حينما يؤمن الناشر بإنجازات كاتب، قد يبذل مجهودا مضاعفا لإبراز مؤلفاته بشكل أفضل وأوضح، وهو ما حدث مع الناشر عامر جعيجع، صاحب دار "الخلدونية"، الذي بعدما اطلع على رواية "شبح الكليدوني" للدكتور محمد مفلاح، انبهر بها جدا، وقرر أن يجمع عددا كبيرا من روايات الكاتب، وأن يعيد نشرها ويضعها أمام القارئ والباحث. هكذا سعد الكاتب محمد مفلاح كثيرا بهذه الفعلة الرائعة، ووجد نفسه أمام ست عشرة رواية له في عملية بيع بالتوقيع في جناح "الخلدونية"، من بينها أول رواية كتبها عام 1983 بعنوان "الانفجار"، والتي فاز بها بجائزة وطنية، حسبما صرح به ل«المساء"، لينطلق في الحديث عن بعض مواضيع رواياته الأخرى، التي تدور أحداثها في غليزان، مسقط رأسه، ليؤكد فعلا أن الكاتب ابن بيئته. وضمت هذه المجموعة التي ليست بالكاملة، باعتبار أن للكاتب 19 رواية وأعمال أخرى في التاريخ، بمجمل أكثر من 35 إصدارا، روايته الجديدة الموسومة ب"سفر السالكين"، بالإضافة إلى "هموم الزمن الفلاقي"، "زمن العشق والأخطار"، "خيرة والجبال"، "بيت الحمراء"، "الانهيار"، "الكافية والوشام"، "الوساوس الغريبة"، "عائلة من فخار"، "انكسار"، "شعلة المايدة"، "همس الرمادي"، "هوامش الرحلة الأخيرة"، "شبح الكليدوني"، وروايته الأولى"الانفجار". وتحدث مفلاح ل«المساء"، عن روايته الأخيرة "سفر السالكين"، فقال إن فيها نفسا صوفيا، تناول فيها هموم الشيوخ المتقاعدين، ربما لأنه منهم، باعتبار أن الكاتب يكتب عمن يعرفهم، كما يكتب عن بيئته "غليزان" التي يبتغي التعريف بها ليس في الوطن، بل وحتى في العالم. وفي هذا قال "حينما يكتب الكاتب عن بيئته، يعطي للقارئ خصوصية فهم رموز معينة وأشياء تتعلق بتلك المنطقة. المكان مهم جدا في الرواية، ولا يمكن فهم الأحداث اليومية بدون فضاء، وكل فضاء له مميزاته. كما أنني لا أهتم في رواياتي بالجانب الجمالي فقط، بل أعمل أيضا على الجانب المعرفي الذي يقتضي فهم البيئة والمجتمع، مثلما كان يفعل نجيب محفوظ في كتاباته". وأضاف مفلاح أن السياسة موجودة بكثافة في رواياته، لكنه لا يقحم نفسه في العمل، حتى لا يفقد مصداقيته، كما يتطرق أيضا إلى عدة مواضيع تمس المجتمع، مثل الفقر والمؤسسات التي لا تؤدي دورها، مثل البلدية، علاوة على كتابته عن العزلة التي يعيشها الصحراويون، وتفكك عائلات بفعل العشرية السوداء وأحداث الخامس أكتوبر، مؤكدا تسجيله لأهم الأحداث التاريخية في أعماله. كما كتب مفلاح في روايات قليلة، عن أحداث لم يكن شاهدا فيها، تتعلق بالثورة التحريرية، مثل روايتي "الانفجار" و«خيرة والجبال"، هذه الأخيرة كتبها عن معاناة المرأة المريرة في الفترة الاستعمارية للجزائر، بالإضافة إلى كتابته للعديد من الكتب التاريخية. أثناء حديث مفلاح مع "المساء"، أتت إلى زيارته الدكتورة مسعودة جاطة، التي أهدت له كتابها "أحجية الزمن من التأصيل الفلسفي إلى التشكيل السردي" (قراءة في كتاب اعترافات للقديس أوغسطين وروايتي الكافية والوشام وهوامش الرحلة الأخيرة لمحمد مفلاح)، وصرحت ل«المساء"، أنها ستسعى إلى ترجمة كتابها إلى اللغة الإنجليزية، مضيفة أن الكثير من الكتب استشهدت بمقولة أوغسطين "إذا لم يسألك أحد عن الزمن، فإني أعرفه، وحين أسأل عنه، فإني لا أعرفه"، في مواضيع تخص غموض الزمن، لكن الوحيد الذي نبش المقولة بالحس النقدي والفلسفي، من خلال الاعتماد على ثنائيات، من بينها الحضور والغياب، هو الدكتور مفلاح في روايتين له، مبرزا خطابا سرديا مميزا متعلقا بضبابية الزمن. أما مدير نشر "الخلدونية"، الأستاذ عمار جعيجع، فقد تحدث ل«المساء"، عن انبهاره برواية مفلاح المعنونة ب«شبح الكليدوني"، وأعماله الأخرى التي أرخت للمجتمع الجزائري، خاصة بغرب الجزائر، فاتصل بالكاتب واقترح عليه جمع مجموعة من رواياته، حتى تكون متاحة بسهولة للقارئ والباحث، لتبدأ مغامرة البحث عن الروايات الست عشرة، من بين 19 رواية للكاتب في مختلف دور النشر الجزائرية، وقد استمرت هذه العملية عامين كاملين، وتنشر من جديد في دار "الخلدونية"، مؤكدا قدرة الكاتب الجزائري على المنافسة الأدبية داخل وخارج الوطن.