أصبح الوزير الأول البريطاني غوردن براون في حكم المنتهي سياسيا بعد انتكاسات متلاحقة تعرض لها نهاية الأسبوع جعلت المتتبعين للشأن السياسي البريطاني يؤكدون أنه أصبح أشبه ب"الحي الميت". وكانت سلسلة الاستقالات المتعاقبة لعشرة من وزرائه خلال أربعة أيام فقط والنكسة الانتخابية التي أصيب بها حزب العمال الحاكم في الانتخابات المحلية بمثابة النهاية المحتومة لبراون الذي جاء لإنقاذ الحزب من نتائج سياسة "الأمعية" التي انتهجها سابقه طوني بلير المؤيدة لمواقف الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في أفغانستان والعراق دون حساب عواقبها على مكانة بلاده في الساحة الدولية ولكنه فشل في مهمته. وقد شعر غوردن براون بالدوامة الجارفة تتسرب إلى تحت إقدامه في قصر الحكومة وهو ما جعله يلجأ إلى القيام بتعديل وزاري طفيف كطوق نجاة وكآخر ورقة يلعبها ليتشبث بها عله يسلم من طوفانها الجارف. ولخصت صحيفة "الصن" الأكثر مبيعا في بريطانيا ضمن صورة تثير الشفقة أن "براون أصبح أشبه بثور جريح ولكنه بقي محافظا على أنفته ربما لأنه لا يعلم بالسيف المغروس بين أضلعه وأصبح أشبه بحي ميت ينتظر فقط نعيه". وكانت الصحيفة تشير إلى قراره المستعجل والمفاجئ الذي اتخذه مساء أول أمس بتعديل جوهري على حكومته في مسعى يائس من اجل الرد على النداءات المنتقدة له والمطالبة برحيله بعد استقالة وزرائه والشرخ الذي أصاب حزبه بعد نتائج الانتخابات المحلية والأوربية الخميس الماضي والتي وصفت على أنها اكبر انتكاسة انتخابية للحزب منذ الحرب العالمية الثانية. ووصفت هذه النتائج في بريطانيا بالمخزية بعد أن خسر الحزب ثلثي المجالس البلدية التي شملتها العملية الانتخابية والتي عادت جميعها إلى حزب المحافظين، في نفس الوقت الذي توقع فيه ملاحظون أن يصاب بانتكاسة أخرى بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات الأوروبية التي جرت الخميس الماضي وينتظر الإعلان عنها هذا الأحد. وعلقت صحيفة "فايناشل تايمز" ذات التأثير الكبير في الأوساط السياسية البريطانية أن "براون مازال واقفا ولكنه منهك القوى وان السؤال المطروح هل باستطاعته مواصلة حكمه بعد أن فشل في تأكيد سلطته خلال عملية التعديل الوزاري التي أقدم عليها في انتظار انتكاسته في الانتخابات الأوربية وحينها سيكون مرغما على الاستقالة أو مواصلة الحكم بأغلبية ضئيلة حتى في داخل حزبه أو الدعوة إلى انتخابات عامة مسبقة. وهي القناعة التي أكدت عليها صحيفة التايم اليمينية التي أشارت تحت عنوان "العهد الانتحاري" أن التعديل الوزاري المحدود والمتسرع الذي أقدم عليه براون أكد أن الحكومة أصبحت أشبه بالمشلولة وتحت سلطة رئيس وزراء منهك. ولم يستبعد حتى المقربون من الوزير الأول البريطاني حدوث تمرد داخلي في وسط حزب العمال رغم التعديل الوزاري المحدود الذي أعلن عنه مساء الجمعة. وبدت مؤشرات هذه الانتكاسة بعد تسريب أخبار عن المصاريف الباهضة لنواب الحزب والتي شوهت صورة كل الحزب في نظر البريطانيين والتي تفاعلت على نار هادئة منذ أكثر من شهر وكانت سببا في استقالات وزراء الحكومة على خلفية تلك النفقات ومكنت من فوز حزب اليمين المتطرف لأول مرة بمقاعد محلية. وبدأ عدد من النواب العماليين في الترويج لوثيقة توقيعات للمطالبة بانتخابات جديدة داخل الحزب لاختيار زعيم جديد له بدلا من براون والذي أصروا على رحيله اليوم قبل الغد. وهو ما جعل المتتبعين يؤكدون أن مصير براون سيتحدد مساء يوم غد خلال الاجتماع الحاسم الذي سيخصصونه لتحديد مصير الحزب على خلفية الهزات الأخيرة التي تعرض لها. ومهما تكن النهاية التي سيعرفها مستقبل السياسي للوزير الأول البريطاني فإن المؤكد أن حزبه سيكون أمام امتحان انتخابي عسير في جوان القادم بعد الهزة العنيفة التي عرفها والتي ستبقى ارتداداتها قائمة إلى غاية ذلك التاريخ.