يبرز اتفاق الهدنة المتوصل إليه بين حركة المقاومة الاسلامية "حماس" وإدارة الكيان الصهيوني، نصرا واضحا يحسب ل"حماس" التي أجبرت الاحتلال الصهيوني، بكل ما يملكه من جيش مزود بعتاد عسكري ولوجيستي متطور ودعم غربي لا متناه، على الرضوخ لشروطها والقبول بها مرغما غير مخير تحت ضغط مقاومة شرسة كبّدته خسار بشرية ومادية فادحة. فبعد 47 يوما من العدوان الصهيوني الجائر على قطاع غزة الذي خلف أكثر من 14 ألف شهيد، وألحق دمارا وخرابا هائلين بهذا الجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، جاء الإعلان الرسمي أمس، من أكثر من جهة على التوصل الى اتفاق لهدنة مؤقتة بين "حماس" والكيان الصهيوني بوساطة قطرية – مصرية، يتضمن وقفا مؤقتا لإطلاق النار لأربعة أيام وصفقة لتبادل الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية والوقود إلى القطاع المنكوب. فمن الدوحة والقاهرة الوسيطتين بين حماس وحكومة الاحتلال، وصولا إلى واشنطن، جاء الإعلان الرسمي على اتفاق هدنة مؤقتة في القطاع، يفترض أن تدخل حيز التنفيذ بداية من اليوم الخميس، ليسمح لسكان غزة المحاصرين منذ أكثر من شهر ونصف الشهر بالقصف والتجويع والتشريد من استرجاع أنفاسهم ولو لأيام معدودات. وأعلنت حركة "حماس" في بيان لها أمس، عن بنود الاتفاق المتوصل إليه بعد مفاوضات صعبة ومعقّدة دامت لأيام طويلة. وقالت إنه "إتفاق لهدنة إنسانية يتضمن وقف إطلاق نار مؤقت لمدة أربعة أيام وتم بجهود قطرية ومصرية وصفتها ب"الحثيثة والمقدرة". ويتضمن الاتفاق حسب بيان "حماس" وقفا لإطلاق النار من الطرفين ووقفا كل الأعمال العسكرية لجيش الاحتلال في كافة مناطق قطاع غزّة ووقف حركة آلياته العسكرية المتوغلة في القطاع. كما يتضمن إدخال مئات الشاحنات الخاصة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود إلى كل مناطق القطاع دون استثناء شمالا وجنوبا. ومن بين أهم بنود الاتفاق أيضا إطلاق سراح 50 من محتجزي الاحتلال من النساء والأطفال دون سن ال19 عاما، مقابل الإفراج عن 150 من النساء والأطفال دون سن ال19 عاما الأسرى في معتقلات الاحتلال حسب الأقدمية. وفي حين أوضح البيان، أنه سيتم وقف حركة الطيران في الشمال من الساعة العاشرة صباحا الى الرابعة مساء، أكد أيضا على أن الاحتلال ملزم بعدم التعرض لأحد أو اعتقال أحد في كل مناطق قطاع غزة، مع ضمان حرية حركة تنقل السكان من الشمال إلى الجنوب على طول شارع صلاح الدين. وأكدت "حماس" أن بنود هذا الاتفاق صيغت وفق رؤية المقاومة ومحدداتها التي تهدف إلى خدمة الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده في مواجهة العدوان الصهيوني، مشددة على أن عينها على تضحياته ومعاناته وهمومه وأنها أدارت تلك المفاوضات من موقع الثبات والقوة في الميدان رغم محاولات الاحتلال تطويل أمد المفاوضات والمماطلة فيها. كما شددت الحركة على أنها في الوقت الذي تعلن فيه التوصل إلى اتفاق الهدنة، تؤكد أيضا أن أيديها ستبقى على الزناد وكتائبها ستبقى بالمرصاد للدفاع عن شعبها ودحر الاحتلال وعدوانه. وختمت بيانها بوعد الشعب الفلسطيني بأنها ستبقى وفية لدمائه وتضحياته وصبره ورباطه وتطلعاته في التحرير والحرية واستعادة الحقوق، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس. في سياق متصل أكد القيادي بحركة "حماس"، موسى أبو مرزوق، في تصريحات صحفية أمس، أن المحتجزين ال50 الذين سيفرج عنهم أغلبهم يحملون الجنسيات الأجنبية، مشيرا إلى أنه سيتم تحرير ثلاثة أسرى فلسطينيين مقابل كل رهينة لدى "حماس". وطمأن كل الأسرى الفلسطينيين الذين يعدون بالألاف في معتقلات الاحتلال بأنه سيتم تحريرهم". وكانت دولة قطر أعلنت أمس، نجاح جهود الوساطة المشتركة مع مصر والولايات المتحدة، وأسفرت عن اتفاق الهدنة الإنسانية المؤقتة، مؤكدة استمرار مساعيها الدبلوماسية لخفض التصعيد وحقن الدماء وحماية المدنيين. وجاء الإعلان عن هذا الاتفاق بعد مصادقة حكومة الاحتلال بعد مناقشات دامت ست ساعات ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، على اتفاق الهدنة المؤقتة "مجبرة وليس مخيرة" بعد أن فشل جيشها بعد 47 يوما من العدوان الهمجي على القطاع من القضاء على حركة "حماس" وعناصر المقاومة الفلسطينية، مثلما كما كان يتوعد ويروج له لتبرير ما اقترفه من جرائم وحشية يندى لها جبين الإنسانية في حق سكان غزّة، ما دفع عضو الكنيست الصهيوني غوتليب، إلى القول إن "حماس جعلتهم يركعون على ركبهم وهذا عار"، مشيرا إلى أن وعيد المتحدث باسم "كتائب القسام"، أبو عبيدة، تحقق في إشارة إلى قول أبوعبيدة، عند إعلانه إطلاق عملية "طوفان الأقصى" في السابع أكتوبر الماضي، "نبشر نتانياهو وأركان حربه وقيادة جيشه بأنهم سيجثون على الركب في نهاية هذه المعركة". ويضاف إلى الفشل الميداني لجيش الاحتلال، ضغط عائلات الأسرى التي حمّلت رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو مسؤولية تحرير أبنائها، ومارست ضغوطات رهيبة على حكومته لحملها على قبول الصفقة مهمها كان ثمنها لأن المهم لديها هو عودة أبنائها سالمين. ونشرت وزارة العدل للكيان الصهيوني أمس، قائمة بأسماء 300 أسير فلسطيني قالت إنه من الممكن الإفراج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى مع "حماس"، في إجراء أكدت أطراف فلسطينية، أن الهدف منه قد يكون السماح ببحث أي عوائق قانونية قد ترد في اللحظات الأخيرة. ترحيب دولي واسع بالهدنة الإنسانية حظي اتفاق الهدنة الإنسانية المؤقتة المعلن بين "حماس" والكيان الصهيوني بترحيب دولي واسع، حيث رأت فيه عدة أطراف أنه بداية للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم. فبينما وصف رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتانياهو، الاتفاق بأنه "قرار صائب" راح وزير دفاعه، يوآف غالنت، يقول إنه "لا يعني نهاية "الحرب" في غزّة وسيعود جيش الاحتلال ليضرب بقوة إلى غاية تحرير كل الرهائن"، وهو الذي لم يتمكن باستثناء قتل المدنيين العزّل وتدمير مبانيهم ومنشآتهم من تحرير ولو رهينة واحدة، ولا حتى التخفيف من حدة ضربات المقاومة التي بقيت بنفس الوتيرة وفي بعض الأحيان أكثر في معاركها مع قواته. من جانبه رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادة الفلسطينية بالاتفاق، وجددوا الدعوة للوقف الشامل للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني. أما الرئيس الأمريكي، جو بايدن، فقال إنه "راض للغاية" لأن "العديد من هذه النفوس الشجاعة... سيتم لم شملها مع عائلاتها بمجرد تنفيذ هذا الاتفاق بالكامل". وفيما وصفت لندن الاتفاق بأنه "مرحلة حاسمة" من أجل التخفيف عن معاناة عائلات الأسرى، واحتواء الأزمة الإنسانية في غزّة، داعية كل الأطراف للسهر على احترام كل بنوده، كما رحبت برلين بما قالت إنه "تقدم" يجب استخدامه لتقديم المساعدات الحيوية للسكان". وحيت باريس جهود قطر في التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، معربة عن أملها في أن يتضمن الإفراج عن الأسرى من حاملي الجنسية الفرنسية، بينما عبّرت بيكين عن أملها في أن يقود الاتفاق إلى تخفيف في التصعيد وفي حدة الأزمة الإنسانية المتفاقمة بشكل غير مسبوق في قطاع غزّة. ونفس الموقف أعربت عنه موسكو التي قالت إنه "تماما ما كانت تطالب به منذ بداية تصعيد الصراع". وبالنسبة للأمم المتحدة، فإن الاتفاق يعتبر "خطوة هامة في الاتجاه الصحيح.. ولكن لا يزال الكثير ينبغي فعله"، مشددة على أنها لن تدّخر جهدا لتطبيقه الكامل في الميدان. غارات وقصف مكثف يشنّه الطيران الحربي على مدينة رفح عشية دخول الهدنة حيز التنفيذ.. مجازر جديدة للاحتلال الصهيوني في غزة ❊ السلطات الفلسطينية تطالب بتعجيل توفير الوقود والمستلزمات الطبية ❊ 160 عامل في مجال الرعاية الصحية استشهدوا أثناء الخدمة يسعى الاحتلال الصهيوني لانتهاز كل لحظة ودقيقة لمواصلة عدوانه الجائر على قطاع غزة حتى قبل ساعات قليلة من دخول الهدنة الإنسانية المؤقتة المعلن عنها حيز التنفيذ بداية من اليوم، من خلال مواصلة عمليات قصف المباني السكنية ومحاصرة المستشفيات، وهو ما خلف سقوط مزيد من الضحايا بين شهداء وجرحى ومفقودين تحت الأنقاض. ففي الساعات الأولى من صباح أمس، اقترفت قوات الاحتلال مجزرة جديدة بقصف طيرانها الحربي لمنزل في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة راح ضحيتها تسعة شهداء على الأقل من بينهم أطفال. وفي مخيم جباليا شمال قطاع غزة، كانت قوات الاحتلال قد ارتكبت مجزرة فجر أمس، أسفرت عن استشهاد أكثر من 60 فلسطينيا، بينما شنّ طيرانها الحربي غارات على مدينة رفح الواقعة إلى جنوب القطاع واستهدفت منزلا في خان يونس. ومع استمرار القصف الصهيوني أمس على المنازل والمباني السكنية، تواصل قوات الاحتلال حصارها واستهدافها للمستشفيات خاصة المستشفى الاندونيسي وكمال عدوان، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة عن إخراج 450 من المرضى والجرحى من المستشفى الاندونيسي الى جنوب القطاع، مع احتجاز الاحتلال لحوالي 130 من جثث الشهداء واعتقاله ل30 جريحا أثناء خروجهم من المشفى أطلق بعدها 20 منهم. وكشفت تقارير إعلامية محلية، أمس، عن اعتلاء جنود الاحتلال أبراج سكنية في محيط زايد مقابل المستشفى الاندونيسي وأطلقوا النار باتجاه الاهالي في مشروع بيت لاهيا ومحيطها شمال غزة، وهو ما رفع حصيلة الضحايا في اليوم 47 من العدوان الصهيوني إلى 14 ألف و532 شهيد من بينهم أكثر من 6 آلاف طفل و4 آلاف امرأة، بينما تجاوز عدد الجرحى عتبة 35 ألف مصاب. وعلى إثر استمرار تفاقم الوضع، طالبت السلطات الفلسطينية في غزة بالتعجيل في توفير الوقود اللازم والمستلزمات الطبية وإمداد جميع محافظات قطاع غزة بالمواد الغذائية الاساسية لتجنب وقوع مجاعة أو أي كارثة انسانية. كما طالبت في بيان للمكتب الإعلامي ب "إمداد جميع المستشفيات في محافظات قطاع غزة بالمستلزمات الطبية اللازمة لإعادة تشغيل 26 مستشفى وعشرات المراكز الطبية التي أخرجها جيش الاحتلال عن الخدمة منذ بدء الحرب العدوانية الوحشية على غزة لإعادة تشغيل هذه المستشفيات وتقديم الخدمة الطبية والصحية وتشغيل غرف العمليات لإنقاذ عشرات آلاف الجرحى والمرضى والأطفال الخدج". وشدّد المكتب الإعلامي على "ضرورة إمداد جميع محافظات قطاع غزة بالمواد الغذائية الأساسية وتسيير قوافل الإمدادات الإغاثية العاجلة وضمان تشغيل المخابز والأسواق والمحال التجارية في اطار تجنب وقوع مجاعة أو أي كارثة إنسانية". وفي انتظار ما يمكن أن تحققه الهدنة للتقليل من معاناة السكان في غزة، أكدت منظمة الصحة العالمية أمس إجراء عديد العمليات الجراحية في مستشفيات قطاع غزة وخاصة في الشمال دون تخدير بما في ذلك بتر الأطراف وعمليات قيصرية نظرا للاعتداء الدموي الذي يتعرض له القطاع وفي ظل الحصار الخانق وعدم دخول المواد الطبية وخاصة مواد التخدير المستخدمة لإجراء العمليات، وقالت في بيان لها أن 160 من العاملين في مجال الرعاية الصحية لقوا حتفهم أثناء الخدمة في غزة بسبب العدوان الصهيوني المتواصل على القطاع. من جانبها روت المديرة التنفيذية لمنظمة الأممالمتحدة للطفولة "يونسيف"، كاثرين راسل، في إحاطة قدمتها أمس أمام أعضاء مجلس الامن الدولي، ما رأته أثناء زيارتها لجنوبغزة من أطفالا في الحضانات يصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة في ظروف قاسية. وحذرت مسؤولة اليونسيف من أن قطاع غزة أصبح من أكثر المناطق خطورة في العالم على الأطفال وقد استشهد منهم 5840 طفل في ظرف 46 يوما، موضحة أن أكثر من نصف الاطفال في غزة في حاجة الى رعاية صحيو نفسية، بينما يعاني مليون طفل هناك من أزمة كارثية تتعلق بالأمن الغذائي. تصعيد صهيوني جديد في الضفة الغربية وتوسع العدوان الصهيوني ليشمل الضفة الغربية على اثر استهداف طائرة مسيرة تابعة لجيش الاحتلال الصهيوني، فجر أمس ، منزلا في مخيم طولكرم، بما أسفر عن إصابة ثلاثة شبان فلسطينيين على الأقل وسط أنباء عن ارتقاء شهداء. وأفادت مصادر محلية، بأن مسيرة للاحتلال قصفت بصاروخين منزلا في حارة "البلاونة" بمخيم طولكرم، حيث جرى إخراج ثلاثة مصابين، فيما لا يزال آخرون تحت الأنقاض بين شهيد وجريح. في غضون ذلك، طوّقت قوات الاحتلال مستشفى الشهيد "ثابت ثابت" الحكومي في مدينة طولكرم بواسطة آلياتها العسكرية بما أعاق وصول المصابين لتلقي العلاج. كما عمد جيش الاحتلال إلى ملاحقة سيارات الإسعاف وعرقل عملها ومنعها من التحرك بحرية. وتأتي هذه التطوّرات بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال، منتصف ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء مدينة ومخيم طولكرم وسط اندلاع مواجهات ونشرت قناصتها على أسطح عدة بنايات في المنطقة بالتزامن مع تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع في سماء المدينة وضواحيها ومخيماتها، لتعلن في وقت لاحق مخيم طولكرم والمناطق المحيطة به مناطق عسكرية ومنعت التجول فيها.