افتتحت أمس بمدينة جنيف السويسرية أشغال مؤتمر "دوربان 2" لمناهضة العنصرية وسط أجواء من التوتر تسببت فيها إسرائيل بسبب مشاركة الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد فيها. وأشرف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على انطلاق أشغال المؤتمر بإعرابه عن أسفه الشديد لغياب عدد من الدول الغربية ومن بينها الولاياتالمتحدة وألمانيا وايطاليا وكندا وإسرائيل بدعوى خشية حدوث تجاوزات وتحوله إلى مسرح لتصريحات مناهضة لإسرائيل خاصة مع حضور الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد. وقال بان كي مون "أشعر بخيبة أمل كبيرة كون بعض الدول التي يجدر بها المساعدة على شق طريق إلى مستقبل أفضل تغيبت عن هذا الموعد الهام" مبديا في الوقت نفسه أسفه لاستمرار "العنصرية حتى الآن". وأضاف "خارج هذه الجدران، لقد تعارضت مجموعات مصالح من انتماءات سياسية وعقائدية عديدة في أجواء من الحدة يجدر بها أيضا أن تكون معنا وأن تتكلم". ودعا بان كي مون إلى إدراج المؤتمر الذي يأتي بعد مؤتمر أول عقد عام 2001 في مدينة دوربان بجنوب إفريقيا وسادته البلبلة والجدل تحت شعار "عهد جديد من التعددية" ورجح بأنه سيتسم "بقدر أقل من المواجهة والمزيد من الحوار بقدر أقل من الايديولوجيا والمزيد من التفاهم" لكنه حذر من أنه "لا يوجد أي مجتمع محصن ضد العنصرية سواء كان غنيا أم فقيرا". وقال "أن العنصرية يمكن ممارستها على مستوى نظام وهو ما تذكرنا به المحرقة النازية باستمرار كما يمكن التعبير عنها بشكل غير رسمي مثل "معاداة السامية" على سبيل المثال أو "معاداة الإسلام" في السنوات الأخيرة. وأثارت كلمة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التي انتقد فيها قيام إسرائيل عام 1948 ووصفه حكومتها بالعنصرية غضب الدول الغربية المشاركة واضطر ممثلوها إلى الانسحاب من قاعة الجلسات. ولم يكترث الرئيس الإيراني لتحذيرات الأمين العام الأممي بعدم الخلط في المفاهيم بين مصطلحي "الصهيونية" و"العنصرية" وراح يؤكد انه "بعد الحرب العالمية الثانية تم إرسال مهاجرين من أوروبا والولاياتالمتحدة وعالم الهولوكوست من اجل إقامة حكومة عنصرية في قلب فلسطينالمحتلة". وكان الأمين العام الاممي في لقاء مع الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد حذر هذا الأخير من أي خلط في المفاهيم خشية أن يتحول المؤتمر "إلى منبر للجدل وتبادل الاتهامات مثلما حدث في مؤتمر دوربان الأول بجنوب إفريقيا مما أدى إلى انسحاب الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وكان أحمدي نجاد التقى نظيره السويسري هانز رودولف ميرتز عشية انعقاد المؤتمر في اللقاء ركز على التعاون في قطاعي الطاقة والاقتصاد بالإضافة إلى ملف الصحفية الأميركية الإيرانية الأصل روكسانا صبري المحكوم عليها بالسجن في طهران. وكان الرئيس نجاد شن عشية انطلاق المؤتمر هجوما لاذعا على إسرائيل بعدما وصفها بأنها "رافعة راية العنصرية". وقد قوبل لقاء الرئيس الإيراني بنظيره السويسري وبالأمين العام الاممي بانتقاد حاد من قبل إسرائيل التي تحاول فرض منطقها على الجميع بحيث تمنع دولا من المشاركة بحجة أن المؤتمر سيتحول إلى معاداة السامية وتنتقد لقاء الرئيس السويسري بنظيره الإيراني إلى درجة أنها استدعت سفيرها في سويسرا للتشاور معه. وانقسم المجتمع الدولي حول المشاركة في هذا المؤتمر ففي الوقت الذي فضلت فيه كل من الولاياتالمتحدة وكندا واستراليا وألمانيا وايطاليا مقاطعة أشغاله قررت كل من بريطانيا وفرنسا المشاركة لكن على مستوى سفرائهما مع الإبقاء على إمكانية الانسحاب في حال أصدر الرئيس الإيراني تصريحات "معادية للسامية". وقللت المفوضية الأوروبية من الانقسام الحاصل على مستوى الاتحاد الأوروبي بخصوص مشاركة دوله في مؤتمر "دوربان2". وقالت أن مشاركة 23 دولة من 27 الأعضاء كافية لتمثل الاتحاد الأوروبي في هذا المؤتمر المثير للجدل. وبقدر ما أثار مؤتمر مكافحة العنصرية جدلا كبيرا فقد كشف الوجه الخفي للدول المقاطعة التي تتغنى برفضها لكل أساليب الإقصاء ورفض الأخر غير أن لقاء جنيف اكد اتباعها لسياسة الكيل بمكيالين خاصة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. وهي الحقيقة التي دفعت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى اتهام الدول المقاطعة وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة ب"كفل الجرائم" التي اقترفتها إسرائيل في حق الفلسطينيين. واعتبر فوزي برهوم المتحدث باسم حركة حماس أن مقاطعة الولاياتالمتحدة تأتي على نقيض الدعوات التي ما فتئ الرئيس الأمريكي باراك اوباما يطلقها منذ دخوله البيت الأبيض بإحلال السلام والأمن واحترام حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط. وقال أن هذا الانسحاب يؤكد أنه ليس هناك أي تغيير في السياسية الأمريكية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.