تناولت ندوة "كتاباتنا حول نوفمبر 1954" ضمن برنامج "سيلا"، أول أمس، مسألة إنتاج المعرفة في مجال التاريخ من حيث الكم والنوع والإشكاليات المطروحة في البحث، وكذا مسألة الأرشيف، والتكوين في المناهج، مع تداول المعرفة الأكاديمية ضمن الجماعة العلمية المختصة، وطرح مسألة تكوين المؤرخين الشباب وضرورة التفرقة في ذلك بين التاريخ والذاكرة. أشار البروفيسور فؤاد سوفي، إلى أن الحديث عن تاريخنا، خاصة منه تاريخ الثورة، يتطلب عدة مسائل، منها وجود مجلات وإعلام تاريخي وهو أمر مفقود، كذلك محدودية الولوج للأرشيف الوطني، رغم وجود قانون يسمح بذلك، بالتالي يضطر بعض الباحثين إلى اللجوء لأرشيف العدو، زد على ذلك، أن الكتب التاريخية (وليس المذكرات) قليلة، عكس الضفة الأخرى، التي كتبت عن هذا التاريخ، كما أن تاريخنا لا يزال يعاني من مناطق ظل، منها مثلا معركة الجزائر، واستشهاد علي شريف، وعملية وضع قنبلة في طائرة فرنسية، وقتل الدكتور بن زرجب (دفن ليلا خوفا من ردة الفعل)، وما سببه ذلك بعد يومين من مظاهرات عارمة بتلمسان، ثم بوهران، قُتل فيها جزائريون وتكاد هذه الأحداث وغيرها مع الزمن، أن تنسى، بالتالي تمحى. أكد المتدخل أن ثمة تاريخا عاما يسمى "وطني"، وهناك تاريخ محلي خاص بحي أو قرية، رغم أن صحفيا أمريكيا قال، إن فرقعة في العاصمة أكثر دويا من قنبلة في قرية أو مدينة داخلية جزائرية، لكن ذلك لا يمنع، حسب سوفي، من أنه يجب علينا تجاوز العاصمة نحو مدن أخرى، مثمنا جهود الصحفيين الذين أرخوا لهذه المناطق، لسد غياب المؤرخين. كما دعا المحاضر إلى تجاوز خطر التفرقة في التأريخ وفي الشهادات، بمعنى إقصاء الآخر من شخصيات أو مناطق أو أحداث وغيرها. أما الدكتور عمار محند أعمر، من وهران، فتساءل عن حال البحث العلمي التاريخي بعد 70 سنة من الثورة، مستعرضا بعض ما تحقق، خاصة بعد سنة 1988، محذرا من إغلاق الأرشيف أمام الباحثين، كي لا يكتب تاريخ الثورة في الخارج. كما أشار إلى أننا لا زلنا لا نعرف الكثير عن تاريخ الثورة، خاصة في بداياتها، وأن قلة الدراسات أحيانا، كان نتيجة قلة المصادر، وفيما سبق، كان وراءه دوافع سياسية، داعيا إلى إبعاد الشعارات عن كتابة التاريخ والالتزام بالواقعية والجدية والموضوعية، والابتعاد عن التاريخ الملحمي والاقتصار على الأحداث والشخصيات الكبرى. بدوره، تحدث الدكتور مصطفى السعداوي، من جامعة البويرة، عن التاريخ الذي صنعه الجزائريون ولم يكتبوه، عكس أمم أخرى لم تصنع التاريخ، لكن تحسن كتابته، ثم قارن ما تنتجه الضفة الأخرى من كتابات عن الثورة وما ينتجه الجزائريون، مشيرا إلى أن تخصص الثورة في الجامعة لم يفتح إلا في سنة 1991، ليبلغ عدد الرسائل الجامعية سنة 2012 حوالي 300 رسالة لما بعد التدرج، أغلبها تناولت المفاوضات والمعارك والتسليح ومؤتمر الصومام وغيرها، أي التاريخ الحدثي، وكانت عبارة عن معالجة موضوعات وليس إشكاليات بحثية، معلقا "شتان بين المعرفة والفهم"، بمعنى حل الإشكالية ومعرفتها عوض عرضها وفقط، فبقينا نكتب عن الحرب وليس عن الثورة، التي تعني التغيير الجذري والتحولات العميقة في المجتمع الجزائري، وبالتالي كان شبه سقوط في فخ الاستوغرافيا الكولونيالية (المدرسة الكولونيالية)، من خلال تبني نفس منطلقاتها المنهجية ومقارباتها الوضعانية، التي تركز على الوثيقة والحدث السياسي والعسكري وغيره، وللتخلص من ذلك، قال المتحدث "علينا تحرير تاريخنا بتحرير ذهن المؤرخين من تلك المنطلقات الكولونيالية، حتى لا نجد أنفسنا بعدها في تناقض أو أمام تاريخ عاطفي". انتقد المتحدث أيضا، المناهج العلمية الحالية، قائلا إن سقف المعرفة في المنهجية لا يزال نفسه منهج القرن 19، الخاص بالنقد الداخلي والخارجي، والتعامل مع الوثيقة، أي "تكوينا كلاسيكيا رديئا". بالنسبة للأستاذ رضوان شافو، فقد ثمن جهود النشر لكتاب التاريخ والمذكرات، وعلى رأسها وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، التي أصدرت في ذكرى الثورة الستين أكثر من 300 عنوان، متوقفا عند دور المتاحف الولائية ورقمنة الأرشيف، والجهود المبذولة منذ فترة التعددية السياسية.