أجمع متتبعون للسوق المالية والتجارية على ضرورة اتخاذ إجراءات تحفيزية لتشجيع التجار على التعامل بالدفع الالكتروني والذي لا يزال يعرف عزوفا واستعمالا جد محتشما، يكاد يكون منعدما من طرف التجار الذين يرفضون الشفافية والكشف عن تعاملاتهم الحقيقية لدى مصالح الضرائب، حيث لا تتعدى نسبة التجار الذين يستعملون أجهزة دفع الكتروني بمحلاتهم 2% على المستوى الوطني. لهذا الغرض دعا المختصون إلى مراجعة النظام الضريبي في شقه المتعلق بالدفع الالكتروني وسنّ قوانين لمحاربة النصب والاحتيال في التجارة الإلكترونية بإقرار نظام أمن فعال يحمي التاجر والمستهلك لكسب ثقتهما. ففي هذا الإطار أكد السيد مسعودان مجيد المدير العام لتجمع النقد الألي في اتصال مع "المساء"، أمس، أن التجارة الإلكترونية بالرغم من أنها سجلت تقدما في 2021، بفضل إقبال المواطنين عليها خاصة مع جائحة كورونا وفترة الحجر المنزلي، حيث أحصى التجمع ارتفاع عدد تعاملات الدفع الالكتروني للمواطنين، خاصة فيما يتعلق بدفع الفواتير عبر الأنترنيت، فيما تبقى العملية محتشمة بالنسبة للتعامل في المحلات التجارية، بسبب عدم انخراط التجار في هذا المسعى وتفضيلهم التعاملات التقليدية عن طريق الدفع نقدا. وأكد محدثنا أنه بالرغم من توفر الوسائل التقنية من موزعات مالية وأجهزة للدفع الالكتروني وصدور القانون الخاص بالتجارة والدفع الإلكترونيين، فإن التجار لا يزالوا عازفون عن الانخراط في هذه الممارسة التي تضمن الشفافية وتسجل وتوثق كل المعلومات المتعلقة بالمعاملات التجارية بتفاصيلها، وذلك بسبب تخوفهم من ارتفاع قيمة الضرائب التي تفرض عليهم اذا كشفوا عن كل أرباحهم. في هذا السياق دعا السيد مسعودان إلى ضرورة برمجة دورات تكوينية والقيام بحملات تحسيسية وتحفيزية لفائدة التجار لإعلامهم بمزايا الدفع الالكتروني، الذي يعد معاملة لا مفر منها مستقبلا في الاقتصاد الرقمي. وإذا كانت هذه الخدمة تلقى عزوفا من طرف التجار، فإنها في المقابل لقت إقبالا ملحوظا من طرف المواطنين في السنتين الأخيرتين، حسب محدثنا، الذي أكد أنه بالرغم من وجود فئة كبيرة من المواطنين لا زالت لا تستخدمها، إلا أن الأرقام بينت أن فئة لابأس بها من أصحاب البطاقات البنكية تقبل عليها، حيث سجل تجمع النقد الألي خلال سنة 2021 أكثر من 7 ملايين و800 ألف عملية دفع عبر الأنترنيت بارتفاع قدر بنسبة 70 بالمائة مقارنة بسنة 2020، فيما بلغت عمليات الدفع الالكتروني الجواري 2 مليون و150 ألف عملية خلال نفس الفترة، مسجلة ارتفاعا بنسبة 202% مقارنة بسنة 2020. الدفع الالكتروني بحاجة لتحفيزات ضريبية ونظام أمن للحماية لا يتجاوز عدد التجار المنخرطين في نظام الدفع الإلكتروني، حاليا 153 تاجر على المستوى الوطني، وهو رقم جد منخفض، لا يمثل سوى 2% من العدد الإجمالي للتجار، حسبما أكده السيد مصطفى زبدي رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك في تصريح ل"المساء" الذي أوضح أن منظمته قامت بدراسة لمعرفة مدى تبني التجار لهذه الخدمة، وتوصلت الى أن عدد التجار الذين يستعملون أجهزة دفع الكتروني في نشاطاتهم وبمحلاتهم لا يتجاوز 2% من مجموع التجار الذين لازالوا يفضلون التعاملات النقدية. وذكر السيد زبدي بأن الدفع الإلكتروني عملية مهمة جدا للاقتصاد الوطني لضمان الشفافية ومحاربة الغش والتهرب الضريبي من جهة، ولرفاهية وأمن المستهلك من جهة أخرى، لكن للأسف هذا النظام لا يزال يعرف عزوفا بسبب قلة الثقة في المعاملة، باعتبار أن فئة كبيرة من المستهلكين لا تثق سوى فيما هو ملموس. في هذا الصدد، اقترح رئيس منظمة حماية المستهلك الإسراع في اتخاذ إجراءات تحفيزية من خلال التحسيس بأهمية هذا النوع من المعاملات التي أصبحت ضرورة، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الحالية للتجار الذين يتضرر بعضهم من الضرائب، خاصة مع تراجع الاقتصاد بسبب جائحة كورونا وارتفاع الأسعار التي أدت الى تراجع المبيعات. ولإنجاح نظام الدفع الالكتروني دعا زبدي الحكومة إلى مراجعة النظام الضريبي، فيما يتعلق بالدفع الإلكتروني بمنح امتيازات من شأنها تحفيز التجار على التعامل به وتخلق جو من الثقة، باعتبار أن التخوف من إقرار ضرائب إضافية عند التصريح بكل المعاملات هو السبب الرئيسي في عدم استعمال الدفع الالكتروني الذي يكشف كل المعاملات. وبالرغم من أن جائحة كورونا طوّرت التجارة الإلكترونية، حيث أصبح البعض يستعمل الدفع بالبطاقة عبر الأنترنت، غير أن عدد المواقع الإلكترونية التجارية لبيع السلع والخدمات التي تستعمل الدفع عبر الأنترنت لا يتجاوز 70 موقعا، حيث لايزال الكثير من التجار الذين يسوقون منتوجاتهم عبر الأنترنيت يفضلون الحصول على النقود عند تسليم البضائع بطريقة مباشرة. من جهته اعترف رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين حاج الطاهر بولنوار، بعزوف فئة كبيرة من التجار عن استعمال الدفع الالكتروني، بسبب التخوف من الشفافية وغياب الثقة، مؤكدا أن هذا النظام الجديد يتطلب تضافر جهود كل الهيئات المعنية لتحسيس التجار وتكوينهم لإدراج الرقمنة في الاقتصاد الوطني كغيرنا من البلدان التي قطعت أشواطا معتبرة في هذه الخدمة. كما أوضح أن الدفع الالكتروني حتمية اقتصادية لا مفر منها، ما يتطلب انخراط الجميع فيه لضمان ديمومة نشاطه، والدليل على ذلك، كما قال، الخسائر التي تكبدها التجار الذين لا يتعاملون بهذا النظام خلال جائحة كورونا عند توقف النشاطات التجارية، على عكس التجار الذين يتعاملون بهذا النظام والذين استمر نشاطهم بشكل عادي عند غلق المحلات. كما اقترح محدثنا على الحكومة المبادرة بسن قوانين تحفيزية تضمن محاربة النصب والاحتيال في التعاملات التجارية الالكترونية وإقرار نظام أمن فعّال وفقا للمعايير الدولية لكسب ثقة التجار والمستهلكين الذين لا يزالوا غير مستعدين نفسيا للتعامل بهذا النظام، والتعريف أكثر بمزايا قانون الدفع الالكتروني. مطالبا بتوسيع دائرة المؤسسات العمومية التجارية والاقتصادية التي تتعامل بهذا النظام والتي لايزال عددها قليلا.