❊ زغيدي: مؤتمر الصومام كرّس وحدة الشعب والوحدة الترابية للجزائر ❊ شرفاوي: هجمات الشمال القسنطيني فكت الحصار عن منطقة الأوراس ❊ زياني: مؤتمر الصومام بداية مرحلة حاسمة في تطوّر كفاح الجزائريين ❊ فيلالي: هجمات الشمال القسنطيني حققت نتائج نوعية بقيادة البطل يوسف زيغود يشكل اليوم الوطني للمجاهد الذي يحتفل به الجزائريون اليوم، رمزية كبرى لتحد مزدوج، صنع ملحمة الثورة التحريرية الخالدة، ومنعطفا حاسما في مسار الثورة الجزائرية المجيدة، والكفاح النوفمبري المسلح المنبثق عن فكر خلاق وعقيدة راسخة وإرادة صلبة لعظماء الجزائر. وكان الحدث الكبير في العشرين أوت 1955، الذي صنعه الأبطال البواسل لجيش التحرير الوطني بشنّهم سلسلة هجمات في منطقة الشمال القسنطيني، التي قادها الشهيد يوسف زيغود، وكلّلت بانتصار كبير للثورة على فرنسا، ليفنّد الثوار كل أكاذيب وادعاءات المحتلّ القديم الذي كان يشكّك في قدرات الثورة الجزائرية وفي استقلالية قرارها وفي اعتدادها بإمكانياتها الذاتية وإرادتها السيّدة. أما الحدث الثاني الذي جاء بعد سنة كاملة من ذاك الإنجاز، فهو انعقاد مؤتمر الصومام 1956 بمنطقة افري أوزلاقن، بين يومي الثلاثاء الرابع عشر أوت والخميس الثالث والعشرين أوت، مؤكدا رسوخ قدم الثورة على نهج الكفاح وانتقال مشروع التحرّر من مرحلة وعي الذات إلى مرحلة تحقيق الذات، عبر تقويم زهاء سنتين من عمر الثورة واستشراف القادم، وتزويدها بمؤسسات ضمنت لها الانتشار وتغطية كامل التراب الوطني، وتنظيم صفوفها وهيكلتها أفقيًا وعموديًا، إيذانًا ببلوغ مرحلة النضج ودنو ساعة انبعاث الجزائر الحديثة. انتصارات باهرة توّجت هجمات الشمال القسنطيني بانتصارات باهرة عززت إمعان الثوار في كسر شوكة فرنسا، فما فعله الشهيد البطل يوسف زيغود وكوكبة من مجاهدي الجهة الشرقية في 20 أوت 1955، كان متفردا من خلال تنفيذ عمليات واسعة النطاق على مستوى منطقة الشمال القسنطيني، وهي عمليات استمرت ثلاثة أيام، وكبّدت المحتل الفرنسي خسائر مادية وبشرية جسيمة، وتعتبر تلك الهجمات، واحدة من المنارات التاريخية للثورة الجزائرية، وخطوة مفصلية دعّمت مسار تحرر الجزائر من نير الاستعمار الفرنسي. وأتاحت تلك الهجمات نتائج عسكرية هامة على صعيد تموقع الثوار في جبهات استراتيجية، كما عمّقت التلاحم وتظافر الشعب مع الثورة، بجانب تمرير رسالة إلى فرنسا والرأي العام الدولي، مفادها قدرة جيش التحرير على النيل من رابع قوة عسكرية عالميا حينذاك، وتمسك الجزائريين بمواصلة القتال إلى غاية الظفر بالاستقلال، علما أن تعداد الجيش الاستعماري في الفترة ما بين عامي 1954 و1955، تضاعف من 40 ألف عسكري إلى 80 ألفا لمحاصرة المجاهدين. ويشير الباحث حسين شرفاوي إلى أنه في العشرين أوت 1955، كان الاستعمار الفرنسي يحكم قبضته على منطقة الأوراس، فساهمت هجمات الشمال القسنطيني في فك الحصار، بعد أن جرى التخطيط لتلك الهجمات بذكاء من طرف قادة الثورة، وأضاف المتحدث أنّه وبعد مجموعة من العمليات المتفرقة، وسّع جيش التحرير منها فكان لها صدى كبير في المعسكر الفرنسي، كما أنّ تلك الهجمات جاءت في وقتها لتغيّر كل الحسابات والتوقعات. ونوّه المجاهد والمحامي المخضرم أحمد فيلالي إلى أن هجمات الشمال القسنطيني لم تنحصر في قسنطينة، بل تعدت إلى ما جاورها من مدن، وحقّقت نتائج نوعية بقيادة البطل يوسف زيغود الذي اختار منتصف نهار السبت 20 أوت 1955، الساعة صفر، لتنفيذ خطة الهجوم على مختلف النقاط المستهدفة. أما عن ردة فعل الاحتلال على هجمات الشمال القسنطيني، فيحيل شرفاوي إلى عنف الردّ الفرنسي وإقدامه على تنفيذ حملات قمعية واسعة أدّت إلى استشهاد عدّة مجاهدين ومدنيين انتقامًا مما فعله جيش التحرير بآلة المحتل القديم، هذا الأخير قصف عديد القرى والمداشر، وإحراق الأراضي انتهت بإبادة 12 ألف مدني بين أطفال ونساء في سكيكدة. ثورة عادلة ومنسجمة في حضور معظم قادة الولايات، عدا قادة الثورة في الخارج وممثلي ولاية الأوراس النمامشة، أعطى مؤتمر الصومام أهمية بالغة لجزائريي الخارج، وهذا راجع إلى الدور الفعّال الذي كان ينبغي القيام به خارج الوطن الأمّ لإعطاء صدى للثورة الجزائرية، وكسب أكبر قدر ممكن من التأييد المادي والمعنوي للقضية الجزائرية وطابعها الوطني التحرري الأصيل. في ذلك اليوم، تيقن العالم بعدالة الثورة الجزائرية المظفّرة ضدّ الاستعمار الفرنسي والدفاع البطولي الذي خاضه جيش التحرير الوطني من أجل الاستقلال، وهذا وجب على جبهة التحرير، الضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي على فرنسا، عن طريق دول محور باندونغ، علاوة على حلفائها لدى الأممالمتحدة، مع السعي للحصول على تأييد الدول والشعوب الأوروبية وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى الاعتماد على العرب المهاجرين إلى أمريكا اللاتينية، وإنشاء مكتب لدى الأممالمتحدة، والعمل على إرسال وفد إلى البلدان الأسيوية، ووفود متنقلة بين العواصم والمشاركة في التجمعات العالمية والثقافية وتجمعات الطلبة والنقابات، مع الحرص على استخدام وسيلة الدعاية المكتوبة القائمة على وسائل الجبهة الخاصة. واستطاع مؤتمر الصومام تنظيم الثورة الجزائرية، بإيجاد إدارة ومسؤولية جماعية للتسيير، ولم يقتصر التنظيم الذي نتج عن المؤتمر على الجزائر فحسب، بل تعداها إلى الخارج حيث يوجد الجزائريون، فحب الوطن والرغبة في ازدهاره لا يقتصر على مواطني الداخل، بل يستوعب جميع أفراده بما في ذلك الجالية المقيمة في الخارج. ويبرز فاتح زياني الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة باتنة، أن مؤتمر الصومام كان بداية مرحلة حاسمة في تطوّر كفاح الشعب الجزائري من أجل تحقيق استقلاله وحريته، وتظهر أهميته أنه أعطى مفهوما متماسكا للثورة، ومنح الأولوية للعمل السياسي على العسكري، كما أنه أمد الجبهة بهياكل تنظيمية ملائمة لوضع المعركة المسلحة، وحدّد الأهداف والوسائل النضالية. ويلفت الأستاذ زياني إلى أن فكرة عقد مؤتمر للثورة تعود إلى الأيام الأولى، التي سبقت اندلاع الثورة، وبالضبط في الاجتماع الحاسم ل 23 أكتوبر 1954، حينما اتفق قادة الثورة على عقد اجتماع عام مطلع جانفي 1955، ونظرا للظروف الخاصة التي شهدتها الثورة في أيامها الأولى، والتي صعّبت التنسيق والاتصال بين قادة الثورة، واستشهاد واعتقال القادة الرئيسيين للثورة جعل من تجسيد الفكرة أمرا صعبا، وفرض تأجيل الاجتماع لفترة لاحقة. وبعد مرور عامين عن اندلاع الثورة المسلحة، كان على قادة الثورة السياسيين والعسكريين أن يجدوا صيغة تنظيمية تلبّي الحاجيات الحقيقية لمتطلبات المرحلة الحاسمة التي تلت تفجير الثورة، وتستجيب لطبيعة المرحلة على الصعيدين السياسي والعسكري في الداخل الوطني والخارج الدولي، وهكذا عقد في 20 أوت 1956بوادي الصومام في منطقة القبائل الكبرى. وتعود أسباب اختيار العشرين أوت 1956 لعقد المؤتمر، إلى تخليد الذكرى الأولى لهجمات الشمال القسنطيني الخالدة، حيث شكّل مؤتمر الصومام فرصة للإسراع في تدويل القضية الجزائرية أمميا. مؤتمر الصومام.. تكريس وحدة الشعب وفي منظور أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، محمد لحسن زغيدي، فإن مؤتمر الصومام كرس وحدة الشعب والوحدة الترابية للجزائر، ويؤكد: "مؤتمر الصومام أعطانا بلدا وشعبا وأرضا موحدة"، مضيفا أن هذا المؤتمر أعطى الجغرافيا الحالية للبلاد.". وأضاف زغيدي: "بفضل الوحدة الوطنية "استطعنا في ظرف سبع سنوات ونصف من الثورة التحريرية تحقيق المعجزات"، وقال: "المفاوضات خلال اتفاقات إيفيان تمّت وفقا لخارطة طريق مؤتمر الصومام، التي وضعت "شرطًا غير قابل للتفاوض، والمتمثل في الاعتراف بالأمة الجزائرية ووحدة التراب الجزائري برّمته بما في ذلك الصحراء". وعلاوة على توحيد الصفوف خلال الثورة التحريرية، أوصت لوائح مؤتمر الصومام، الجزائر المستقلة بتعزيز الوحدة الوطنية كمبدأ ثوري، تكريسًا للخط الذي سطره نداء الفاتح نوفمبر 1954، الذي اعتبر أنّ الوحدة الوطنية لم تكن فقط مشروعة وإنّما كذلك مسألة حياة ووجود للجزائر". وستظلّ ذكرى 20 أوت على الدوام عنوان وفاء للتضحيات التي قدمها جيل نوفمبر الأبي، وتحفز على استكمال بناء صرح وطن، تكون فيه المبادرة والريادة لبناته وأبنائه الذين ستتعزّز فرص إسهاماتهم بتتويج مسالك التنمية الشاملة. * كمال. ع أرسى اللبنة الأولى لجزائر عصرية ديمقراطية واجتماعية.. مؤتمر الصومام كرّس الوحدة الوطنية أكد المشاركون في يوم علمي حول مؤتمر الصومام (20 أوت 1956) نظم أمس، بتيزي وزو، أن هذا الحدث التاريخي الذي عقد بعد عامين من اندلاع حرب التحرير الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، عمل على تعزيز الوحدة الوطنية. أبرز الجامعيان يوسف ساهل ومزهورة صالحي خلال تنشيطهما لمداخلتين في إطار هذا اللقاء الذي بادرت به الجمعية الثقافية والتاريخية "تاقراولة"، بالمتحف الجهوي للمجاهد، أن "مؤتمر الصومام كرّس الوحدة الوطنية". وأكد الباحث في التاريخ يوسف ساهل بشأن مكاسب ومساهمة هذا المؤتمر المنعقد بايفري أوزلاقن ببجاية، أن هذا الحدث "كرس جبهة التحرير الوطني كوعاء جامع لكل طاقات الثورة عبر أنحاء البلاد ونصب هياكل للتسيير الجماعي وللتنسيق ما بين كل العمليات المنفذة عبر التراب الوطني". كما لاحظ الأستاذ بجامعة مولود معمري أن مؤتمر الصومام "كرّس نظاما وطنيا من خلال توحيد الصفوف والقرارات، إذ اجتمعت مختلف التيارات السياسية ضمن جبهة التحرير الوطني التي نجحت بذلك في توحيد الشعب الجزائري في نضاله التحرري، ليتم بذلك تحقيق خطوة كبيرة ساهمت في توسيع نطاق الثورة بشكل كبير". وأضاف ساهل أن "قرار تحديد الهيئات المسيرة للثورة منح لجبهة التحرير الوطني ولجيش التحرير الوطني قيادة تعكس الوحدة الوطنية التي تكرّست في أرض الواقع". من جهتها، أكدت مزهورة صالحي، المختصة في التاريخ المعاصر بجامعة تيزي وزو، في مداخلتها حول دور المجلس الوطني للثورة الجزائرية المنبثق عن مؤتمر الصومام، أن هذا المجلس "سمح بضمان التنسيق بين مختلف المناطق". وقالت أن مؤتمر الصومام "أعطى دفعة جديدة للثورة من خلال تنسيق العمليات والقرارات"، مشدّدة على الدور الهام للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، الذي ضم لدى إنشائه 17 عضوا دائما و17 بديلا يمثلون مختلف مناطق الجزائر. وأضافت أن المجلس الوطني للثورة الجزائرية "جمع مختلف التيارات السياسية حول هدف واحد، هو استقلال البلاد، مما عزز الوحدة الوطنية". وختمت صالحي محاضرتها بالقول أن "قوة الثورة الجزائرية تمثلت في الحفاظ على الوحدة الوطنية، العرقية والإقليمية، ما ساهم في دحر محاولات الاستعمار الفرنسي لتقسيم الجزائريين". كما أشارت إلى أن مؤتمر الصومام أرسى "اللبنة الأولى لدولة جزائرية عصرية، ديمقراطية واجتماعية". * سليم . ب