يحتفي مهرجان المسرح المحترف في طبعته الخامسة عشر، بالفنان القدير طه العامري، والذي استضيف، أول أمس، بنادي "امحمد بن قطاف" بالمسرح الوطني الجزائري "محيي الديم بشطارزي"، في أول نشاط فكري لهذه الفعاليات، حيث قدّم شهادته حول تأسيس الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، رفقة الأستاذين الناقدين أحمد شنيقي، وإبراهيم نوال. قال الفنان المسرحي القدير طه العامري، إنه شرع في ممارسة المسرح عام 1947 مع محيي الدين بشطارزي، بمعدل مسرحية في الأسبوع. وكان يتلقى راتبا لمدة ثمانية أشهر، رفقة فنانين آخرين. وتابع أنه انتقل إلى الفرقة التي أسّسها الرازي، تحت لواء حركة انتصار الحريات الديمقراطية، إلا أنها لم تتمكن من مواصلة العمل على نفس وتيرة بشطارزي، ليعود هذا الأخير إلى الواجهة، ويقدم أعمالا مسرحية مهمة، إلى أن صدر أمر من جبهة التحرير، بإيقاف النشاطات الفنية والثقافية. وأضاف العامري أنه سافر إلى سويسرا، وهناك اتصل به مصطفى كاتب؛ كي يشارك في الفرقة الفنية لجبهة التحرير بتونس، لتكون البداية بمسرحية "نحو النور"، تلتها ثلاث مسرحيات من كتابة عبد الحليم رايس، الذي اعتبره العامري "كاتب الثورة الجزائرية، ومنقذ الفرقة"؛ من خلال تأليفه مسرحيات جديدة جالت بها الفرقة في العديد من دول العالم. كما اعتبر المتحدث أن المسرح الجزائري تأسس على أيدي محيي الدين بشطارزي، ورشيد قسنطيني، وعلالو، في حين عَدَّ بشطارزي والدَه الروحي. ومن جهته، ذكر الناقد المسرحي أحمد شنيقي، أسماء ساهمت في تأسيس المسرح الجزائري، وتطويره، مطالبا في السياق نفسه، بالتوثيق للمسرح، وتأسيس الذاكرة الفنية الجزائرية، وهو ما لم يتحقق إلى حد اللحظة. وأشار إلى وجود الكثير من الأسماء التي قدّمت الكثير للجزائر، وللفن الرابع تحديدا، ليس فقط أثناء الثورة التحريرية، بل قبل ذلك بكثير؛ حيث كان كثير من الفنانين ومن بينهم طه العامري، مارسوا المسرح قبل تأسيس الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني. وتحدّث شنيقي عن سيد علي فرناندال، ومحمد زينات، ومحمد بودية، وحسان حساني الذي قدّم مسرحية "أحلام حسان"، ثم سُجن، ليقوم بعرض مسرحيات داخل السجن. كما تحسَّر لعدم وجود باحث جزائري كتب عن هذه الأسماء التي قدّمت الكثير للفن الرابع. وذكر شنيقي، أيضا، أسماء أخرى؛ مثل الفنان حبيب رضا، الذي حُكم عليه بالإعدام، وغيره ممن كانوا ينتمون إلى حركات أخرى؛ مثل رضا حوحو عن جمعية العلماء المسلمين، وشباح المكي عضو الحزب الشيوعي. أما الأستاذ إبراهيم نوال فقال إن بشطارزي شكّل مدرسة في حد ذاتها، عنوانها النضال، في حين قدّم الفنان مجيد حطاب، روحه للقضية الجزائرية، بينما كان طه العامري مناضلا وفنانا في آن واحد. وأضاف: "لم نُثرِ ذاكرتنا بالوثائق حول الفن الرابع الجزائري"، مشيرا إلى حصوله على وثائق جلبها من روسيا، تتحدث عن عرض مسرحية "نحو النور"؛ أول مسرحية للفرقة عُرضت في مسرح روسي راق. وتابعها عبر التلفزيون السوفياتي أكثر من أربعة ملايين متفرج. كما استُقبلت الفرقة من طرف الرجل الثاني في الصين، الذي استقبل، بعدها، الرئيس فرحات عباس. واعتبر نوّال أن التحاق كل عضو من أعضاء الفرقة 35، كان، بحقٍّ، ملحمة، وهو أمر طه العامري، الذي قُبض عليه قبل أن يلتحق بتونس، ليطالب بتسمية مؤسسة أو ساحة، باسم الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني.وبالمقابل، أكد المدير العام للمسرح الوطني محمد يحياوي، أهمية التوثيق في الفن الرابع، ولهذا سيتم تسجيل كل النشاطات الفكرية المنظمة في هذه الفعاليات، وحفظها، بينما أكد الناقد ومدير الجلسة علاوة وهبي، ضرورة أن تعرف الأجيال الصاعدة، خبايا تأسيس الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، التي تُعد مرحلة مهمة جدا في تاريخ الحركة المسرحية الجزائرية، مضيفا: "حان الوقت لنتوقف عن حفظ الذاكرة شفهيا، بل من الضروري توثيقها".