جددت الجزائر تمسكها ببناء اتحاد مغاربي قوي قادر على أن يكون شريكا إقليميا فاعلا في علاقاته مع تجمعات إقليمية أخرى أو مع الدول الكبرى، وجاء هذا التأكيد على لسان رئيس الدبلوماسية الجزائرية السيد مراد مدلسي على هامش مشاركته في الدورة ال28 لمجلس وزراء الخارجية للاتحاد بالعاصمة الليبية طرابلس. وقد اغتنم السيد مدلسي فرصة مشاركته في هذه الدورة العادية لوزراء خارجية الاتحاد لإبراز حاجة شعوب المنطقة المغاربية إلى تكاتف الجهود من أجل مواجهة التحديات التي تواجهها خاصة في المجال الاقتصادي وأكد في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية ليلة أول أمس الأحد في ختام الاجتماع أن إقامة علاقات تعاون وشراكة حقيقية ومتكافئة مع التكتلات والتجمعات الجهوية والدولية "تتطلب منا جميعا (دول المنطقة) تنسيق مواقفنا وجهودنا حتى يمكننا التعامل مع هذه التكتلات كشريك إقليمي متماسك قادر على قول كلمته من موقع قوة حفاظا على مصالح شعوبنا". وبعد أن أشار إلى أن دورة المجلس الوزاري ناقشت هذا الموضوع، أوضح وزير الخارجية أنه تم التأكيد أيضا على ضرورة "أن تأخذ الدول المغاربية في الحسبان أهمية هذا التكامل في تعاملها أيضا مع بعض الدول الكبرى كالولايات المتحدةالأمريكية والصين واليابان"، ووصف الوزير مسألة الإصرار على التقدم في تحقيق هذا التكامل ب"الموضوع الهام". ويعكس حرص الجزائر على أهمية المضي قدما في تنسيق المواقف اقتصاديا تمسكها ببناء الفضاء المغاربي على نحو يحقق طموحات شعوب المنطقة، وهي التي أكدت ذلك مرارا وفي أكثر من محفل ومناسبة، حيث سعت دوما إلى توفير الأجواء والظروف التي تمكن من تجاوز العقبات، وتزيل العراقيل من طريق تشييد هذا الصرح. وهو الشيء الذي جعلها تتخذ خطوات ملموسة من خلال عدم تخلفها في دفع ميزانية تسيير الاتحاد في الآجال القانونية والتوقيع على جميع الاتفاقيات، والحرص على معالجة المسائل الخلافية في الإطار الصحيح. ونقصد هنا بالتحديد قضية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية حيث أوضحت الجزائر بما لا يدع أي مجال للشك أن النزاع يحل في إطار الأممالمتحدة الجهة الوحيدة المخولة لمعالجة القضية، وأصرت في أكثر من مناسبة على أهمية عدم الخلط في القضايا، بحيث تكون المواضيع المرتبطة بالتعاون بين دول الاتحاد بمعزل عن ذلك النزاع المطروح على لجنة تصفية الاستعمار وجميع الهيئات الأممية بما في ذلك مجلس الأمن من منطلق أن المسألتين منفصلتين. ولقد اختارت المملكة المغربية الربط بين المسألتين والترويج لهذا الطرح، وراحت توجه أصابع الاتهام إلى الجزائر في كل مرة بعرقلة بناء الاتحاد، بحثا عن متنفس سواء لمواجهة مشاكل داخلية أو ضغوط أجنبية، وعملت دوما على جعل موضوع بناء الاتحاد حصان طروادة لفرض أطروحاتها الاستعمارية، وحرصت الجزائر بالمقابل على عدم الخلط بين المحورين، وطالبت في أكثر من مرة التقيد بالشرعية الدولية فيما يخص مسألة الصحراء الغربية، وعدم إقحام هذه القضية في مسعى استكمال بناء الاتحاد المغاربي. ويبدو أن المغرب قد فهم أخيرا هذه الرسالة، وعاد إلى رشده وفضل الجنوح إلى منطق الحكمة والتعقل والنظر إلى الملفات كما هي مطروحة في الأصل دون أي تغليف أو بحث عن مخارج لسياسة الهروب إلى الأمام، ونلاحظ هذا التحول المغربي من خلال تصريحات أطلقها وزير خارجية المغرب الطيب الفاسي الفهري الذي شارك في الدورة ال28 بطرابلس الليبية حيث أشار إلى أن بلاده مقتنعة بضرورة إبعاد النزاع في الصحراء الغربية عن القضايا المتعلقة بالاتحاد المغاربي، وهذا التحول يعكس التحاق الرباط بقناعة ما فتئت الجزائر تدافع عنها كحل لرفع الجمود الذي أصاب مسار بناء الاتحاد. وإذا كان المغرب صادقا في توجهه هذا، فإن أبواب الشراكة الاقتصادية باعتبارها العنصر الأساسي في استراتيجية التعامل مع التحولات العالمية الراهنة قد تفتح أكثر فأكثر، ولن يعترض طريق تحقيق التكامل المنتظر إلا الوقت الذي ضاع ومن الواجب تداركه، عبر وضع آليات قادرة على تسجيل تقدم في مسيرة الاندماج الاقتصادي.