أثارت موجة برامج ''الفضفضة ''عبر مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية ردود أفعال متباينة عن الأسباب في وجود هذه الظاهرة التي تتزايد يوما بعد يوم، خاصة في ظل دخول بيزنس شركات الاتصالات التي استغلت أسماء بعض مشاهير الفنانين والمذيعين، فضلا عن قلة من المتخصصين وأساتذة علم النفس لتحقيق مكاسب خيالية.. الأمر إذن تحول إلى مشروع تجاري يهدف للربح، وهو ما يفتح الباب لأسئلة من نوع: ما حدود الفضفضة في ضوء أحكام الشرع؟ وما المباح والمحظور فيما يقال؟ وما خطورة هذه الظاهرة، خاصة على المراهقين والمراهقات، بل الزوجات والأزواج بعد أن فقدت الأسرار خصوصيتها، وتدخلت فيها شخصيات أخرى يفتقد الكثير منهم الأمانة والصدق والخبرة؟. العلماء والفقهاء الذين استطلعت إسلام أون لاين آراءهم أكدوا على أن مثل تلك البرامج '' وسيلة غير شريفة لتحقيق أهداف غير نبيلة، حتى وإن ادعى القائمون عليها أن هدفهم الصلح'' بل ذهب بعضهم إلى إمكانية تعزير الزوج أو الزوجة التي تفشي أسرار الزوجية في مثل تلك البرامج. أسباب نفسية بداية يتعجب الدكتور سيد صبحي -أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس- من هذه الموجة من ''برامج البيزنس المعروفة باسم الفضفضة، والتي هي أقرب إلى جلسة اعتراف تؤدي إلى تقليل التوتر النفسي نسبيا، ولكن بشرط افتراضنا أن من يرد على صاحب المشكلة ناصح أمين، ولديه من الخبرة ما يؤهله للمساعدة في المشكلات مثل الأطباء النفسيين..'' ويستدرك صبحي قائلا: ''لكن المحظور أن يتم فضح الأسرار، سواء بينه وبين صاحب المشكلة، أو على الهواء، وعلى مرأى ومسمع من الملايين، مشيرا إلى وجود حل بسيط دعت إليه بعض الدراسات النفسية، ويصل بصاحب المشكلة لذات النتيجة وبدون هتك لأسراره الشخصية، وهو أن يلجأ من يعاني مشكلة ما إلى كتابة ما يعانيه بصفة شخصية، فهذا يؤدي إلى تقليل التوتر والقلق ويقوي جهاز المناعة في الجسم.'' ويرجع سبب كثرة هذه البرامج إلى التفكك الأسري وافتقاد أعضائها إلى الترابط والدفء العاطفي، حيث طغت الماديات على حياتنا، وغلبت الأنانية على واقعنا؛ مما يجعل الإنسان لا يجد من يساعده على حل مشاكله، سواء منها ما يتعلق بالبطالة، أو العنوسة، أو الطلاق، أو المشكلات الزوجية، أو الجفاء العاطفي، ووجود المثيرات الإعلامية والإعلانية. كل هذه الأمور _حسب صبحي_ ضاعفت من المشكلات النفسية التي يعاني منها الإنسان الآن في ظل ثورة الاتصالات، وتراجع دور الأسرة، ووجود مؤسسات بديلة تمد يدها لمن يعاني المشكلات النفسية، ومنها برامج الفضفضة التي تضر أكثر مما تفيد، إذا افتقدت إلى الأسس الأخلاقية، والضوابط الشرعية.'' المشارك آثم وعن حكم الشرع في الفضفضة وحدودها يؤكد الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق أن الإسلام عمل على حفظ الأسرار بوجه عام، والأسرار الزوجية بوجه خاص، حتى تستقر الحياة الطيبة التي أرادها الله لنا، حيث قال سبحانه {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}، مؤكدا أن ''من أهم سمات هذه الحياة الطيبة البعد عن إفشاء الأسرار حتى للأقارب والمقربين، فما بالنا بمن ليس له صلة بصاحب السر..'' وأضاف '' هذا مخالف للشرع، وكل من يشارك في هذه المهزلة التي تكشف فيها الأسرار، وتنتهك فيها الأعراض، وتكثر فيها الغيبة والنميمة آثم شرعا، وأولى بأصحاب المشاكل أن يعملوا على حل مشكلاتهم بأنفسهم عن طريق تصحيح الأخطاء؛ لأن سنة الله في خلقه أوضحها في قوله تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}''. فيما اعتبر الدكتور محمد المسير -أستاذ العقيدة الفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر- مثل تلك البرامج وسيلة غير شريفة لتحقيق أهداف غير نبيلة، حتى وإن ادعى القائمون عليها أن هدفهم الصلح، مؤكدا وجهة نظره بقوله '' وإلا لما جعلوا سعر هذه الاتصالات أضعاف سعر المكالمات العادية، ولماذا يتم كشف الأسرار على الهواء ليعلمها الملايين الذين لا علاقة لهم بصاحب المشكلة، أضف إلى ذلك أن غالبية المشاركات في تلك البرامج والاتصالات من النساء، وهذا يتنافى مع أخلاق الصالحات اللائي وصفهن الله بقوله {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}.. وتابع: ''وهذا ما يوضحه الحديث الذي روته أسماء بنت يزيد من أن النبي صلى الله عليه وسلم حين كان جالسا مع مجموعة من الصحابة والصحابيات، وقال: ''لعل رجلا يقول ما يفعله بأهله، ولعل امرأة تخبر ما فعلت مع زوجها.. فأرم القوم -أي سكتوا ولم يجيبوا- فقالت أسماء فقلت: أي والله يا رسول الله إنهن يفعلن، وإنهم ليفعلون، فقال رسول الله: فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون''. التنشئة وثقافة العفة أما الدكتورة سعاد صالح -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- فترجع أسباب تفشي الظاهرة إلى عامل التنشئة الاجتماعية، موضحة أن التنشئة الصحيحة القائمة على أن الحياء شعبة من الإيمان تمنع الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة من البوح بأسرارهما، أو حتى أسرار الآخرين، ومن المعروف أن خروج سر الإنسان منه، لم يصبح سرا، وقد لخص القرآن طبيعة العلاقة الزوجية أبلغ وصف حين قال سبحانه {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، ولنا أن نتأمل معنى اللباس الذي من أهم صفاته الستر..وبالتالي تخلص د. سعاد إلى أن ''إفشاء أي من الزوجين لأسرارهما يعد جريمة يحرمها الشرع، بل ويمكن تعذير من يتجرأ، أو تتجرأ بكشف هذه الأسرار الحصينة؛ لأن الطرف المفشي للسر لم يلتزم بالتوجيه النبوي ''من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت''. وحذرت د. سعاد من أن برامج الفضفضة قد تتسبب في تخريب كثير من البيوت، خاصة إن تطورت العلاقة بين الطرفين إلى استلطاف أو تعاطف يفضي إلى مشاعر عاطفية، وقد يتطور الأمر إلى لقاءت تحدث فيها مخالفات شرعية، والقاعدة الشرعية ''كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام''. ولمواجهة تلك الظاهرة دعت الدكتورة عبلة الكحلاوي -الأستاذة بجامعة الأزهر- إلى إحياء ثقافة العفة والحياء، وأن يكون لكل إنسان صديق صدوق يلمس فيه الصدق والأمانة، ويلجأ إلى مشورته في أضيق الحدود، وفي المشكلات العامة، بعيدا عن الأسرار الزوجية التي هي أخطر على أمن واستقرار المجتمع من الأسرار العسكرية؛ لأنها تؤدي إلى تدمير القيم والأخلاق، وتساعد على إشاعة الفاحشة، خاصة أن من يقوم بالفضفضة يتحدث بإسهاب، وعلى المكشوف؛ لأنه يعلم أن الطرف الآخر لا يعرفه، وقد عد العلماء، ومنهم الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي، إفشاء هذه الأسرار من الكبائر. وناشدت د. عبلة من يعانون من مشكلات لا يقدرون على حلها إلى الصبر على الطرف الآخر، خاصة إذا كان الزوج أو الزوجة قائلة: ''إنني أنصح كلا منهما أن يطيع الله في الآخر، حتى وإن عصى الله فيه، فهذا خلق إسلامي عظيم، يساعد على استقرار الأسر، وحل مشاكلها، وهذا ليس من عندي، ولكنه وعد إلهي، حيث يقول سبحانه: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}.