يْعتبر المخرج السينمائي صالح بوفلاح، ابن ولاية بومرداس والحائز على عدّة جوائز بمهرجانات ثقافية دولية وأخرى وطنية، أنّه يتعين على وزارة الثقافة والفنون العمل على برمجة الأعمال الفنية وبثها عبر مختلف المؤسّسات التابعة للقطاع على المستوى الوطني، وهي الخطوة التي تسمح للفنان، مثلما يشير إليه في هذا الحوار الخاص مع "المساء"، بأن يُحصّل مقابلا ماديا نتاج عمله الإبداعي يمكنه من العيش بكرامة، وحتى لا تبقى أعماله الفنية حبيسة عروض مناسباتية. كما يتحدّث عن آخر أعماله السينمائية وهو فيلم "باكدي" المرشّح لعدّة جوائز بمهرجانات دولية بست دول عبر أربع قارات. توّجتم بالجائزة الأولى بتونس عن فيلم "حوتة"، حدثونا عن هذا التتويج وعن الفيلم كعمل فني؟ ❊ فيلم "حوتة" هو من بين آخر الأفلام التي أخرجتها، تحصّل على جائزة "الواحة الذهبية" بالمهرجان الدولي للفيلم بقابس التونسية في ماي 2022، وهو أوّل فيلم على المستوى الوطني من تمثيل أطفال بشكل كلي وأنجز بالتنسيق مع جمعية الغطس "الدلفين" لدلس والرابطة الولائية للإعلام والاتصال للشباب "انفوكوم". يعالج الفيلم مسألة تلوث البيئة لاسيما تلوّث البحر لذلك أطلق عليه عنوان "حوتة" كناية عن كافة الكائنات البحرية التي تتأثّر بالسلوك السلبي للإنسان. ولماذا وقع الاختيار على الأطفال كممثلين؟ ❊ لأنّ الرسالة التوعوية التي تصدر عن الطفل تكون أقوى وأبلغ، كذلك أردنا من خلال اختيار الأطفال في التمثيل أن يساهم النشء في غرس فكر الحفاظ على البيئة والمحيط من خلال مختلف الرسائل التي يعكسها الفيلم، وعلى رأسها مساهمة الجيل الجديد في بثّ روح المواطنة لدى الأجيال من بعده وهكذا. ولعلمكم شارك في فيلم "حوتة"، وهو فيلم في 6 دقائق، 14 طفلا جلّهم من مدينة دلس العريقة، تتراوح أعمارهم ما بين 7 و13 سنة، وكانت بالنسبة لنا تجربة سينمائية رائعة مع الأطفال، نهدف من خلالها كذلك لغرس حب فن السينما بشكل عام لدى هذه الفئة. تشجيع كبير لمزيد من العطاء، رغم من كل الصعوبات، ليس فقط التتويج ونيل الجائزة الأولى وإنما المشاركة في مهرجانات دولية تتيح لنا التعرّف على مبدعين آخرين وتبادل التجارب، بما يتيح لنا صقل المواهب أكثر فأكثر. بمهرجان قابس الدولي للفيلم كان هناك مشاركات من 19 دولة لاسيما من آسيا، وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأن نتمكّن من إحراز المرتبة الأولى فهذا فخر كبير لنا وللوطن، رغم نقص الإمكانيات التي لم تشكّل عائقا أمام طموحنا في التقدّم. وما هو المطلوب في هذا السياق لتحقيق مزيد من النجاحات؟ ❊ طبعا، نطلب توفير الإمكانيات سواء المالية أو المادية، مثلا نحن نطمح لأن يكون لنا مساحات عرض وتسهيلات للمبدعين في سبيل تجسيد إبداعهم أيّا كان، فمثلا من أجل إنتاج فيلم "حوتة" من 6 دقائق فقط، كان لابدّ لي من استخراج عدة تصاريح هنا وهناك، كل جهة تطلب تصريحا لإتمام هذا العمل أو ذاك، والسؤال لماذا لا تكفي رخصة وزارة الثقافة والفنون لتغطية كل هذا وذاك، كذلك الفيلم الوثائقي "تادلس" اضطررنا لاستخراج 9 تصاريح ورخص لإتمام الإنتاج..كلّ هذا عبارة عن حواجز وعوائق ومضيعة للوقت والجهد..ثم نجد أنفسنا نستهلك من ميزانية إنتاج الفيلم. نريد من السلطات أن تحترم الفنان أيا كان، وأن تقدّر مجهوده.. فحتى البرمجة غائبة تماما وهذا يطرح أكثر من تساؤل، كما يزيد من متاعب الفنان. ماذا تقصدون بالبرمجة بالضبط؟ ❊ نريد من وزارة الثقافة والفنون أن تهتم بوضع برنامج عرض يخصّ كلّ إنتاج فني حتى يتمكّن الفنان من تحصيل مدخول مادي لقاء عمله الفني، مثلا برمجة عرض الأفلام السينمائية في مختلف القاعات ودور السينما ودور الثقافة وغيرها من الهياكل، أولا للسماح للأفلام المنتجة أن تصل للجمهور العريض وثانيا تسمح لنا بتحصيل مقابل مادي بما يحفّزنا على الإنتاج والإبداع أكثر. اضرب مثالا هنا بوثائقي "تادلس" الذي حاز على جائزة الفيلم الطويل مؤخرا في ولاية معسكر وكذا على جائزة لجنة التحكيم لأحسن إخراج في المهرجان الدولي لفيلم التراث بالإمارات العربية المتحدة في أكتوبر 2021، عرض بصفة شرفية وأخرى تطوعية ببومرداس وبالعاصمة، لكن لم يتم برمجته خارج ذلك..والتطوع لا يشجع المنتج لأنه يعيق إحراز أي تقدم في غياب الدعم. وماذا تقترحون في هذا الصدد؟ ❊ على الجهات المعنية أن تدرك بأنّ الفنان لديه عائلة والتزامات وهو بحاجة لأن يعيش بكرامة، لذلك عليها أن توفّر مساحات للإبداع للسماح له بأن يبدع ويعرض إبداعه. الفنان تضرّر كثيرا في فترة تفشي جائحة كورونا واليوم بدأ يسترجع أنفاسه شيئا فشيئا، لكن كما أسلفنا نقص مساحات الإبداع والعرض تحول دون أن يحقّق الفنان الشيء الكثير. أذكر على سبيل المثال بولاية بومرداس أين هي مساحات العرض التي تمكّن الفنان من عرض فنه وإبداعه؟ لا يوجد أيضا تفكير في برمجة عروض فنية بالقرى مثلا في الهواء الطلق، فقط بعض الجمعيات من تقوم بذلك بين الفترة والأخرى ولكن يبقى ذلك غير كاف. أنشأت مؤخرا البكالوريا الفنية، كيف ترون هذه الخطوة؟ ❊ نحن نثمّن هذا المسعى الهادف بالدرجة الأولى للتأسيس لصناعة ثقافية فنية على أسس متينة، لكن نعتبر ذلك غير كاف، حيث مازالت تعتري الفن بمجتمعنا نظرة نمطية تعتبر الفن والصناعة الثقافية عموما أمرا ثانويا، إن لم يكن في ذيل الترتيب والاهتمام، نحن نعتقد أنّ التأسيس للبكالوريا الفنية إنما يبدأ في أطوار تعليمية مبكرة، وليس في الطور الثانوي، فالإبداع يبدأ بموهبة يمكن صقلها والاستفادة منها إن اكتشفت مبكرا. كما أنه من المهم تغيير النظرة النمطية للفن والفنان، لابدّ للناس أن تدرك بأنّ الفن وسيلة لإنتاج فكر وصناعة مواطنة حقيقية..الاستثمار في موهبة الطفل وتوجيهها للاستفادة من إنتاجه الفكري والإبداعي مستقبلا، من الخطوات التي تنأى بالنشء عن خطر الوقوع في الآفات الاجتماعية، وهذا ما نسميه نحن من الأوجه الصحيحة للاستثمار في الإنسان حتى يكون مواطنا صالحا بالفعل.. لو تحدّثنا عن صالح بوفلاح الفنان فماذا تقول؟ وهل من أعمال فنية جديدة في الأفق؟ ❊ صالح بوفلاح مخرج سينمائي من بلدية يسّر. أعمل في هذا الحقل الفني منذ 1999 وأخرجت العديد من الأفلام منها 5 قصيرة و4 أفلام طويلة منها وثائقي "تادلس" الذي حاز على عدة جوائز منها جائزة الفيلم الطويل بولاية معسكر في 2021 وجائزة لجنة التحكيم لأحسن إخراج خلال المهرجان الدولي لفيلم التراث بدبي 2021. كما فزت كذلك بالجائزة الأولى بالمسابقة الدولية للسيناريو بميسان بالعراق في فيفري 2022، كما حصدت جائزة الواحة الذهبية بالمهرجان الدولي للفيلم القصير بقابس بجمهورية تونس في ماي 2022، وكذا عدة جوائز أخرى..أما أخر أعمالي الفنية فهو فيلم "باكدي" من 25 دقيقة من إخراجي وكتابة سيناريو. ويروي الفيلم قصة فنان روحي من مدينة دلس العريقة يسمى باكدي يجمع بين التراث والطبيعة..و"باكدي" مرشّح ل 6 جوائز بمهرجانات دولية بكلّ من جنوب إفريقيا، العراق، مصر، كندا والبرازيل..