لم يعد البحث في الأدب الشعبي الجزائري ينحصر في الشعر، وإنما أصبحت القصة الشعبية تشغل بال الكثير لجمعها والتأسيس عليها، بغية تسطير أدب جزائري يتميز بكل مقوماته وخصائصه، وقد صدرت مؤخرا مجموعة قصصية شعبية جزائرية في إطار "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" عن مشورات "الشهاب" تحت عنوان "قصص شعبية جزائرية"للأستاذ هاشمي سعيد تحتوي على 19 قصة شعبية· القصص الشعبي هو قبل كل شيء قصص إنساني مشترك بين أبناء البشر، تلتقي موضوعاته وتتقاطع حسب عادات وأعراف وعقائد المجتمعات التي تشترك في انتاج هذا الأدب مثل بقرة اليتامى، التي تعد قصة شعبية إنسانية اخترقت الحدود من آسيا الى إفريقيا وأوروبا وربما نجدها أيضا في امريكا عند الهنود الحمر، 19 قصة شعبية احتوى عليها الكتاب ومن خلال عناوينها تعيد لنا ذاكرة الجدة وموقد النار وليالي الشتاء الباردة والحكاية أو القصة أو المحاجية الشعبية والقصة الشعبية، يتم تأثيثها من الخيال الساذج والبسيط، وهي تعتمد التشويق والرعب والصراع بين الشر والخير، وكثيرا ما يكون أبطالها نساء ضرات وربائب مثل القصة الأولى، التي عنونها الأستاذ هاشمي سعيد الطائر الغريد، وفي بعض الاماكن الأخرى تعرف ب الطير الغناي، وأيضا نجد في هذه القصص شخصية الغول والغولة، والحيوانات الناطقة والذكية، والسحر وغيرها مما يزخر به القصص الشعبي الجزائري وغير الجزائري، كما نجد في هذا القصص الرحلات، خصوصا الى البقاع المقدسة، وتتردد كلمة سلطان وتبقى ملازمة للقصة الشعبية وكثيرا أيضا ما تختلط بحكايات ألف ليلة وليلة· القصة الثانية في هذه المجموعة القصصية الشعبية، تحمل عنوان تذكر يا حمام والزهر المشتعل ولونجا، وهذه الشخصية تتكرر كثيرا في القصص الشعبي وتشبه شخصية شهرزاد في ألف ليلة وليلة لتكرارها لونجة بنت السلطان، أو بنت الغول لونجا دائما الفتاة الجميلة والبطلة في القصص الشعبي، كما يحتوي العدد على قصة تحت عنوان سانطا وقصة امقيدش الأكثر انتشارا في القصص الشعبي واحديدوان، وتحتوي المجموعة ايضا على قصة تحت عنوان ابن الأخيرة وبقرة اليتامى وتسعة وتسعون أخا وغصن الوحوش والحطاب والغيلان والفستان الراقص وعلى الثعبان، والحبة الناطقة وصاحب اللباس الابيض وهارون الرشيد وفي بعض الحكايات الأقرع أبو كريشة، وأيضا نجد في المجموعة قصة أعياش وأولاش والذئب وأخيرا حكمة القنفذ، هذه هي القصص التي احتوتها المجموعة، ولا ننسى ان الأدب الشعبي أضحى علما قائما بنفسه يدرس في أكبر الجامعات وتقدم فيه رسائل دكتوراه دولة، ولهذا ينبغي دراسته، فهو مرآة اجتماعية تعكس التجارب الإنسانية التي تكتسبها المجتمعات عبر مراحل تطورها وتعكس تفكيرها وانتاجها الادبي وتطورها الاجتماعي، ومن هنا نستطيع القول ان لهذا الأدب مدلولاته الثقافية والسياسية، وهو يترجم بصدق المجتمعات ويعكس لنا صورا من الظروف والمراحل التي عرفتها، فلا تأتي شخصية الغول والثعبان والذئب والضرة والوحش اعتباطا، بل لها مدلولاتها وإن تحولت في أدبنا رمزا يختبئ وراءه القاص الشعبي ليعبر عن مكنوناته ووجدانه· المجموعة القصصية الشعبية هذه والتي دارت على 153 صفحة زائد المقدمة من القطع العادي، رائعة ومثيرة وبأسلوب بسيط سردي يجعل القارئ يحس انه يستمع إلى الماضي البعيد الذي صنعه الآباء والأجداد أمام موقد النار وليالي الشتاء، وقد صدق كاتب هذه القصص الأستاذ هاشمي سعيد حين قال: تجول بنا الحكايات في عالم يمتزج فيه الخيال بالواقع، وتتفاعل فيه الكائنات الخرافية بشخصيات حقيقية لتعبر عن الطبيعة البشرية والمعاني الانسانية·