لهذه المنصات، بالإطار القانوني في الجزائر المتعلق بهذا الجانب على غرار القانون رقم 04/09 المؤرخ في 5 ماي 2009، المتضمن القواعد الخاصة بالوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال والذي حدد "التزامات مقدمي الخدمات، کمساعدة السلطات المكلفة بالتحريات القضائية وحفظ المعطيات التي تسمح بالتعرف على مستعملي الخدمة أو بالتعرف على المرسل أو المرسل إليه وكذا عناوين المواقع المطلع عليها. كما أنشأ القانون المذكور، الهيئة الوطنية للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها، مهمتها "تنشيط وتنسيق عمليات الوقاية من هذه الجرائم ومساعدة السلطات القضائية الضبطية والقضائية في التحريات، إلى جانب تعاونها مع نظرائها في الخارج قصد تبادل المعلومات المفيدة في التعرف على مرتكبي هذه الجرائم. كما تطرق طبي إلى قوانين أخرى ذات صلة، من بينها القانون المتعلق بالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية والقانون المتعلق بالتجارة الإلكترونية والقانون المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات الشخصية إلى جانب القانون الخاص بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتها الذي تم إصداره سنة 2020. وكشف أن "السلطات العمومية تقوم بتحضير قانون ينظم الصحافة الإلكترونية وخدمة المواقع الإخبارية وشروط اعتمادها نظرا للانتشار الواسع لهذه الأخيرة في ظل عدم وجود قانون خاص يحكمها ويحدد ضوابطها". الجزائر كافحت الإرهاب ميدانيا وتشريعيا وأكد السيد طبي، في تعقيب حول موضوع "مكافحة الإرهاب تحت رقابة القضاء" أن الجزائر كانت أكثر الدول تضررا من الإرهاب ودفعت ثمنا غاليا في مكافحته لإنقاذ الدولة الوطنية، كما واجهت بمفردها هذه الظاهرة طيلة عشرية كاملة، مؤكدا أن العالم "لم ينتبه إلى المأساة الجزائرية إلا بعد تفجيرات الحادي عشر سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأشار الرئيس الأول للمحكمة العليا الى أن الجزائر "أعدت تشريعات وطنية لمكافحة هذه الآفة ونسقت جهودها مع المجتمع الدولي في ظل احترام الاتفاقيات الدولية، ناهيك عن سعيها لإيجاد التوازن المطلوب بين دواعي مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان والحفاظ على الحقوق والحريات". وذكر السيد طبي، في ذلك إلى أن الجزائر "بادرت بالدعوة إلى تجريم دفع الفدية مقابل الإفراج عن الأشخاص المخطوفين لتجفيف منابع الإرهاب، إيمانا منها بأن التمويل المالي هو السلاح الفتاك في يد الإرهابيين"، بالإضافة إلى قيامها بتعديل قانون العقوبات من خلال "توسيع تعريف الفعل الإرهابي إلى كل تخريب يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية واستقرار المؤسسات وإنشاء قائمة وطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية".