الآن، وقد وضعت التشريعيات أوزارها، بإعلان السلطة المستقلة للانتخابات عن النتائج والأرقام، وبعد "إعلان" المجلس الدستوري، من الطبيعي أن يبدأ الحديث ويتنامى عن التحالفات المستقبلية داخل البرلمان الجديد، وكذا تشكيلة الحكومة القادمة. قبل وضع النقاط على هذه الحروف المذكورة، لا ينبغي إغفال أو إهمال، رقم مهمّ وعامل جديد في المعادلة الانتخابية، حيث أعلنت وزارة العدل، في سابقة هي الأولى من نوعها، عن حبس 35 شخصا ووضع 10 آخرين تحت الرقابة القضائية، بسبب تورطهم في خروقات وتلاعبات مسّت العملية الانتخابية. إن هذه التوقيفات والمتابعات، هي ضمانة أخرى، لبناء جزائر جديدة، قائمة على الحقوق والثقة، وطبعا، فإن مثل هذه الإجراءات الفورية والعملية، هي دعم إضافي لجميع أطياف الطبقة السياسية، بعد حزمة الضمانات والالتزامات التي وفّرها رئيس الجمهورية، قبل وعشية انطلاق المسار الانتخابي لموعد 12 جوان الماضي. معاقبة المتورّطين في محاولة الاخلال بالاقتراع، بهذه السرعة والصرامة، سيضاعف من مؤشرات الثقة والمصداقية، ويضع حدّا لكلّ قيل أو تأويل أو تهويل، ويفتح شهية الراغبين في المنافسة النظيفة والشريفة مستقبلا، حتى يدخلون أفرادا وجماعات المواعيد المقبلة، بنفوس مفتوحة وقلوب مطمئنة، بعدها تمّ إنهاء عهد التزوير والتلاعب بالإرادة الشعبية وطعنها في الظهر. لقد مرّت تشريعيات 12 جوان، بردا وسلاما، وفي ذلك رسالة أخرى إلى المشكّكين و"الخلاطين" والميئّسين وأولي الألباب من أولئك وهؤلاء الذين لا يريدون الخير للبلاد والعباد، ولا ينظرون إلاّ للنصف الفارغة من الكأس، متجاهلين عن سوء نيّة، النصف الثانية المملوءة، وفي قلوبهم مرض لتحويل الحبّة إلى قبّة! نعم، مثلما فتحت التشريعيات الأخيرة، الأبواب على مصراعيها أمام الكفاءات والشباب والطاقات الجامعية، فإن الحكومة الجديدة ستكون بالمقابل جهازا تنفيذيا لاستكمال التغيير الجذري والإصلاحات الشاملة، وفق برنامج رئيس الجمهورية، الذي أعلن مرارا وتكرارا عن قرارات وإجراءات ثورية وتاريخية من أجل بناء الجزائر الجديدة. لا مكان خلال المرحلة القادمة، للرداءة و"النوم" والتكاسل والتقاعس والتسكّع بالمناصب والحقائب..لا مكان لمشية السلحفاة في مراطون اقتصادي واجتماعي، يستدعي عدّائين محترفين ومتسابقين مؤهلين وبطول نفس، لا يتوقفون وسط الطريق، لا يلهثون، ولا يتعبون، ولا يعطّلون غيرهم، وهذا هو المطلوب والمرغوب لإنجاح مسعى وطني يقوده الرئيس تبون، ومعه مؤسسات سيادية، أهمّها مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، في ظلّ رهانات إقليمية وتحديات دولية، لا تقتضي أيّ خطأ أو شرود أو فرملة. لقد عبر "قطار التغيير" محطة التشريعيات، وسيصل في القريب العاجل إلى محطة الحكومة، ليتوجه مباشرة بعدها نحو محطة تغيير المجالس "المخلية"، ولن يتوقف عندها، لأن القادم أهم وأفضل، بحول الله، وبتعاون وتضحيات وعمل كلّ الخيّرين الذين يضعون أيديهم في المسعى الوطني الذي سيتمّ تنفيذه وإنجاحه بالنوايا الصادقة والجدّ والاجتهاد والمبادرة والفاعلية. هنيئا لكلّ المشاركين في التغيير والإصلاحات، الرامية إلى كسر الطابوهات الفاسدة وترميم الاعوجاج المتراكم خلال سنوات طويلة مضت، لكن آثارها مازالت للأسف مستمرّة، ولعلّ أبرزها وأخطرها تلك العقليات البائدة والبليدة والمثبّطة للعزائم والهمم، فأيها الوطنيون والمواطنون، اتحدوا وتعاونوا على البرّ والتقوى.