على وقع مزيد من الضربات الجوية والتفجيرات العنيفة، يواصل طرفا الصراع المسلح في السودان معاركهما الضارية التي أتت على الأخضر واليابس في واحد من أفقر البلدان في العالم غير آبهين، لا بالدعوات الدولية المطالبة بوقف اطلاق النار ولا بمآسي السكان الباحثين عن أماكن أقل توتر. من العاصمة الخرطوم إلى إقليم دارفور غربا، يبقى المشهد واحد في السودان، عنوانه الرئيس، المواجهات المسلحة المستمرة على انقاض كارثة انسانية يدفع ثمنها الأبرياء من السكان العزل الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة نيران المدفعية والرشاش وسندان انعدام أدنى متطلبات العيش الكريم من غداء وماء ودواء. وبعد أكثر من شهرين من اندلاع النزاع المسلح، بين القوات النظامية بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان والقوات شبه العسكرية بزعامة الجنرال محمد حمدان داغلو، يبقى القتال هو سيد الموقف في المشهد السوداني دون مؤشرات احتوائه في المنظور القريب، بعدما سقطت كل مساعي الوساطة في الماء وانهارت كل الهدن المعلن عنها تباعا والتي جاءت غالبيتها لأغراض إنسانية. وعاش سكان العاصمة الخرطوم أمس واحدا من أعنف الأيام، بمقتل 17 مدنيا من بينهم خمسة اطفال سقطوا ضحايا للضربات الجوية التي استهدفت أحياء سكنية، خلفت أيضا إصابة ما لا يقل عن 11 شخصا آخر. وكالعادة تقاذف طرفا الصراع مسؤولية هذا الدمار المتواصل ومسؤولية سقوط مزيد من الضحايا المدنيين، حيث راحت قوات الدعم السريع شبه العسكرية، تبث تسجيلا مصورا على موقع "توتير" يظهر منازل مبنية من الآجر منهارة وأغطية تلف القتلى الذين سقطوا في غارات جوية، على أساس أن الطيران الحربي التابع للجيش النظامي هو من نفذها. بينما اندلعت معارك استخدمت فيها أنواع مختلفة من الأسلحة بجنوب الخرطوم، وكان القتال أكثر ضراوة في الضواحي الشمالية من العاصمة التي شهدت اطلاق قذائف صاروخية واستخدام المدفعية الثقيلة. وسط هذه الفوضى العارمة، لا تزال أحياء بأكملها في الخرطوم محرومة من الكهرباء والمياه الصالحة للشرب في مشهد أقل ما يقال عنه، أنه كارثي ويزداد سوءا في اقليم دارفور الواقع إلى الغرب وتتوالى التحذيرات من عدة منظمات دولية وانسانية من وضع خطير يجتاحه في ظل احتدام العنف. وحذر مسؤول الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، من أن الوضع في دارفور، الذي سبق ودمرته حرب أهلية دامية في العقد الأول من القرن ال 21، يتجه نحو "كارثة إنسانية" جديدة يجب على العالم منعها. وضم المسؤول الأممي صوته الى صوت منظمة "مراسلون بلا حدود" وإلى صوت رئيس بعثة الأممالمتحدة في السودان، فولكير بارثيس، الذي سبق وأن أطلق ناقوس الخطر حول العنف المستفحل في اقليم دارفور، والذي يمكن، حسبه، أن يرقى الى خانة "جرائم ضد الانسانية".