كثرت رسائل الود هذه الأيام بين دمشقوواشنطن قد تمهد لأجواء أكثر صفاء في علاقات العاصمتين التي أصابتها العتمة التي بلغت حد سواد افقها منذ بداية سنة 2005. وفي سياق تصريحات مسؤولي هذه العاصمة ورد مسؤولي الأخرى بدأت العلاقات السورية الأمريكية تعرف بعض الليونة بعد سنوات القبضة الحديدية التي وصلت إلى حد التهديد بتعرض سوريا لضربات عسكرية أمريكية والتي أرادها الرئيس الأمريكي المغادر وسيلة في تعامله مع سوريا. ولأن السياسة هي فن الممكن والعداء المطلق ليس أبديا والعلاقات الأخوية أيضا ليست أبدية هي الأخرى، فإن سوريا والولاياتالمتحدة فضلتا هذه المرة تغيير مواقفهما إزاء بعضهما البعض ما دامت المصالح المتبادلة تحتم عليهما ذلك. فقد اقتنعت الولاياتالمتحدة في عهد الرئيس الجديد أنها لا يمكن أن تستغني عن سوريا في منطقة بأهمية الشرق الأوسط كرقم محوري في أية ترتيبات سلام مرتقبة في المنطقة. وفي الجهة المقابلة اقتنعت سوريا أنها لا يمكن أن تبقى دوما في تنافر مع القوة العظمى في العالم حتى وإن أدرجتها ضمن قائمة محور الشر أو قائمة الدول المارقة والداعمة للإرهاب. وانطلاقا من هذه القناعة لم يخف وزير الخارجية السوري وليد المعلم رغبة سورية الملحة لاستقبال الرئيس الأمريكي باراك اوباما في دمشق وقال انه يسعد لرؤيته في العاصمة السورية بقناعة أن الحوار بين قيادتي البلدين ستساهم في إحلال السلم والاستقرار في المنقطة. وجاء رد الفعل السوري ساعات فقط بعد تصريحات للرئيس الأمريكي الذي أكد استعداده لمواصلة التقارب الذي شرع فيه مع دمشق. وحتى وإن لم يشر الرئيس اوباما إلى احتمال قيامه بزيارة إلى العاصمة السورية فإن مسؤول الخارجية السوري استبق الأمر وقال أن بلاده ترحب بالرئيس الأمريكي. والحقيقة أن وليد المعلم لم يكشف جديدا حول الرغبة السورية على اعتبار أن الرئيس بشار الأسد وجه دعوة علنية قبل أيام للرئيس الأمريكي لزيارة بلاده قصد التباحث معه حول قضايا الشرق الأوسط. والمؤكد أن السلطات السورية إن هي عبرت حقيقة عن ترحيبها بزيارة تاريخية لرئيس أمريكي الى دمشق فإنها في المقابل تريد أن تؤكد بطريقة دبلوماسية للولايات المتحدة وكل العالم انها تبقى طرفا محوريا لا يمكن القفز عليه في أية ترتيبات مستقبلية في المنطقة والتأكيد أن لها كلمتها في تحديد معالم خارطة الشرق الأوسطية القادمة. وتدرك واشنطن قبل غيرها مثل هذا الأمر، مما جعلها تغير سياستها باتجاه دمشق وحتم عليها تليين موقفها من خلال زيارات لمسؤولين في الكونغرس ومقربين من الحزب الديمقراطي الذي يقوده الرئيس اوباما ثم زيارة موفده الخاص جورج ميتشل منتصف الشهر الماضي رغم أن هذا الأخير اعتبر أن الوقت لم يحن لزيارة سوريا بمبرر "بقاء عقبات قائمة تشكلها سوريا". وإذا كان اوباما لم يسمّ هذه العقبات فإن الأمر يتعلق أساسا بالنظرة الأمريكية إلى سوريا على أنها دولة داعمة للإرهاب لا لسبب إلا لكونها رفضت تغيير موقفها الداعم للمقاومة في لبنان ومع حركة حماس الفلسطينية واتهامها بغض الطرف عن تسلل عناصر المقاومة إلى داخل العراق لمحاربة القوات الأمريكية هناك. ولكن الإدارة الأمريكيةالجديدة رغم تمسكها بهذه القناعة، إلا أنها لم تغلق باب التقارب كلية في علاقتها مع دمشق ووافقت على تعيين سفير لها في دمشق بعد غياب دام أربع سنوات ويبدو أنها أرادت التعامل مع السلطات السورية بمنطق الخطوة خطوة إلى حين تبيان حقيقة الأوضاع قبل الإقدام على انفتاح تام باتجاه دمشق. والمفارقة أن تعبير السلطات السورية عن رغبتها الملحة لتقارب مع واشنطن جاء في نفس الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير يقوم بزيارة تاريخية إلى دمشق لتأكيد الدور الفرنسي في المنطقة ورغبة من باريس على عدم ترك الساحة أمام الغريم الأمريكي.