❊ تجربتي بالكويت جعلت قاعة الديوانية ناجحة يحدثنا الفنان التشكيلي حمزة بونوة، في هذا الحوار مع "المساء" عن خلاصة تجربته في مجال الفنون البصرية، معرجا على دور القاعات الفنية الخاصة في التأسيس لسوق الفن، إذ يقر بأن هذه المهمة ليست بمهام لوزارة الثقافة والفنون، التي فقط من شأنها وضع الأطر القانونية المسهلة لهذا المشروع. وفي موضوع آخر، يعرج الفنان على أهمية سوق الفن العالمية، وتعليق بعض الفنانين شماعة فشلهم على الدولة، كما كانت المناسبة فرصة ليعلن عن تعاقده التاريخي مع موقع أرت سي العالمي لتسويق أعمال الفنانين. غادرت الجزائر قبل ثلاثة أشهر من نيل شهادتي الجامعية ما هي قصة حمزة بونوة؟ حمزة بونوة من مواليد 1979 بالمنصورة في ولاية برج بوعريرج، انتقلت عائلي للعيش في البويرة، عشت طفولة عادية وبسيطة، والدي كان موظف صيانة، وبدأت الفن ببساطة لأن والدي كان يشتغل بالصباغة والكهرباء وبعض الأشياء وأحيانا تبقى لديه لما ينهي عمله ويأتي بها للبيت لاستعمالها لأمور منزلية، وكنت ألمس تلك الأصباغ لأرسم أشياء جميلة، والمرحوم والدي لما كان يشاهدني أرسم جيدا صار يجلب لي من فترة لفترة بعض الأشياء تحفيزا لي بالبساطة التي كان يتحلى بها، فوالدي لم يكن يهمل أهمية الثقافة والفن. ولما كنت أنال جوائز على طول مراحل الدراسة وحتى بلوغي شهادة البكالوريا، كان يقول لي دائما ادرس حتى تدخل مدرسة الفنون الجميلة. في تلك المرحلة تعجبت من حالي، لأن الكثير من العائلات الجزائرية تفضل أن يتخرج أبناؤها من جامعات الطب أو المحاماة أو أي مهنة، إلا تشجيعهم لدخول عالم الفن، ولكن والدي عكس الجميع، كان معجبا ومستمتعا بمشاهدة، في إحدى المرات، وثائقي عن مدرسة الفنون الجميلة في التلفزيون الوطني، لذلك طلب مني نيل البكالوريا ودخول المدرسة، رغم أنه لا يملك ثقافة فنية، وكان ذلك، ودرست 5 سنوات، تخصص رسم زيتي، كانت جدا رائعة، رغم ظروف العشرية السوداء، لكن على بعد ثلاثة أشهر من التخرج سنة خامسة، هاجرت من الجزائر، متوجها نحو لبنان لفترة، ثم استقريت بالكويت، بعد سفريات إلى بلجيكا وفرنسا. ومؤخرا قدمت طلبا إلى إدارة مدرسة الفنون الجميلة لإنجاز مذكرة تخرج وأخذ الشهادة، لديّ شهادات كثيرة ومشاركات دولية وعالمية، ومن الجيد أن تكون لي شهادتي الجامعية من مدرسة بلدي، وإن تمت الموافقة ستكون مذكرة تخرجي مفيدة للطلاب. ثم أنني موعود بدكتوراه فخرية. في الكويت، استقريت بداية من 2003، وأسست قاعة سميتها "الفنون الجميلة" في البداية كانت قاعة فنية كنت أشتغل على فنانين من أوروبا، من أمريكا اللاتينة وأسوّق لهم في منطقة الشرق الأوسط، لمدة ثلاث سنوات، ساهمت هذه التجربة في التعرف على عدد مهم من المؤسّسات والشخصيات الثقافية سواء فنانين أو تنظيمات ثقافية، جمعيات ومتاحف، في مجالات أخرى غير الفنون البصرية أو التشكيلية مثل المسرح والسينما. بعد خمس سنوات عدت للجزائر بفضل معرض بمتحف الفن المعاصر، وساهمت تجربة مدير فني ومؤسس قاعة "الفنون الجميلة" بقدر كبير في الأشياء التي وصلت إليها في الفترة الحالية، على غرار مشاركتي في لجان تنظيم أحداث ثقافية أو معارض ولجان تحكيم. وكانت لي فرصة كبيرة أن اختلطت بالطرف الأوروبي لذلك في كلامي أتحدث بصفة دولية، لأني مرتبط لحد بعيد بالآخرين وعلاقاتي معهم، لذلك دائما أقول إنّ الثقافة لا ننظر إليها كما ننظر إليها في الجزائر على شكل معرض أو حفل، أنا أنظر إليها كسياسة، كلوبي سياسي يتفاعل مع هذا الجو الإقليمي الذي يجب أن نصل إليه، فإذا أردنا أن تكون الثقافة الجزائرية مثالا للاقتصاد الناجح أو أي ميدان آخر، يجب أن تكون لدينا سياسة محكمة على المستوى الخارجي. بقيت على هذه الحال حتى 2007، حيث أسست ورشتي كفنان في الجزائر، أشتغل لأعمالي ومعارضي وأساعد الفنانين الآخرين، فتجربة الديوانية لها خلفية دخول المعارض، تسويق فنانين بفضل علاقتي الكثيرة مع مقتني اللوحات ومديري المتاحف. عقدي مع "أرت سي" العالمي سابقة تاريخية ما هو سر تطور ونجاح شخصية الفنان حمزة بونوة في عالم الفن التشكيلي أو البصري؟ أولا أنا فنان أقرأ كثيرا، أقول دائما إنّ الفنان الجيد ليس الذي يرسم بشكل جيد أو يمثل جيدا، الفنان الجيد هو الذي يقرأ كثيرا، يحمل ثقافة عليا، ما الفائدة إن كنت ترسم لوحة جيدة ولا نستفيد منك على المستوى الثقافي والفكري خاصة، شخصيا أقرأ كثيرا، ولديّ الكثير من النشاطات والسفريات، كذلك باحتكاكي مع الكثير من الفنانين العرب والأجانب، استفدت من تجاربهم، بفضل طبعي الانفتاحي، ومن الناحية التقنية كفنان أشتغل أحيانا إلى 16 ساعة في اليوم، وأتبنى فكرة أن لا أعتمد على أحد في مجال الإبداع الفني، سواء على مؤسسة خاصة أو مؤسسة عمومية أو على دولة أخرى، أنا فنان أشتغل بحرية مطلقة وأعمالي هي التي تحقّق لي المردود مع الوقت. بالمختصر، السر يكمن في العمل والمجهود الفكري والتواصل. هل الفن التشكيلي عمل مربح؟ في الجزائر، كل شيء يقولون عنه إنّه غير مربح، وأنا أستغرب لهذا الأمر، في العالم كله الفنون البصرية هي من أعلى الأسواق، لو نتكلم عن إحصاء 2018/2019، قبل الأزمة الصحية الناتجة عن تفشي وباء كورونا، بلغت مداخيل تسويق اللوحات الفنية أكثر من 70 مليار دولار وهو رقم ضخم، ونسبة ما يقارب 40 بالمائة من هذه المبيعات من القاعات الخاصة، وسوق الفن مرتبط بهذا الجو العام. الفنانون الذين يشتكون لديهم مشكلة في تسيير حياته الفنية، ولم يشتغلوا عليها بطريقة صحيحة، ثم يحمّلون الدولة فشلهم، هؤلاء لم يثبتوا كفاءتهم الفنية أو الفكرية فكيف بالوصاية أن تدعمهم، لا بد أن تنتهي هذه الفكرة الشعبوية نهائيا، هذه ظاهرة لم ألتق بها ولا في بلد من أكثر من 80 دولة زرتها. ولهذا السبب أقول إنّ وزارة الثقافة ليس لها أيّ دخل في ما يسمى "سوق الفن"، لا تسوق ولا تبيع، وزارة الثقافة تضطلع بمهام وضع القوانين والتشريعات فقط الذي من شأنه أن يسهل هذا النشاط وانتهى الموضوع، ثم مع شطارة الفنانين بالانضمام لهذا القانون المسير للسوق وينشطون ويحاولون إثبات أنفسهم، لأنّه في الأخير هي عملية تجارية. وزارة الثقافة دخلت في أمر لا يعنيها، ليس من شأنها التدخل في سوق الأعمال الفنية، هي مخولة بوضع الإطار القانوني. نتائج لجنة إصلاح سوق الفن لم تلتفت لدعم القاعات الخاصة هل يمكن أن تقيم تجربة الديوانية؟ تجربة قاعة الديوانية جد ناجحة، تأسست في سبتمبر 2020، على المستوى الفكري والثقافي، فمن يشرف على القاعات الفنية أو الغاليريهات في الجزائر، غير المتواجدة أصلا على الساحة الدولية، وفي مجال الفنون التشكيلية؟، من يؤسّس لسوق الفن؟ هو وجود قاعة خاصة، وإن لم تكن فلا يجب التكلم عن سوق الفن. وناجحة من الناحية التجارية إذ سوقت للعديد من الأعمال وكانت لديّ مشاركات خارجية عديدة رغم الظروف الصحية العامة. في عملي بالديوانية أعتمد على مشاركة متوازنة بين الجزائريين والعرب، ذلك بهدف أن يحظى الفنان الجزائري باحتكاك أكبر مع العرب وكذلك الأجانب من الفنانين، للأخذ من تجاربهم، فبقاء النشاط محليا لن يطوّر شيئا في مسارهم الفني، ويرتقي لما يحدث في العالم، والفرق بين الفنانين الجزائريين أو فناني الجوار هو أنهم يحسنون التسويق الذي يتم عبر القاعات الخاصة، وهو الأمر الذي لا نحسن فعله في الجزائر. هل هذا يعني أنه على كل فنان تشكيلي أن يكون له رواق خاص؟ طبعا، في الفنون التشكيلية أو البصرية، الفنان لابدّ أن يتعاقد دائما مع قاعة خاصة تشتغل معه وتسوّق أعماله، هي التي توصله للبيع، للمقتنين أو المتاحف، أنا 85 بالمائة من وجودي في السوق الدولي هي القاعات التي أتعامل معها. ما تعليقك على نتائج لجنة إصلاح سوق الفن؟ كفنان نثمن عمل وزارة الثقافة لأنّه في آخر المطاف هي مؤسّسة يجب أن نقف إلى جانبها ودعمها واحترامها والمساهمة في تطوير المشاريع التي تقترحها، مشروع تنظيم سوق الفن سبق وأن تم فتح النقاش حوله من سنوات، وأرى أن الفكرة تتعلق بمنظومة قانونية فقط، من واجبها التسهيل وفتح مساحة من الحرية للفنانين لممارسة هذا النشاط الفني. لجنة تنظيم سوق الفن تكلمت عن أشياء جيدة على غرار استغلال بعض الفضاءات الفارغة في وسط المدينة لصالح فنانين للعمل فيه عن طريق عقد نجاعة مثلا، لكن أعتقد أنه لا يوجد شيء اسمه خلق سوق للفن والأفضل القول "نحو تأسيس منظومة قانونية لسوق الفن فقط"، ثم نترك المجال الفني ينتشر، والغريب أني لم أسمع عن دعم القاعات الخاصة رغم أن سوق الفن هي هذه المساحات، كديوانية لم أجد أثرا لعمل هذه اللجنة ما يحفّز على الاستثمار، بل العكس يشتغلون على مراسيم تنفيذية تعجيزية مثل فرض إيداع شهادات جامعية. والدي كان موظفا بسيطا لكنه دعمني لدخول مجال الفن التشكيلي ما رأيك بمنصة "لوحتي" الالكترونية؟ لما نتحدث عن منصة إلكترونية أو موقع إلكتروني فهو ليس عبارة عن شخص يأتي ليصمّمه والفنانون يضعون لوحاتهم فيه وانتهى الموضوع، يجب على الشخص الذي يدير الموقع أن تكون له قدرات عالية في التسويق، فهي بمثابة قاعة افتراضية تضم أعمالا حقيقية، وأن يكون له زبائن من المقتنين، ولديه اتصالات وطنية ودولية التي من خلالها يستطيع التسويق للفنانين المنضمين للموقع، ولكن ما يحدث هو أن الموقع موجود، ولكن من يقوم بالمهام سالفة الذكر؟ الأمور لا تسير هكذا جزافا. في موقع "أرت سي" الذي كان لي الحظ وأن عرضت فيه، يملك ترسانة من المحافظين والمختصين، ولو خلقوا آلاف المواقع الإلكترونية يبقى العمل الحقيقي هو التسويق الاحترافي، وليس انتظار الزبون، العملية معكوسة في الحقيقة. هل تبحث عن تمويل في مشاريعك؟ لا، لما أنشأت الديوانية أقتطع جزءا من أرباحي كفنان له اسم وسمعة على قاعة الديوانية وعملها، للتاريخ أردت أن أفعل شيئا لدعم الحركة الثقافية في الجزائر، أقوم بثلاثة معارض في العام فقط، لكنها جيدة ومدروسة من حيث الفكرة والقيمة الفنية للعمل الفني نفسه. ما هي مشاريعك اللاحقة؟ أمضيت عقدا رسميا لمدة سنتين مع موقع "أرت سي" العالمي، الذي مقره بنيويورك ويضم أكثر من 100 ألف فنان محترف، والواقع أنها تمضي مع القاعة وليس مع الفنان، هذه القاعة تضم فنانين، وهي سابقة في الجزائر، لم يسبق لأي قاعة جزائرية وأن فعلت، هي أول مرة في تاريخنا قاعة فنية جزائرية تتعاقد مع أرت سي. هذا الأمر سيساعدني في موضوع تسويق أعمال فناني القاعة، وكل معرض يكون في الديوانية سيكون أيضا في موقع أرت سي بشكل افتراضي، وهذا الموقع يساهم في تطوير الفنانين والتسويق لأعمالهم. كذلك أطلقت معرض "البصمة"، أمس، 20 جوان الجاري، ويضم تسعة فنانين منهم شابين جزائريين من الناشئين، وهو المشروع الافتراضي الأول بعد تعاقدي مع "أرت سي".