صدر للطبيب الكاتب محمود عروة مجموعة قصصية تحت عنوان "مثل بومرنغ" عن سلسلة سيتال لمنشورات ألفا. القصة الأولى حملت عنوان المجموعة "مثل بومرنغ" ويقصد بمورنغ الذي هو في الأصل لعبة خشبية ترمى فتعود إلى نقطة رميها، كل فعل يعود إلى صاحبه بنتائج معكوسة، وتحكي القصة الأولى حكاية حب انطفأت بحماقة رجل، اختار أن لا يقاوم فخسر حبيبته إلى الأبد وها هو اليوم بعد ثلاثين سنة يلتقي بحبيبته الأولى والسابقة وتعود به الأيام إلى ذاك الزمن الذي التقى فيه بوردة، حينما كان طالبا يهم في الإعداد لبحثه حول الفن التشكيلي السريالي وحيث كانت هي طالبة مهتمة بهذا التيار فكانت المساعدة له وهكذا بدأت تنمو زهرة الحب بينهما وسرعان ما توقف هذا النمو بإعلان وردة لصديقها مراد أنها مخطوبة لقريبها المغترب وأنها مستعدة أن توقف هذه العلاقة بل الخطوبة إذا وعدها بأن يخطبها، فكيف كانت ردة فعله؟ رفض مراد طلب حبيبته بحجة أنه ما يزال طالبا، لم يقاوم وفضل الاستسلام بل الخنوع ومن ثم تزوجت وردة بقريبها وواصل هو حياته، ليتزوج بدوره وينجب طفلا ومن ثم يطلق ويلتقي بعد ثلاثين سنة بحبيبة قلبه وردة المتزوجة وأم لطفلين. كان اللقاء بينهما مليئا بذكريات الماضي الدفينة، نعم لم يشأ ولم تشأ إحياءها وكأنها لم تكن أبد في الوجود، وفجأة تعود هذه الذكريات لتفرض نفسها بقوة ولكن بعد ماذا؟ هل عاد الحب ولكن هل انطفأ حقا؟، وتعود وردة أستاذة الفن التشكيلي، التي عاشت حياة رتيبة مع زوجها إلى هذه الذكريات فيخفق قلبها من جديد، ذاك الذي أحب يوما رجلا لم يكن في مقامه، وتأتي المخاوف من كل جانب، هي لا تريد أن تحب رجلا وهي متزوجة فلا يمكن لها وهي أم لبالغين أن تحب من جديد أم من قديم؟وماذا عنه هو الذي عاش حياة زوجية تعيسة تكللت بالطلاق، هل يحق له وهو الذي تخلى عن حب حقيقي أن يعاود حتى التفكير فيه؟ ويتحول مراد الأستاذ الجامعي إلى رجل مطافئ ليطفئ جذوة الحب الجديد القديم من جديد وعذره هذه المرة أن حبيبته متزوجة وأنها على الأقل مستقرة، ويزيد من حجم أعذاره حينما يؤكد لنفسه أنه تركها حتما ولكنها تعيش مع زوج مليح ولها طفلين في غاية الصحة والجمال والأخلاق، فهل هو على حق هذه المرة؟ القصة الثانية "رجل على الشرفة" حملت طابع السوسبانس، وتحكي قصة رجل كان يطل من على الشرفة ويرى شبحا أو مخلوقا غريبا يعلن له نهايته غدا التي ستكون على طبق، وأمام هذا الإعلان المرعب يصاب صاحبنا الأستاذ الباحث المرموق برعب شديد، فهل سيقبع في بيته ينتظر الموت أم أنه يشارك في الملتقى الدولي للأدوية الذي تحتضنه البلد، ويقرر الخروج من بيته نحو الفندق الذي يحتضن الملتقى وهناك يلتقي بممثلة عن شركة أدوية أجنبية ويتبادلان الحديث ولكن فكرة نهايته اليوم لا تبارح فكره فيقرر العودة إلى دياره والتخلي عن هذه الصديقة التي كادت تصبح حبيبة، ولم لا ونظرات الإعجاب نمت بينهما وهو الأعزب الكهل الذي عاش حياته كلها في الوحدة،لا هو الآن لا يفكر في الحب، كيف يفكر في الحب والموت يترصده في كل مكان وماذا لو كانت نهايته على يدي هذه الأجنبية؟ ويعود إلى داره مرتقبا كل جديد قد يؤدي إلى موته، ويحاول دخول بيته فيجد جارته الشابة بالقرب من عتبة داره وتسأله عن حاله خاصة مع وجهه المصفر فيخبرها انه بخير إلا أنها تصر على أن تحضر له القهوة فيقبل وها هي قادمة بسينية قهوة وهاهو يشرب القهوة ولكن لم يشعر بالدوران والغثيان إلى درجة الهلاك! نعم فقد وضعت له الجارة حبتي أسبرين داخل القهوة رثاء لحاله أما صاحبنا فهو بكل بساطة يملك حساسية كبيرة ضد الأسبرين، فيموت مهري بميتة جاءته في طبق، فهل يمكن أن يهرب المرء من قدره؟ القصة الثالثة: "رسمت في الرمل"، تحكي عن شلة صبيان حسين وإبراهيم وسفيان، يقضون معظم أوقاتهم معا وبالأخص أوقات العطل في سنوات الستينات، وذات يوم تلتقي الشلة بعائلة بن شيطور في البحر وهي من معارف سفيان، وتكبر الشلة بناديا وأختها الصغرى بنتي العائلة، وتقترب ناديا من حسين ويتقاسمان الألعاب والحكايا ليأتي اليوم الذي يفترق فيه الصديقان أو الحبيبان؟لقد تواعدا بالمراسلة وأن يظلا دائما على اتصال ولكن تنطفئ هذه الوعود مع الزمن ، من سنة1965. استعمل الكاتب في قصته الأولى عامل الزمن بطريقة الفلاش باك،أما في القصة الثالثة فقد عاد إلى سنوات الستينات كما اعتمد في هاتين القصتين وبالأخص في الأولى على الحب الضائع باستسلام المحب وعدم تمسكه به عاكسا بذلك أساطير وحكايا زمان حينما كان المحب يقاوم الديناصورات والغيلان والرجال والعادات والتقاليد لأجل حبيبته، ولكن يبدو أنها مجرد حكايات وأساطير من زمن بعيد جداجدا. بومرنغ أو حين يعود فعل أو قول شخص بالضرر إليه، أو حتى حين يتخلى المحب عن حبيبته ويفقد بذلك حب حياته إلى الأبد، فما ينفع ندم ولا حسرة أبدا. للإشارة محمود عروة طبيب مخدر له العديد من المقالات والمحاضرات الطبية له مجموعة شعرية تحت عنوان "نافذة على الأحلام".